تظهر أعمال العنف في مبنى الكابيتول وما تلاها من جدل واسع حول تبعات ما سيحدث مستقبلا، أن ثمة حلقة مفقودة في سياسة مكافحة الإرهاب والتطرف داخل الولايات المتحدة، وقد انعكس ذلك عبر المخاوف المتنامية والانتقادات التي قذف بها كبار مسؤولي إنفاذ القانون والخبراء في أحضان صناع القرار السياسي الأميركي.
وبات الإرهاب المحلي يشكل التحدي الرئيسي الأبرز في الولايات المتحدة على ما يبدو، في ضوء إدارات متعددة تعمل على مكافحة الإرهاب في بلد ذاق ويلاته منذ هجمات دموية قاسية في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ولم تتغافل الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ عن ملاحقة كل العناصر الإرهابية حول العالم، لكن يبدو أن مهمة إنهاء الخطر ما تزال معقدة في بلد يتسم ببيئة أمنية وطنية متشعبة، في ظل وجود مخاوف من مخاطر اليمين المتطرف، ما دفع كبار المسؤولين في هيئات مكافحة الإرهاب المحلية إلى التحذير من تنامي عدد المتطرفين الذين يعيشون بالبلاد.
وفي تحرك ميداني مؤقت تحسبا لأي أعمال عنف جديدة، قال الجنرال دانيال هوكانسون قائد الحرس الوطني الأميركي إنه تم تكليف الحرس الوطني بتعبئة ما يصل إلى 15 ألفا من القوات في العاصمة واشنطن لدعم تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في وقت لاحق من هذا الشهر.
وحذر خبراء لسنوات من الجهود التي يبذلها المتطرفون اليمينيون والجماعات المتعصبة للعرق الأبيض وتجنيدهم من خلال التدريب العسكري وإنفاذ القانون ويقولون إن ما حصل في الـ6 من يناير والذي خلف 5 قتلى شهد بعضا من أسوأ حالاته.
وقال مايكل جيرمان العميل السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي وزميل في مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك إن “لعاب داعش والقاعدة كان يسيل من تدريب وخبرة ضابط عسكري أميركي”. وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص لديهم تدريب وقدرات تفوق بكثير ما يمكن أن تفعله أي جماعة إرهابية أجنبية.
وبينما احتشد أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب خارج مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي وغنوا النشيد الوطني الأميركي، سار صف من الرجال يرتدون خوذات زيتية ودروعا للجسم عن قصد فوق السلالم الرخامية في صف واحد، وكل رجل منهم يحمل طوق سترة من الأمام.
ويؤكد جيرمان أن هذا التشكيل، المعروف باسم “ملف الحارس”، هو إجراء تشغيل قياسي لفريق قتالي “يتكدس” لاختراق مبنى ويمكن التعرف عليه على الفور لأي جندي أميركي أو من مشاة البحرية الذين خدموا في العراق وأفغانستان.
ومن أبرز تلك النماذج مقدم متقاعد بالقوات الجوية ومحارب قديم من تكساس تم القبض عليه بعد أن تم تصويره وهو يرتدي خوذة ودروعا واقية على أرضية مجلس الشيوخ، وهو يحمل زوجا من الأصفاد. وقد تم إطلاق النار على محارب آخر في سلاح الجو من سان دييغو على يد ضابط شرطة في الكابيتول أثناء محاولته القفز عبر حاجز بالقرب من غرفة المنزل.
وفي حين يمثل التطرف داخل الجيش مشكلة منذ وقت طويل، فمن المرجح أن يخضع الأمر إلى تدقيق متزايد. وتقول وزارة الدفاع (البنتاغون) إنها تتعاون مع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف.بي.آي) للتأكد من عدم وجود عسكريين حاليين في الخدمة بين المهاجمين في تلك الواقعة.
وسيدرس الجيش كذلك ما إذا كان بحاجة لمراجعة خلفيات أي من أفراد الحرس الوطني المكلفين بتأمين تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن الأربعاء المقبل، خاصة بعد أن لاحظ زيادة حالات الإبلاغ عن التطرف داخل وحدات القوات العسكرية قياسا بما هو الحال في المجتمع المدني.
وحرك القصور الصارخ والثغرات التي تعتري القوانين الأميركية في مواجهة هذه الظاهرة مشاعر المسؤولين، وقد اعتبر المسؤول الأول في جهاز مكافحة الإرهاب بولاية نيويورك جون ميلر أن الولايات المتحدة تحتاج إلى قوانين جديدة في مواجهة الخطر الذي يمثله المتطرفون و”الإرهابيون في الداخل”، على غرار أولئك الذين هاجموا مبنى الكابيتول.
ويعكس إقرار ميلر خلال مؤتمر صحافي حينما قال “ليست لدينا قوانين ضد الإرهاب الداخلي مقارنة بما لدينا ضد الإرهاب الدولي” أن ثمة مشكلة هيكلية في سياسة مكافحة التطرف على المستوى الداخلي، وهو ما يعني أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيكون أمام أحد أهم التحديات خلال ولايته إلى جانب إصلاح الاقتصاد ومواجهة الوباء.
ويمكن ملاحقة أميركي في حال مشاركته في نقاش على منتدى تابع لتنظيم داعش، لكن لا تتم ملاحقته في حال كان يتواصل مع مجموعة نازيين جدد في الولايات المتحدة، حتى لو كان يسعى إلى الحصول على أسلحة، لكن محللين يعتقدون أن واشنطن قادرة أكثر على مواجهة الجهاديين منها أعمال العنف التي يرتكبها اليمين المتطرف.
ويرى ميلر أن الأميركيين مترددون كثيرا في تعطيل أنشطة يحميها الدستور، ولذلك من الضروري الآن إعادة تقييم المسألة بالنسبة إلى المجموعات التي تنشط في الولايات المتحدة مع فكرة إسقاط الحكومة من خلال العنف.
وقال إنه “لا ينبغي علينا أن نمرّ بقائمة من المواد القانونية للعثور على تلك التي تتوافق مع جنحة ما. يجب أن يكون ثمة نصّ شامل يتطرق إلى منظمات الإرهاب الداخلي”. وتابع “أولئك الذين كانوا يعتبرون أنها ليست فكرة جيدة منذ أسبوعين، ينبغي عليهم على الأرجح التفكير فيها مجددا الآن”.