عاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأحد إلى ألمانيا لتلقي العلاج من مضاعفات تسبب بها كوفيد-19 الذي سبق أن أصيب به، وفق ما أفاد التلفزيون العام الحكومي، لتعود بذلك الجزائر إلى مربع الجمود السياسي فيما لم تغادر مربع الغموض المحيط بوضع الرئيس الصحي وما رافقه من شائعات في مشهد يعيد في كل مرة إلى الأذهان ما كانت عليه البلاد في فترة مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي أصيب بجلطة دماغية في 2013 غيّبته عن الظهور لسنوات.
واستقال بوتفليقة من منصبه في أبريل 2019 بعد أشهر من مظاهرات حاشدة بدأت باحتجاجات على ترشحه لولاية رئاسية خامسة ثم تحولت إلى مطالبة برحيله ورحيل نظامه. وخلفه في المنصب في ذروة الحراك الشعبي رئيس البرلمان عبدالقادر بن صالح وفق المادة 102 من الدستور حتى إجراء انتخابات رئاسية جاءت بعبدالمجيد تبون في ديسمبر 2019 للرئاسة وسط مقاطعة شعبية غير مسبوقة.
ثم غاب تبون لشهرين بعد إصابته بفيروس كورونا ونقله للعلاج في ألمانيا ولم يمارس أيا من صلاحياته منذ عودته من ألمانيا باستثناء التوقيع على قانون المالية للعام 2021 ليختفي مرة أخرى في رحلة علاج جديدة من المتوقع أن تثير الكثير من علامات الاستفهام حول وضعه الصحي مع تقدمه في السنّ (76 سنة).
قبل شهرين خاطب تبون الجزائريين عبر تويتر وبدا عليه الارهاق واثار المرض
وعاد تبون إلى الجزائر للتوقيع على موازنة العام الجديد قبل 31 ديسمبر من العام الماضي تجنبا لحدوث أزمة (أي ليكون تطبيق قانون المالية في موعده بالنسبة للسنة الجديدة) وتوقيع المرسوم الخاص بتعديل الدستور الذي أجري استفتاء في شأنه في الأول من نوفمبر.
وتأتي هذه العودة إلى ألمانيا بعد أقل من أسبوعين من إقامة علاجية أولى في هذا البلد استمرت شهرين. ولم تصدر أي معلومات عن فترة بقاء الرئيس الجزائري في الخارج لاستكمال علاجه.
وواجهت مؤسسة الرئاسة الجزائرية في السابق انتقادات بسبب سياسة التعتيم التي تتبعها حين يتعلق الأمر بصحة البلاد وحافظت على سياسة ذاتها التي اتبعتها في عهد الرئيس السابق بوتفليقة.
ويرى خبراء أن هناك اخلالات في السياسة الاتصالية والتواصل مع الشعب ما يترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام التأويلات والشائعات.
وكان تبون قد عاد من برلين في 29 ديسمبر 2020 بعد تلقيه العلاج من فيروس كورونا المستجد الذي أصيب به في أكتوبر من العام الماضي وتمضيته فترة نقاهة.
وعرض التلفزيون العام الأحد مشاهد للرئيس الجزائري في صالون الشرف في قاعدة بوفاريك الجوية قرب الجزائر العاصمة، حيث كان في وداعه مسؤولون كبار قبل أن يغادر إلى برلين.
وذكر أنه كان مقررا أن يتلقى الرئيس هذا العلاج قبل عودته إلى الجزائر، لكن العملية تأجلت كونها غير ملحة وبسبب التزامات لتبون تتصل ببعض “الملفات الطارئة”.
ويرى البعض أن وجود تبون أو غيابه لا يعني الكثير باعتبار أنه امتداد للنظام السابق وأن السفينة تسير وفق مسار مرسوم لها مسبقا، فالقضية تتعلق بالسياسات وليس بالأشخاص.
لكن كثيرا من السياسيين يرى أن وضع الرئيس الصحي حتى وان اختلف الجزائريون على حجم شرعيته، سيكون له تداعيات سياسية واقتصادية على وضع البلد الذي يئن أصلا تحت وطأة أزمة آخذة في التعاظم بسبب تراجع إيرادات النفط وتأثيرات جائحة كورونا وتآكل احتياطات الدولة من النقد الأجنبي في الوقت الذي تستورد فيه الجزائر معظم احتياجاتها بالعملة الصعبة.
وتعاني البلاد من ثغرة دستورية كان يفترض أن تحسم الجدل لو تمت معالجتها في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وهي استحداث منصب نائب للرئيس يتولى المهام في غيابه (بغض النظر عن أسباب التغيب).
وبالفعل طرحت هذه النقطة ضمن مسودة تعديل الدستور، لكنها أثارت جدلا قبل أن يجري إسقاطها من التعديلات فقد تحدثت مسودة التعديلات عن إمكانية تعيين الرئيس لنائب له ولم تتحدث عن تعيين وجوبي (كأنها مسألة اختيارية للرئيس) كما لم تحدد للنائب أي صلاحيات.
وفي سبتمبر من العام الماضي أسقطت هيئة الخبراء المكلفة بمراجعة الدستور المادة التي تتيح لرئيس الدولة صلاحية تعيين نائب رئيس مع إمكانية خلافته في أي وقت يظهر فيه الشغور في منصب الرئاسة.
وأثيرت مسألة استحداث منصب نائب لرئيس الدولة لتجنب ما حدث خلال فترات مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وما رافقه (المرض) من رحلات علاج في الخارج.
وتجد الجزائر نفسها اليوم عالقة في الإشكال الدستوري ذاته، فلا التعديلات أقرت استحداث منصب نائب للرئيس ولا الرئيس ذاته أبدى رغبة في الدفع بهذا الإصلاح الدستوري وهو الذي حشد للتعديلات بشدة والتي شكلت في النهاية اختبارا لحجم شعبيته حيث قاطع معظم الجزائريين الاقتراع على الاستفتاء.
وتُفَسر مجمل التطورات السابقة بأحد أمرين، فإما أنها تؤكد فرضية الإرباك في تسيير الدولة النفطية العضو في منظمة أوبك أو فرضية رغبة النظام في الإبقاء على سياسات سابقة ثبت فشلها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.