مهاجرون أفارقة تركوا حلم أوروبا لينجحوا في المغرب

Belbazi

رحلة الشباب القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، على أمل العبور إلى الضفة الأوروبية، ملآى بالمخاطر والعراقيل. ولاقتناع بعضهم بأن الحياة في أوروبا غير مضمونة النتائج، فقد اختاروا الاستقرار في المملكة المغربية بعد تسوية وضعياتهم القانونية والانخراط في سوق العمل، فمنهم من اشتغل في أعمال بسيطة ومنهم من بعث مشروعه الخاص.

يصل المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب لغايات مختلفة، ورغم أن أغلبهم يجعله محطة للانتقال إلى أوروبا عبر مدينتي سبتة ومليلية إلّا أن هناك من يختارون الاستقرار فيه، إما بسبب الدراسة، أو العمل.

بعض المهاجرين الذين يفضلون الاستقرار في المغرب ليجعلوا منه بلد إقامة وليس مجرد نقطة عبور، يفسرون اختيارهم هذا بأسباب مرتبطة أساسا بالآفاق التي توفرها لهم المملكة في سعيهم نحو حياة أفضل.

ويتجلى هذا الواقع في توجه غالبية هؤلاء المهاجرين الأفارقة، ولاسيما في السنوات الأخيرة، إلى امتهان حرف بسيطة ساعين إلى تعلم اللهجة والعادات والتقاليد المغربية، كما أن الأمر يتعلق بقرار من جانب هؤلاء لتجاوز كبوات الماضي والإمساك مجددا بزمام مستقبلهم.

وعلى نحو متزايد، أصبح العمل في وظائف غير مهيكلة أو موسمية في مختلف الأنشطة أمرا اعتياديا، ولاسيما في المراكز الحضرية التي يتدفقون عليها بشكل متزايد وبأعداد كبيرة.

ويكتسي وجود هذه الفئة في سوق العمل بتنوع كبير، بدءا من الحرف المحلية (سوّاق، بستانيون…)، وصولا إلى العمل في قطاع البناء أو كباعة متجولين. وقد أثبتوا أيضا جدارتهم في الحرف غير اليدوية مثل العمل في مراكز النداء، ولاسيما بفضل إتقان اللغات الأجنبية، وخصوصا الفرنسية.

يقول أسان، وهو سنغالي مقيم في المغرب منذ تسع سنوات ويعمل في محل لتنظيف الملابس في حي أكدال بالرباط، إنه قام بـ”رحلة طويلة” إلى العاصمة المغربية لغرض وحيد وهو أن “يعيش حياة أفضل”.

لا حاجة إلى إيجاد شريك مغربي ليؤسس الأجنبي مشروعه الخاص على خلاف بلدان أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط

ومن خلال تصفح العديد من الصور، التي تظهر كيف تمكن من تجاوز أوقات صعبة، عندما كان يشتغل في أعمال شاقة هنا وهناك، خاصة كعامل بناء مبتدئ، ثم كبائع متنقل للإكسسوارات، يدرك أسان أنه بات الآن في “أفضل حال”، وأن جميع التجارب السابقة التي مر بها انتهت به إلى الاقتناع بأنه لا ينبغي الاستسلام أبدا.

وكما لا يخفى على أحد فإن البحث عن شغل أول مرة أو فرصة عمل جديد، ليس بالأمر الهين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعثور عليه في بلد مضيف.

ومع ذلك، فإن الأفق يبدو غير واضح بالنسبة إلى البعض، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بخوض مغامرة في قطاع المقاولات بصفة مهاجر.

لكن بالنسبة إلى إنكوي إيما فان كليف، رئيس كنفيدرالية المقاولين والأطر الشباب لأفريقيا جنوب الصحراء في المغرب، وهي هيئة تضم ما يقرب من 200 مقاول وإطار، فإنه لا يشاطر هذا الرأي، ويرغب في دحض الأفكار والأحكام الجاهزة حول فرص عمل المهاجرين في المغرب.

وصل فان كليف وهو كونغولي الجنسية، إلى المغرب كطالب في المحاسبة المالية في أكتوبر 2005، حيث وجد ملاذا آمنا حتى الآن.

ووفق تصريحه للوكالة ذاتها، فبعد عشر سنوات، قرر تأسيس شركته الخاصة كمقاول ذاتي، قبل الانتقال إلى شركة ذات مسؤولية محدودة. ويرجع السبب وراء قراره إلى اعتقاده الصادق بأن الفرص متعددة ومتاحة بالمغرب لأيّ راغب في العمل بمجال المال والأعمال، وقد تمكّن من خلال مشروعه من إنشاء فروع ببلدان أخرى.

ولدى سؤاله عن المصادر الحقيقية للتحفيز التي تقنع مواطني أفريقيا جنوب الصحراء بالتوجه إلى مجال المقاولة في المغرب، أجاب “إنهم يفعلون ذلك لسببين، إمّا بسبب الضرورة والعمل في ميادين المطاعم والحلاقة والتجارة، وإمّا لأنهم درسوا في المغرب ويريدون أن يشتغلوا لحسابهم الخاص”.

اندماج لأطفال المهاجرين

وفي ما يتعلق بالمزايا، يوضح رجل الأعمال الكونغولي الشاب، أن في المغرب “سوقا كبيرة من الزبائن في أفريقيا جنوب الصحراء، والعديد من الأمور التي تتم في إطار التعاون جنوب – جنوب، وهي لا تزال غير موجودة في بلداننا الأصلية، ناهيك عن مناخ الأعمال الملائم في المغرب”.

وعلى خلاف بلدان أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، “ففي المغرب، لا حاجة إلى إيجاد شريك مغربي ليؤسس الأجنبي مقاولته الخاصة، كما أن المقاولين المغاربة مستعدون دائما للتعاون مع نظرائهم الأفارقة لإيجاد أسواق على مستوى أفريقيا جنوب الصحراء”.

وبالنسبة إلى المهاجرين المستقرين حديثا في المغرب أو الذين يفكرون في دخول عالم المقاولة، يعتبر إنكوي إيما فان كليف أن “الوقت مناسب لخوض المغامرة”.

وقال موسى أبيدي (34 عاما) ” وصلت إلى المغرب قادما من السنغال قبل 7 سنوات، على أمل الالتحاق بأوروبا.. حلمي لم يتحقق إلى حدود اليوم. في الدار البيضاء زاولت مهنا مختلفة إلى أن انتهى بي المطاف بائعا للحقائب والأحذية النسائية داخل السوق الأفريقية. إني أعمل هنا لأعيش فقط”.

ويضيف موسى، “أنا مرتاح نسبيا في المغرب، واندمجت تدريجيا مع الحياة هنا، هدفي اليوم هو تطوير عملي، وليس لي طموح آخر سوى جمع المال لأوفر حياة أفضل لي ولعائلتي في السنغال”.

ومنذ سنوات يعمل الكاميروني ريتشارد وينونغ تقني كهربائي في الدار البيضاء، وتدير زوجته صالون تجميل، ريتشارد من الذين رأوا في البداية أن المغرب دولة عبور فقط في طريقهم إلى أوروبا، ولكنه غيّر رأيه بعد ذلك، “رأيت أن ذلك غير مهمّ بالنسبة إليّ، لأنني حصلت على بعض الوظائف التي بإمكاني القيام بها في المغرب. الأمور تسير على ما يرام معي، ولا حاجة للذهاب إلى أوروبا”.

وفي السنوات الماضية، حصل الآلاف من أفارقة جنوب الصحراء على وثائق إقامة مغربية، وذلك بعد مبادرات أطلقتها السلطات المغربية، من أجل جعل إقامة المهاجرين قانونية في المغرب.

يقول ريتشارد إن لديه العديد من الأصدقاء والأقارب الذين توجهوا إلى أوروبا. لكن لم تكن لكل منهم نهاية سعيدة، “المسألة صعبة للغاية. فمنهم من فقد حياته ومنهم من نجح”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: