في قلب أحداث العنف داخل مبنى الكابيتول كانت هناك كذبة كبيرة حول نزاهة الانتخابات الرئاسية والتي ستبقى عالقة في أذهان الأميركيين لسنوات طويلة، فقد سمح أعضاء من الحزب الجمهوري لأنفسهم بالتماهي حولها، ومع أنهم أدانوا الرئيس دونالد ترامب لدفعه أنصاره بتبني أفكاره، لكنهم لم يقرروا بعد ما إذا كانوا سيحاسبونه داخل أروقة الحزب، وبدلا من ذلك تمسكوا بعدم القيام بأي إجراءات لعزله.
تعطي عرقلة الجمهوريين بمجلس النواب تحركا للديمقراطيين الاثنين، من أجل طرح تشريع يحث نائب الرئيس مايك بنس على البدء في عملية تفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركي لعزل الرئيس دونالد ترامب، صورة عن حالة الانفصام السياسي التي ترافق الحزب.
وهذا الموقف مفهوم بحسب البعض، فهو يرسخ صراعا سياسيا مستمرا بين أعرق حزبين داخل المؤسسات الدستورية، وأن ليست له علاقة بما يمكن أن يعكسه موقف الجمهوريين داخل الحزب، على الرغم من أن ما حصل يستدعي هدفا واحدا وهو محاسبة ترامب.
والآن يحاول المحللون والمتابعون للشأن السياسي الأميركي تفكيك مواقف الجمهوريين، وماذا ستكون خطوتهم التالية تجاه رئيس تم ترشيحه حتى يحقق أهدافهم المستمدة أصلا من شريحة واسعة من الشعب الأميركي، خاصة مع تمسك طيف واسع من السياسيين بمعاقبته مهما كانت التكاليف.
لا مبالاة
“لم نكن نعتقد أنه سيصل إلى هذا الحدّ ولم أكن أعتقد أنني سأرى ذلك”، بهذه الكلمات عبر ميك مولفاني، رئيس الأركان السابق لترامب عما اقترفه الرئيس، إلى درجة أنه استقال من منصبه كمبعوث خاص لأيرلندا الشمالية بعد أعمال الشغب.
وتكشف هذه الحجة إلى أي مدى تغاضى العديد من الجمهوريين طواعية عن بعض القوى، التي تجوب الولايات المتحدة في كل مرة يروج فيها ترامب لنظرية المؤامرة أو يغازل الجماعات المتطرفة علانية، وقد افترض الجمهوريون أنه لا تزال هناك بعض القيود على المدى الذي يمكن أن يذهب إليه هو وأكثر مؤيديه ولاء.
وبدت قلة قلقة بشأن أسوأ السيناريوهات المحتملة، ورفضت المخاوف من العنف باعتبارها أحلاما ليبرالية. واعتبر سناتور بنسلفانيا بات تومي، الذي أيد ترامب في انتخابات 2020 لكنه يطالبه الآن بالاستقالة، تصرفات ترامب بعد خسارته بمثابة تحول مظلم، على الرغم من حقيقة أن الرئيس وضع الأساس للطعن في الانتخابات قبل التصويت الأول.
تومي قال في تصريحات صحافية الأحد الماضي إن ترامب “نزل إلى مستوى من الجنون، وانخرط في مستوى من النشاط لم يكن من الممكن تصوره على الإطلاق”.
وتقول جولي بيس، التي تغطي شؤون البيت الأبيض والسياسة لوكالة أسوشييتد برس منذ عام 2007، إنه إذا كان لدى البعض من الجمهوريين تحفظات على ترامب قبل الانتخابات، فغالبا ما يبدو أنه طغى عليهم اعتقادهم بأنه سيكون هناك ثمن سياسي يتعين دفعه مقابل تحدي الرئيس علنا.
وحتى بعد خسارة ترامب أمام الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، شعر المشرعون من الحزب الجمهوري بالقلق بشأن تعليق حزبهم في السنوات المقبلة واحتمال التحدي الأساسي في سباقاتهم إذا تجاوزوه. وإدراكا لهذه الحقيقة جيدا، حاول ترامب إقحام الجمهوريين أكثر من خلال التعهد بالترشح مرة أخرى في 2024، حتى دون الإقرار بالهزيمة في الانتخابات.
ولذلك، أعطى معظم مسؤولي الحزب الجمهوري للرئيس الوقت والمساحة لمهاجمة نزاهة انتخابات نوفمبر الماضي، ونشر مجموعة واسعة من المعلومات المضللة ونزع الشرعية عن فوز بايدن في أعين الملايين من الأميركيين، الذين أقر معظمهم بانتصاره، لكنهم رأوا أن أفضل طريقة للمساعدة في تخفيف ترامب عن منصبه هي منحه مساحة للتعامل مع خسارته.
لكن هذا لم يحدث أبدا وحتى في الوقت الذي رفض فيه القضاة في جميع أنحاء البلاد، بمن فيهم بعض الذين رشحهم ترامب، قضية تلو الأخرى، وقال المدعي العام ويليام بار، أحد أبرز داعمي ترامب، إنه “لا توجد علامة على أي مخالفات انتخابية واسعة النطاق، واصل الرئيس هجماته التي لا أساس لها”.
تواطؤ جماعي
بينما كان البعض من الجمهوريين متواطئين في الباطل وظهرت بصمتهم في ذلك، كان آخرون مشاركين نشطين، وقد طالب أكثر من 120 مشرعا من الحزب الجمهوري من المحكمة العليا بإلغاء إرادة الناخبين في الولايات الرئيسية التي تشهد ساحة معركة، وهي خطوة غير مسبوقة رفضت المحكمة العليا النظر فيها.
وفي وقت متأخر الأربعاء الماضي، وعد 150 مشرعا في مجلسي النواب والشيوخ بالاعتراض على نتائج الانتخابات في الكونغرس، مما ساعد على تغذية الانطباع بين بعض مؤيدي ترامب بأنه لا يزال هناك سبيل متاح لتقويض فوز بايدن.
لقد كان جوش هاولي السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري حريصا على الحصول على دعم أنصار ترامب في السنوات المقبلة، وقد ضخ قبضته إلى أنصاره في طريقه إلى مبنى الكابيتول ذلك الصباح للاعتراض على نتائج الانتخابات.
ومع ذلك كانت هناك استثناءات، فقد حذر سناتور يوتا ميت رومني، الذي طالما انتقد الرئيس والسيناتور الجمهوري الوحيد الذي صوت لإدانة ترامب خلال محاكمته في وقت مبكر من العام الماضي، من العواقب الخطيرة لترك مؤامرات ترامب الانتخابية تزدهر.
وكذلك فعل المسؤولون الجمهوريون في جورجيا، الذين قاوموا ضغوطا مباشرة من الرئيس “لإيجاد” المزيد من الأصوات له وقلب فوز بايدن في الولاية. وقبل ذلك انتظر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش مكونيل حتى منتصف ديسمبر الماضي للاعتراف بفوز بايدن، ثم حذر أعضاءه بقوة من الطعن في نتائج الانتخابات في الكونغرس.
ولكن بالنسبة للعديد من الجمهوريين، لم تتضح عواقب حملة التضليل الخطيرة، التي شنها الرئيس الأسبوع الماضي، عندما تعرضت حياتهم للخطر من قبل العصابات العنيفة التي اقتحمت مبنى الكابيتول.
الجمهوريون يتحملون مسؤولية منح ترامب الفرصة لمهاجمة نزاهة الانتخابات ونزع الشرعية عن فوز بايدن في أعين الأميركيين
ودفعت تلك الصورة غير المسبوقة للحياة السياسية الأميركي ليندسي غراهام، السناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية، أحد أكثر مؤيدي ترامب حماسة على مدار السنوات الأربع الماضية، إلى القول “هذا يكفي”، لكنه تعرض لاتهامات من أنصار ترامب ووصفوه بأنه “خائن” لقضية قلب الانتخابات.
كما أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ، الذين كانوا يعتزمون الاعتراض على نتائج الانتخابات غيروا رأيهم في الساعات التي أعقبت أحداث الكابيتول، مما يشير إلى أنهم لم يؤمنوا حقا بمزاعم التزوير في المقام الأول، وبينهم السناتور الجورجي كيلي لوفلر، التي خسرت جولة الإعادة في مجلس الشيوخ قبل يومين من أعمال الشغب، وقد ألقت بدعمها وراء اعتراضات الانتخابات في محاولة اللحظة الأخيرة لتنشيط مؤيدي ترامب في ولايتها.
ولم يكن من الصعب معرفة سبب اعتقادها بأنها قد تكون استراتيجية ناجحة، فقد أظهر استطلاع نشرته وكالة أستوشيتد برس للناخبين في جورجيا أن حوالي ثلاثة أرباع الناخبين الذين أيدوا المرشحين الجمهوريين في جولات الإعادة، قالوا إن بايدن لم ينتخب بشكل شرعي، على الرغم من عدم وجود دليل موثوق يدعم هذا التأكيد.
ومع ذلك يرى المراقبون أنه يجب على الجمهوريين الآن أن يتعاملوا مع حقيقة أن الملايين من أنصار حزبهم، يعتقدون أنها كذبة قوية إلى درجة أنها أشعلت تمردا ضد الكونغرس، وضمن صفوفهم ما زال ما يقرب من 150 مشرعا يؤيدون الطعون في الانتخابات بعد أن عاود الكونغرس الانعقاد في أعقاب الهجوم على الكابيتول.