الرباط تمضي في التقارب مع واشنطن من بوابة التعاون العسكري

ماموني

يرى خبراء في السياسات الأمنية أن الاستراتيجية الدفاعية للمغرب تتمحور حول تشخيص المخاطر المتسارعة على الأمن القومي وتحديدها ومنها ملفا الصحراء والإرهاب، وهي القضايا التي جعلت صاحب القرار يوسع دائرة الانخراط في التنسيق الأمني والعسكري التقني مع الولايات المتحدة لتشمل التعاون المباشر في العديد من الملفات والقضايا الدولية نظرا لدور الرباط المهم إقليميا وأمنيا.

عرفت علاقات التعاون بين المغرب والولايات المتحدة طفرة نوعية في السنوات الأخيرة توجت بالاعتراف التاريخي بسيادة المغرب على صحرائه وما يمثله من تحول جيوسياسي مهم سيعزز الشراكة الاستراتيجية متعددة الأشكال المبنية على تنسيق وثيق على جميع المستويات، منها العسكري والأمني.

ويصب اجتماع اللجنة الاستشارية المغربية – الأميركية للدفاع المنعقدة الثلاثاء الماضي في هذا السياق. وقد مثل الجانب الأميركي نائب وزير الدفاع، المكلف بالشؤون السياسية أنتوني تاتا، فيما مثل الجانب المغربي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبداللطيف لوديي.

واللافت أن انعقاد هذا الاجتماع الذي يتم كل سنتين بالتناوب بين الرباط وواشنطن، يأتي بعد أسابيع من عقد اتفاق عسكري مدته عشر سنوات في إطار دعم التقارب بين الحليفين الاستراتيجيين.

توثيق التحالف الاستراتيجي

في إطار الاجتماع الـ11 للجنة الدفاع الاستشارية المغربية – الأميركية، عُقدت جلسة عمل مصغرة تحت الرئاسة المشتركة للجنرال دو كور دارمي، القائد العام للقوات المسلحة الملكية، ونائب وزير الدفاع الأميركي المكلف بالشؤون السياسية، تناولت التعاون العسكري المغربي – الأميركي وآفاق تطويره في خطوة مهمة لتوثيق هذا التحالف الاستراتيجي.

وأعقبت جلسة العمل هذه جلسة عامة حضرها أعضاء الوفد الأميركي وقائد الدرك الملكي ورؤساء هيئات القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية. ناقش فيها الوفدان المغربي والأميركي، مختلف الجوانب والتوجهات الأساسية لتفعيل العمل المشترك.

وتؤسس الولايات المتحدة استراتيجياتها الدفاعية عبر ترتيب محاور علاقاتها مع المغرب الذي اتخذ شكلا متقدما وديناميكيا منذ عقود. وقد أبرز لوديي ذلك حينما أكد أن بلاده ملتزمة تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس تجاه واشنطن باعتبارها فاعلا مهما في الاستقرار الإقليمي عبر تفعيل استراتيجية متعددة الأبعاد في مجال مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب غير المشروعة ومكافحة الهجرة.

وتجمع واشنطن والرباط علاقات قوية على مستوى التعاون العسكري ومحاربة الإرهاب. حيث تعد الولايات المتحدة أول مزود للمغرب بالأسلحة، كما نجح البلدان في توسيع الشراكة الاستراتيجية بينهما من خلال اتفاقية التبادل الحر، وتعزيز التعاون الأمني، وتكثيف الجهود المشتركة لتعزيز التسامح والحريات الدينية.

هشام معتضد: البلدان يواجهان تحديات مشتركة لذلك يوثقان تحالفهما

ويعتقد المحللون أن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين يحركه التوافق حول رؤية مشتركة لخطورة الارتباطات في منطقة الساحل بين الجماعات المتطرفة وأباطرة المخدرات وتجّار الأسلحة والبشر مع الاختراق الشيعي الإيراني للمنطقة وما يمثله من تهديدات واقعية، وهو المتغير الذي دفع المغرب إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران.

ويؤكد هشام معتضد، الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية أن تفعيل عناصر الاتفاق العسكري والذي يمتد لعشر سنوات بين المغرب والولايات المتحدة يترجم مدى حرص البلدين على تقوية أواصر التعاون الأمني والدفاع المشترك، وخاصة الدفع باللجنة الاستشارية العسكرية المغربية الأميركية لمسايرة رهانات التحديات الإقليمية والدولية وتقديم آليات ومقترحات عملية.

وكان مجلس النواب المغربي، قد صادق في نوفمبر الماضي، بشكل رسمي على قانون سيسمح للمؤسسة العسكرية بتأسيس وحدات صناعية لتصنيع الأسلحة داخل التراب الوطني، حيث ستتم الاستعانة بالخبرات الأميركية في هذا المجال، وهو ما أكد عليه اتفاق السنوات العشر العسكري الموقع مؤخرا بين المغرب والولايات المتحدة.

ولتجسيد ذلك التقارب وتفعيله وزيادة نسقه، اقترح الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة

، من خلال دعوة وزارة الدفاع الأميركية إلى استكشاف المزيد من فرص التعاون لإنجاز مشاريع مشتركة في مجال الصناعة الدفاعية بالمغرب.

وبالفعل، تم التوقيع على اتفاقية دفاعية بين الرباط وواشنطن تحمل عنوان “خارطة الطريق للتعاون الدفاعي 2020-2030” بين البلدين، خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر للرباط في أكتوبر الماضي، حيث يمهد الاتفاق الطريق لتعاون شامل في المجال العسكري الاستراتيجي، وشراء الأسلحة والمعدات، والتدريب العسكري في جميع القطاعات، فضلا عن التعاون الاستخباراتي بين البلدين.

وأكد إسبر حينها، أن المغرب دولة رائدة في الشؤون العسكرية، مبينا أن الاتفاقية ترسم بشكل فعال خارطة طريق لتعزيز التعاون الثنائي.

وتعتبر المؤسسات الرسمية الأساسية المغرب شريكا قويا تجمعه بالولايات المتحدة علاقات تعاون متعدد الأبعاد والتي تخدم السلام والأمن والتنمية. إذ أنه خلال الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي المغربي الأميركي في يوليو الماضي اعتبرت واشنطن المغرب الشريك الذي ينعم بالاستقرار ويشيع الأمن، لريادته على رأس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب ودوره الريادي في التحالف العالمي لدحر تنظيم داعش والاستقرار والتنمية في أفريقيا، وكذلك الأمن الإقليمي.

منافع مشتركة ومتنوعة

تعزيز التعاون العسكري

يأتي اجتماع اللجنة الاستشارية المغربية – الأميركية للدفاع، الذي ينعقد كل سنتين بالتناوب بين الرباط وواشنطن، في إطار التعاون العسكري الثنائي الذي يهم على الخصوص مجالات التكوين والتمرينات والمعدات العسكرية واللوجستيك. وسيخدم الاتفاق العسكري المغربي الأميركي مراقبة ورصد ومواجهة المخاطر على واجهة المحيط الأطلسي الجنوبية المتمثلة في التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات، القادمة من أميركا اللاتينية.

والاتفاق العسكري، حسب معتضد، يهدف إلى تعزيز تبادل الخبرات المهنية والتقنية بين القوات المسلحة الملكية والجيش الأميركي في ما يخص محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، وخاصة تجديد مقاربات ميدانية للتدخل السريع وتطوير تقنيات التحرك الميداني المشترك لمواجهة المخاطر والتهديدات المتعلقة بالأمن القومي وحماية المدنيين.

واتفق المغرب وواشنطن على تعزيز هذا التعاون مع التركيز على ترسيخ الأهداف الأمنية المشتركة على وجه الخصوص، عبر تحسين الاستعداد العسكري، وتعزيز المهارات، وتطوير قابلية التشغيل البيني للقوات. واتفق الجانبان على تشجيع المشاريع الاستثمارية المشتركة في المغرب في قطاع الصناعة الدفاعية، من أجل تعزيز نقل التكنولوجيا والتنفيذ التدريجي لاستراتيجية التحكم الذاتي للمملكة في هذا المجال.

وسيتعزز دور المغرب كجهة فاعلة في الاستقرار الإقليمي في البحر المتوسط والساحل مع مساهمته في بناء قدرات القوات العسكرية للعديد من البلدان الأفريقية. فالتعاون اللوجستي والعسكري مع واشنطن سيمكن، حسب معتضد، المغرب من تقوية تموقعه العسكري على المستوى الإقليمي والقاري، خاصة وأن المكتسبات السياسية والدبلوماسية التي حققها سيحافظ عليها ويعززها بوجود جهاز عسكري قوي ومنفتح ومتطور من الناحية العلمية واللوجستية.

الاتفاق يترجم الرغبة السياسية بين البلدين في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين المؤسستين العسكريتين من أجل حضور إيجابي وإنساني فعّال على مستوى البلدان الأفريقية

وفي وقت سابق، أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى أن العلاقة بين البلدين قائمة على أربع ركائز أساسية تشمل، أولا، العنصر السياسي والدبلوماسي من خلال الحوار الاستراتيجي وتنسيق مواقف الجانبين التي تظل متقاربة جدا بشأن عدد من القضايا الدولية، وثانيا التعاون الأمني والعسكري المهم بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكذلك التنسيق بين المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الأميركية انطلاقا من اشتغالهما معا لتحقيق الأمن والاستقرار.

وأكد في ندوة صحافية مشتركة مع مساعد كاتب الدولة الأميركي المكلف بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ديفيد شينكر أن المغرب كان دائما قطب الاستقرار في منطقتي شمال أفريقيا والساحل وفاعلا مركزيا في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر العالم .

وهذا الاتفاق العسكري كما يعتقد معتضد، يترجم الرغبة السياسية بين البلدين في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين المؤسستين العسكريتين من أجل حضور إيجابي وإنساني فعّال على مستوى البلدان الأفريقية، خاصة وأن القوات الأميركية تدعم بشكل كبير قوات حفظ السلام الدولية وتنخرط بكل مسؤولية من أجل الاستقرار السياسي والأمني على مستوى العديد من المناطق الأفريقية.

وعلى المستوى الأمني تحافظ وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي على التوالي على علاقات قوية مع المغرب، حيث زار مديرو المؤسستين المغرب في السنوات الماضية لأغراض التشاور، وبالإضافة إلى ذلك، فإن المغرب منخرط بشكل كبير في مبادرة حلف شمال الأطلسي للحوار المتوسطي، وقد شارك في التدريبات العسكرية للناتو مرارا.

وهناك مخاوف مشتركة بين المغرب والولايات المتحدة تجعلهما يتشاوران عن كثب حول القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية. وقد صنفت واشنطن الرباط كحليف رئيسي من خارج الناتو في 2004، حيث يقوم جيشا البلدين بإجراء مناورات وتدريبات مشتركة.

وارتباطا بالمتغيرات الإقليمية والدولية سيمكن الاتفاق العسكري المغرب، من خلق توازن أمني إقليمي يسمح له بالدفاع عن مصالحه الاستراتيجية وأمنه القومي وتعزيز موقعه كنافذة للعالم على أفريقيا. حيث أوضح معتضد، أن اعتماد خارطة هذا التعاون العسكري سيتيح للمغرب أيضا فرصة الدخول إلى نادي الصناعات العسكرية وتطويرها، ما سيمكنه من الاستفادة من الخبرة الأميركية على مستوى التصنيع العسكري والتدبير الأمني للصناعات العسكرية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: