احتجاجات متصاعدة تشهدها تونس تخللتها أعمال عنف وسط تبادل للاتهامات بين السلطات والأحزاب الداعمة لحكومة هشام المشيشي والمعارضة التي تقول إن هذه الموجة من المظاهرات كانت متوقعة نظرا لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في وقت تعرف فيه البلاد أزمة سياسية بسبب القطيعة بين الرئيس قيس سعيد والمشيشي وتعمق الانقسامات بين مكونات المشهد.
تجددت، الاثنين، الاحتجاجات في العاصمة التونسية ومدن أخرى، ولكن هذه المرة في النهار بعدما وجهت اتهامات إلى المشاركين فيها بتنفيذ أجندات خفية واستهداف مؤسسات عامة أو خاصة بالتخريب خلال المظاهرات الليلية التي شهدتها الكثير من المدن في الأيام الماضية، في خطوة يعتبر مراقبون أنها ستضع الطبقة السياسية الحاكمة في موقف صعب بعد فشل خياراتها في قيادة البلاد خلال السنوات العشر الماضية.
وخرج عشرات المتظاهرين إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، الاثنين، في احتجاج رفعوا خلاله شعار “ها قد جئنا بالنهار”، وكذلك “لا خوف لا رعب… الشارع ملك الشعب”. كما رفعوا شعارات ضد الطبقة السياسية الحاكمة، وخاصة حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني إن الشرطة اعتقلت 632 شخصا الأحد بعد ما وصفته بأعمال شغب في مختلف أنحاء البلاد شملت أعمال نهب وهجمات على الممتلكات. وأضاف أن معظم المعتقلين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاما.
وفيما سعى ممثلو التحالف البرلماني الداعم للحكومة إلى اتهام المحتجين بإثارة الفوضى، والارتهان لأجندات مشبوهة، يعتقد سياسيون معارضون وخبراء أن الأمر يخرج عن دائرة المؤامرة، أو اتهام هذه الجهة السياسية، إلى ما هو أعمق، وهو فشل الطبقة السياسية الحاكمة في قيادة البلاد.
ويرى هؤلاء أن الاحتجاجات تبعث برسائل واضحة إلى الطبقة السياسية التي أمضت الوقت في الصراعات ولم تلتفت إلى مطالب الفئات الضعيفة، وخاصة الشباب، الفئة المتضررة من نموذج اقتصادي غير منتج ولم يوفر وظائف في الوقت الذي يزداد فيه طالبو الشغل سنويا بالآلاف.
وقال النائب في البرلمان منجي الرحوي إن “هذه احتجاجات شبابية هدفها تصحيح المسار واستعادة زمام المبادرة أمام من سرقوا ثورة يناير 2011”.
وأضاف الرحوي أن “هذا الشباب لن يسمح بأي تسويات على حسابه (…) فهو يحتج بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن يجب أن تكون هذه الاحتجاجات سلمية جماهيرية وواسعة لتحقيق مطالبها”.
ومن الواضح أن الجدل بشأن توقيت الاحتجاج، ليلا أو نهارا، لا يمكن أن يحجب حقيقة الأزمة، وحقيقة أن الشباب قد فقد ثقته في الطبقة السياسية الحاكمة.
واعتبر الأستاذ بجامعة تونس والباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي أن ”الزمن الاحتجاجي تغير في العالم ولم يعد زمنا نهاريا، وأصبح الزمن الاحتجاجي الليلي جزءا من المساحة الزمنية التي يحتج فيها الغاضبون من الأوضاع”.
وأوضح في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة أن “المحتجين وجدوا أن احتجاجهم الليلي يمكّنهم من إيصال صوتهم”، مشددا على أن “عمليات السرقة والنهب عادة ما تصاحب جميع الاحتجاجات لوجود صنف من المحتجين لهم مثل هذه الغايات، وهي ليست مسألة مستجدة في تونس أو في العالم”.
وبالرغم من تعبير ممثلي الطبقة الحاكمة عن الرغبة في تنفيذ إصلاحات عاجلة تستجيب لمطالب الشارع، إلا أن ذلك لا يحجب أن الحلول التقليدية لم تعد تفيد بذلك الحوار الوطني الذي يدعو إليه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية)، وهي حلول يعتبرها المحتجون بمثابة إعطاء مبررات لمنح الطبقة الحاكمة وقتا أطول أكثر مما هي حلول حقيقية وناجعة.
وقال البرلماني السابق عبدالعزيز القطي إن “الواضح أن الاحتجاجات تترجم الأزمة التي استفحلت في مواقع القرار في تونس (…)، أزمة طالت كل مؤسسات الدولة من البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، سواء على مستوى أداء هذه المؤسسات أو على مستوى شرعيتها (…)، الفقر يزداد والبطالة تتفاقم”.
ورأى القطي في تصريح له أن “كل الأطراف تتحمل المسؤولية (…)، ما نعيشه اليوم هو محاولة للإبقاء على هذه المنظومة الميتة بالآلات الاصطناعية (…)، الحوار الوطني لن يكون حلا بل حسب ما يتم الإعداد له لن يكون له أي تأثير (…)، قد يفرز حكومة أخرى لكن الحل لا يكمن في تغيير الحكومات”.
وبالرغم من أن أجندة الحوار المبدئية لا تشمل الإطاحة بحكومة هشام المشيشي وتشكيل حكومة وحدة وطنية فإن رئيس الحكومة يبدو في وضع غير مريح، لاسيما في ظل شبهات الفساد التي تحيط بالبعض من الوزراء الذين ضمهم التعديل الأخير.
ورغم أن هذا الحوار من المفترض أن يتطرق إلى إصلاحات سياسية على صلة بالقانون الانتخابي وإجراءات لإنعاش الاقتصاد الوطني والحد من الاحتقان المجتمعي، فإن أوساطا تونسية لا تستبعد أن يكون من بين مخرجات هذا الاستحقاق تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود البلاد إلى انتخابات سابقة لأوانها مع تزايد الغضب إزاء المنظومة الحالية المنقسمة على نفسها منذ انتخابات 2019.
وأضعف التعديل الوزاري الأخير حكومة المشيشي الذي اختار ترضية حركة النهضة الإسلامية (54 نائبا) وحزب قلب تونس (30 نائبا) وأطراف سياسية ونقابية أخرى من أجل التخلص من التبعية للرئيس قيس سعيد، وهي خطوة حذر فاعلون سياسيون من تداعياتها.
وأعلنت حركة النهضة الإسلامية في بيان أنها تدعم التعديل الوزاري الذي أعلن عنه المشيشي منددة بـ”الأحداث التخريبية” ودعت التونسيين إلى التصدي لها.
ولكن مقربين من الكتلة البرلمانية للنهضة قالوا إن هناك انقساما حول التعديل بعد تواتر الحديث عن شبهات فساد تحوم حول بعض الوزراء، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأمور على المشيشي، لاسيما أن كتلة ائتلاف الكرامة التي تعد من بين الحزام البرلماني الداعم لحكومته قررت عدم التصويت له.