ما الذي سيسقط الحسابات الأمريكية في دول المغرب؟

بولحية

لنكن متفائلين للحد الأقصى ونسأل: ما الذي سيجري إن وصل وزير الخارجية المغربي الناصر بوريطة إلى مطار هواري بومدين في الجزائر في زيارة غير معلنة، يكشف في ختامها عن اتفاق البلدين على أن لا خيار لهما إلا الصلح؟ كيف سيتصرف الأمريكيون حينها مع ذلك الحدث؟ هل سيرحبون به بالفعل؟ أم أنهم قد يرونه مربكا ومعطلا لمشاريعهم وخططهم في المنطقة؟
بغض النظر عن الخيارات التي ستعتمدها إدارة بايدن، فإنه لن يكون من مصلحة واشنطن أن يضع المغاربة والجزائريون في القريب حدا نهائيا لخلافاتهما. فاستمرار حالة الجفاء والعداء بينهما، ما لم تتجاوز سقفا محددا، يبقى ضروريا على المدى القصير والمتوسط لاستكمال المشاريع الأمريكية في الإقليم. وللوهلة الأولى يبدو ذلك من تحصيل الحاصل، لكن ريح السياسة تجري أحيانا عكس ما قد يراه كثيرون مسلمات لا تتزحزح. فقبل أن يستقر الرئيس المنتخب جو بايدن في مكتبه في البيت الأبيض، نزل الأمريكيون بثقلهم مطلع هذا العام في الشمال الافريقي.
وباستثناء مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شنكر، الذي لم ينضم لهم في تونس، فإن الوفد الأمريكي، الذي حل في المنطقة الأسبوع الماضي، وتوقف في العاصمة التونسية، قبل أن يتحول بعدها إلى الجزائر والمغرب، ضم وزيرة القوات الجوية باربرا باريت، وقائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وافريقيا الجنرال جيفري هاريجيان. وهذا قد يكون في حد ذاته مؤشرا لا يخفى على طبيعة المشاورات، التي أجراها الأمريكيون في العواصم المغاربية المعنية، والتي اقتصرت على ما يبدو على بعض المسائل العسكرية في تونس، فيما كانت على العكس أشمل وأوسع نطاقا في جارتيها الأخريين. ورغم أنه سيكون من الصعب جدا أن ننتظر إنجازا خارقا من إدارة بدأ العد التنازلي لرحيلها، إلا أن الجولة الأمريكية لم تكن على أي حال رحلة استجمام، أو توديع لبعض كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين. فهل كان الهدف منها هو دراسة واستطلاع ردة فعل الدولة المعنية أكثر من غيرها بالقرار الأمريكي المفاجئ قبل شهر، بالاعتراف بمغربية الصحراء، أي الجزائر؟ أم أن الغرض الأساسي من ورائها كان تعبيد الطريق بشكل ما لما هو أكثر من جس النبض والاستطلاع؟ من المؤكد أنه لم يكن من السهل أن تعلن أكبر دولة في العالم، منذ أسابيع قليلة، عن نيتها فتح قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية ، التي تعتبرها الرباط أقاليمها الجنوبية، فقد تطلب الأمر، كما قال وزير خارجية المغرب الناصر بوريطة، في حديث أدلى به في وقت سابق لإحدى المحطات التلفزيونية العربية «شهورا وسنوات من اشتغال جلالة الملك محمد السادس مع الإدارة الأمريكية الحالية» قبل أن يحين أوان قطف الثمرة وهي ذلك الاعتراف.

السياسة الخارجية الأمريكية لا تقوم على العواطف، أو ردات الفعل، ولا تُبنى على نزوات وتقلبات أي إدارة، جمهورية كانت أم ديمقراطية

غير أن الأمريكيين، ومع علمهم بتعقيدات الملف الصحراوي، وما يمثله من حساسية مفرطة للطرفين الأساسين في المنطقة، والمعنيين به مباشرة، أي المغرب والجزائر، لم يأخذوا قرارا متسرعا، ينحاز لوجهة النظر المغربية، لمجرد الحرص على جلب الرباط وإغرائها بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما يتردد، ومن دون أن يندرج ذلك ضمن رؤية وخطة أمريكية أوسع في الشمال الافريقي. وسيكون من الخطأ أن يعتقد البعض أن الإدارة الأمريكية المقبلة، ستلغي على الفور، وستمحو بجرة قلم ذلك المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس ترامب في العاشر من الشهر الماضي، بذلك الخصوص وتعتبره لاغيا وباطلا. فالسياسة الخارجية الأمريكية لا تقوم على العواطف، أو ردات الفعل، كما أنها لا تُبنى على نزوات وتقلبات، أي إدارة، جمهورية كانت أم ديمقراطية. ومن المؤكد أن الدوافع الأمريكية للاعتراف لم تكن ظرفية أو محدودة، بقدر ما كانت بعيدة المدى ومتعددة الأبعاد. فما الذي يمكن أن يدفع الأمريكيين ليقدموا على تلك الخطوة؟ وما استتباعات قرارهم على المنطقة؟ في الجزائر لا تزال فوبيا القواعد العسكرية الأمريكية، مثلها مثل فوبيا التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ترفع سقف المخاوف الإقليمية عاليا. فبالنسبة لجزء كبير من الإعلام المحلي على الأقل، فإن السبب الخفي وراء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، هو رغبة واشنطن في الحصول على موطئ قدم في الصحراء، وفتح لا مجرد قنصلية في الداخلة، بل قاعدة عسكرية في مكان ما من تلك الأرض الشاسعة. وهذا الأمر قد يشكل تهديدا مباشرا للجزائر التي قد تصبح بين ليلة وضحاها محاطة بطوق من القواعد العسكرية الأمريكية، بدءا بالقاعدة المفترضة في تونس، وصولا إلى قواعد أخرى في ليبيا وموريتانيا وربما حتى مالي والنيجر. ومع أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي، أكد في المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس الماضي في مقر السفارة الأمريكية في الجزائر، أن «الولايات المتحدة ليست بصدد إنشاء قاعدة عسكرية في الصحراء المغربية، ولا تتحدث قيادة افريكوم عن نقل مقرها إلى هناك» وأضاف أنه اطلع على المقالات التي كتبت حول ذلك الموضوع في الصحف المغربية والجزائرية، وأنه يعتبرها «غير صحيحة» إلا أن الجزائريين لم يفوتوا زيارة المسؤول الأمريكي الرفيع من دون أن يبلغوا الجانب الأمريكي بشكل واضح وعلني، أن الجزائر تنتظر من الولايات المتحدة الأمريكية «الحياد الذي تقتضيه التحديات الراهنة، من أجل إحراز تقدم في قضايا السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي» حسب البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الجزائرية، في أعقاب لقاء الوزير صبري بوقادوم بديفيد شنكر في اليوم نفسه. وهو ما يعني، وبالمختصر المفيد، أنهم يطلبون من إدارة بايدن أن لا تميل بشكل كامل نحو الرباط، وأن تعرف أن ضمان المصالح الأمريكية في المنطقة، لن يتأتى بالقفز فوق مصالح الجزائر، لكن ما الذي يمكن للأمريكيين أن يفعلوه، إن لم يكن ممكنا أو مناسبا لهم أن يتراجعوا بعد العشرين من الشهر الجاري، موعد تسلم بايدن مفاتيح البيت الأبيض، عن قرار الإدارة السابقة الاعتراف بمغربية الصحراء؟
إن ذلك وجه من وجوه المأزق الذي سيواجهونه، وطريقة تجاوزهم له ستكون محط أنظار كل من يتطلع لمعرفة سياستهم في المنطقة. ومع أنه لن يكون مستبعدا أن ترسل إدارة بايدن إشارة ودية، أو إيجابية نحو الجزائر، فإنه لن يكون بوسعها أن تتخلى بسهولة عن الروابط الوطيدة التي تجمع أمريكا مع الحليف المغربي، أو أن تدير ظهرها للاتفاقات التي أبرمتها إدارة ترامب معه. ومن المؤكد أن التحديات الإقليمية هي التي ستفرض عليها ذلك التصرف، كما أن حدة الاستقطابات الخارجية، خصوصا بين الروس والصينيين، وحتى الأتراك داخل المنطقة المغاربية، هي التي ستدفعها للعب مجددا على التناقضات المغربية الجزائرية واستبقائها. وإن عدنا بعدها وكررنا سؤالنا المغرق في التفاؤل، أي ما الذي سيحصل إن حطت، أياما قليلة بعد استلام بايدن مقاليد الحكم، طائرة الوزير المغربي في الجزائر وتوصل الغريمان المغاربيان لاتفاق للصلح فهل ستسقط حينها الحسابات الأمريكية كلها أو جلها في الماء؟ فلعلكم تكونون قد توصلتم جميعا للجواب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: