يثير الارتفاع الكبير في مستوى الدين العام للمغرب مخاوف الخبراء في ظل أزمة اقتصادية شاملة بسبب تداعيات فايروس كورونا. وتكشف المؤشرات تجاوز الدين العام في السنة الجديدة ما يعرف بالخط الأحمر.
وبحسب الخبراء فإن مستوى الدين العام سيتجاوز النسبة المسموح بها هذا العام، وهو ما يشكل انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي ككل، كما يتطلب إجراءات عدة للتغلب على الآثار السلبية الناجمة عن الوضع الراهن.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الدين العام الإجمالي في المغرب سيصل إلى نحو 95.6 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، عوض 94.6 في المئة العام الماضي.
ونسبت وكالة سبوتنيك الروسية إلى رشيد ساري، الخبير الاقتصادي المغربي، قوله إن “الدين العام في المغرب سيرتفع إلى مستوى قياسي يتجاوز نسبة 95 في المئة، حيث يتجاوز الخط الأحمر المعتمد من طرف الاتحاد الأوروبي في نسبة 60 في المئة”.
وأضاف أن “دولا عديدة يتجاوز دينها العام على المستوى الداخلي والخارجي نسبة الـ60 في المئة، كما هو الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإيطاليا، أو يتجاوز العتبة المسموح بها، كما هو الحال بالنسبة إلى اليابان وفرنسا”.
وأشار إلى أن هذه المعدلات لا تخيف إذا كانت حصيلة الديون موجهة للاستثمارات، وليس للاستهلاك العادي.
وأثرت جائحة كورونا بشكل سلبي على المغرب، وذلك إثر شح المداخيل، خاصة من العملة الصعبة، مما جعل نسبة الديون ترتفع.
وحسب ساري هناك احتمالات كبيرة لأنْ تشهد سنة 2021 ارتفاعا كبيرا في الدين العام رغم التوقعات بتحسن المداخيل الضريبية من جهة وعائدات الاستثمارات من جهة أخرى. واعتبر أن هذا راجع بالأساس إلى حجم الميزانية المرصودة للاستثمارات، برسم قانون المالية 2021، والتي حددت بحوالي 330 مليار درهم، إضافة إلى البرامج الاجتماعية المهمة كالتغطية الصحية التي ستشمل 22 مليون مستفيد.
ويرى ساري أن الحكومة ملزمة باتباع سياسة تقشفية عبر ترشيد النفقات والبحث عن آليات جديدة لتمويل المشاريع، كالشراكة بين القطاعين الخاص والعام، إضافة إلى ضرورة تشجيع المنتج المحلي والاكتفاء باستيراد مواد الطاقة والأدوية التي لا تُصنع في المغرب.
وقال الخبير الاقتصادي المغربي أوهادي سعيد إن “المغرب سيتوجه لا محالة إلى رقم قياسي خطير لنسبة الدين العمومي خلال سنة 2021، حيث من المنتظر أن يصل إلى أكثر من 95 في المئة من الناتج الإجمالي”.
وأضاف أن “الوضع لم يكن مفاجئا بالنظر من جهة إلى السياسة المتبعة منذ ثمانينات القرن الماضي، ومن جهة ثانية بفعل مخلفات الأزمة الخانقة التي خلفتها أزمة كورونا”.
وبحسب الخبير فإن التزام الدولة بمواكبة الشركات المتضررة والطبقات الشعبية الهشة جعل نفقات الدولة ترتفع بوتيرة سريعة خلال سنة 2020 مع انخفاض ملموس للموارد، خصوصا الموارد الجبائية، بحكم انخفاض وتيرة الاقتصاد المغربي، بالإضافة إلى تدهور مداخيل السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج.
ورأى أنه من المنتظر أن يمثل الدين الخارجي أكثر من 24 في المئة من الدين الإجمالي وأكثر من 18 في المئة من الناتج الإجمالي، مما سيحد من استقلالية القرارات الاقتصادية للحكومة المغربية. واعتبر أن الإجراءات المتوقعة غير كافية للتحكم في إشكالية الدين العام.
وأشار إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة الاستثمار العمومي، حيث أنه من المنتظر أن يصل إلى مبلغ 230 مليار درهم، أي ما يمثل 6 في المئة من الناتج الإجمالي، وقد ظلت مردودية هذا المجال محدودة.
ووفقا لسعيد، فإن مراجعة سياسة الأجور في القطاع العام ضرورية، حيث أن متوسط الأجور يتجاوز 8000 درهم شهريا.
أما النقطة الثالثة بحسب الخبير فتتمثل في إيجاد آليات جديدة لتمويل الاستثمار العمومي دون الضغط على نسبة المديونية المرتفعة.
وتتمثل النقطة الرابعة في الجرأة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم الكثير من المؤسسات العمومية التي لا تخلق قيمة مضافة، وكذلك تجويد الحكامة المالية في العديد من المؤسسات العمومية.
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي المغربي، إدريس الفينا، إن “ارتفاع الدين العام ظاهرة عالمية حدثت إثر انخفاض الإنتاج وتراجع المداخيل الضريبية بعد جائحة كورونا”.
وأضاف أن هناك نقاشات بين الدول الكبرى لحل الأزمة، خاصة في ما يتعلق بعمليات التمويل.