“بوليساريو” تعود إلى حجمها الحقيقي

الرقيبي

الإعلام الجزائري بدأ ينزل عن حصان الادعاءات والأباطيل

توصلت جبهة “بوليساريو”، أخيرا، إلى حقيقة حجمها داخل المعادلة الإقليمية، التي ظنت أنها تستطيع أن تؤثر عليها بشطحات غير مدروسة، منذ مغامرة إقحام المدنيين في أجندات الجنرالات أمام الكركرات، منتصف أكتوبر 2020، ثم الدفع بمشروع السلام إلى الهاوية، بعد الانسحاب من الاتفاق العسكري، وكان كل هذا ضمن إستراتيجية فاشلة، اعتمدها عسكر مبنى عنتر بثكنة بن عكنون، تقوم على تصدير الأزمة الداخلية للجزائر، في اتجاه الحدود الغربية، وهو ما وقفوا على استحالته، بعدما استنفدوا كل جهودهم، الإعلامية والتحريضية، فحصدوا التجاهل والعزلة الدولية.

صحيح أن الأجهزة الأمنية الجزائرية حققت تقدما في ملف مهم، ظلت تفكر في طريقة علاجه منذ 2011، ألا وهو إخضاع تسيير الشؤون الداخلية للمخيم لسلطات مكتب التنسيق العسكري الجزائري بتندوف، إذ نجحت فيه فعلا، مع بداية الترويج لما اصطلح على تسميته “حرب التحرير الثانية”، فوسعت نطاق عمل وحداتها، التي كانت مرابطة بقاعدة الغزواني، ليشمل كل المخيمات، بعدما كان محصورا في الرابوني وضواحيه، حيث أصبحت المكاتب الاستخباراتية الجزائرية منتشرة في كل زوايا المخيم، بل وتتحكم في طبيعة سير الأحداث، وهي بذلك تسترجع سلطتها الحقيقية على أراض جزائرية تتحمل مسؤولية كل ما يقع فيها من تجاوزات، خارج نطاق القانون.

ومع تناقص وتيرة التحريض والتعبئة داخل المخيم، وعودة معظم مقاتلي الجبهة من المناطق العازلة إلى ممارسة حياتهم ما قبل الأحداث، فإن “بوليساريو” تحاول، بذلك، استرجاع الوضعية القائمة ما قبل نونبر 2020، ولكن بطريقة ذكية قليلا، فهي أعادت المقاتلين تحت يافطة استقبالات شعبية للتغطية على الفشل المتحصل عليه من بعد خمسين بلاغا عسكريا.
كما خففت من حدة لغة التصريحات التي كان يطلقها جناح معين من القادة، بغرض إحراج زعيم الجبهة، وهو ما تفطن له وأعطى تعليمات صارمة لـ “أبي بشرايا” ومن يدور في فلكه، بضرورة التوقف، أو على الأقل التخفيف، من اللقاءات التلفزيونية، كما أن الإعلام الجزائري بدأ في النزول عن حصان الادعاءات، والأباطيل التي روج لها طيلة المدة الماضية، ليتضح جليا أن الأمور كانت مجرد مناورة لكسب الوقت إلى غاية ترتيب البيت الداخلي في الجزائر، وهو ما حصل فعلا، وإن بوتيرة أقل من المتوقع، فبينما كانت طائرة خالد نزار تحط ببوفاريك والمحكمة العسكرية تبرئ توفيق، والرئاسة تستعد لإصدار عفو عن عصابة بوتفليقة، كان الإعلام الجزائري يتحدث عن قصف، مكثف تارة، ومركز تارة أخرى!

وبقراءة متجردة، يتضح أن كل طرف حقق مكسبا من وراء قضية معبر الكركرات، فالمغرب بسط سيطرته على المنطقة، التي أثارت الكثير من الجدل، والجزائر وجدت الحجة السانحة بدخول أجهزتها الأمنية إلى المخيمات، أما “بوليساريو”، فخرجت من كل هذا بخفي حنين، وبدت مجرد أداة لتحقيق غايات الجنرالات ليس إلا.

غير أن جناحا معينا في الجبهة حقق مكسبا كان يبحث عن سبب مباشر لإعلانه، وهو أن قيادات “ركيبات الساحل” أثبتت للجزائر أنها هي الأخرى يمكن الاعتماد عليها في مهمات ثقيلة كالتي نفذتها، أخيرا، بالكركرات، وبذلك تكون قد زاحمت قيادات الشرق على بساط الولاء للثكنات العسكرية، التي زادت هيمنتها على الجبهة منذ تولي محمد عبد العزيز لزعامة “بوليساريو” في أكتوبر 1976.
بعد كل هذه الأحداث والتطورات، التي حصلت في ملف الصحراء، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، آن الأوان كي يفكر المغرب في إنشاء آلية وطنية، لإطلاق مبادرة إنسانية دولية، لأجل احتواء سكان المخيمات، الذين تحولوا إلى أداة حقيقية لدى المخابرات الجزائرية، تسخرها لتنفيذ أجنداتها الإقليمية وأهدافها الأمنية، وهو الأمر الذي سيرفضه العالم أجمع لو توافرت الإيضاحات والتحليلات الكافية عن حقيقة الأوضاع الإنسانية والحقوقية، بتلك المنطقة البعيدة عن أعين الإعلام العالمي المحايد، نتيجة لجملة من القيود التي يفرضها عسكر بن عكنون على كل أجنبي يفكر في الدخول إلى تلك الحفرة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: