هل تنشط انتكاسة فرنسا في الساحل تعاون الجزائر وموريتانيا عسكريا؟

حنان الفاتحي

حملت مساعي الجزائر وموريتانيا تعزيز تعاونهما العسكري خلال الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق في طياتها الكثير من التساؤلات في هذا التوقيت خاصة بعد زيارة قائد الجيوش الموريتانية للجزائر مؤخرا، في ظل تطورات أمنية خطيرة بمنطقة الساحل يرى البعض أن لها تداعيات سلبية على البلدين.

ومع قرار فرنسا تخفيض تواجدها العسكري في الساحل الأفريقي إثر إخفاق جهودها في الحد من نشاط الجماعات المسلحة، تتباين آراء المراقبين حول ما إذا كانت الجزائر تستعد لملء الفراغ الأمني في المنطقة وفق مقاربة مختلفة.

فخلال زيارة قائد الأركان الموريتاني محمد بمبا مقيت إلى العاصمة الجزائرية الثلاثاء الماضي، دعا قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة إلى تعزيز العلاقات الثنائية العسكرية التي تربط البلدين “من أجل مواجهة مختلف التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل”.

وفي خطوة من شأنها إعادة بعث الروح في ما يسمى بدول الميدان، والتي تضم كلا من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وتشكلت في العام 2010، شدد شنقريحة على “أهمية الاستفادة بشكل أكبر من آليات التعاون الأمني المتاحة، لاسيما لجنة الأركان العملياتية المشتركة”، التي يوجد مقرها في مدينة تمنرست أقصى جنوب الجزائر.

ولكن الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي توفيق بوقاعدة استبعد أن يكون التقارب العسكري بين الجزائر وموريتانيا من قبيل خلق بديل عسكري محتمل في المنطقة على إثر القرار الفرنسي.

وأكد بوقاعدة ، على أن “المسألة تندرج في إطار الاتفاقيات الثنائية بين الجزائر وشركائها في المنطقة، من أجل دعم التعاون الأمني والعسكري، خاصة في ظل تنامي نشاط الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، باعتبار أن التضاريس الجغرافية تتطلب تعاونا وتنسيقا من أجل تحقيق أمن واستقرار دول المنطقة”.

توفيق بوقاعدة: التقارب بين البلدين ليس لخلق بديل لفرنسا بالمنطقة

ولفت بوقاعدة إلى أن “التعاون اللافت بين قيادات المؤسستين العسكرية في الجزائر ونواكشوط، يترجم بداية تجسيد سياق الحدود الأمنية التي تبنتها الجزائر في التحويرات الدستورية الأخيرة، والتي وضعت رؤية جديدة لمفهومي الحدود الأمنية والحدود الجغرافية، حيث صار بإمكان الجيش الجزائري المشاركة في عمليات خارج الحدود الإقليمية”.

وأرجع تعليله بعدم إدراج التعاون المذكور، في سياق دور جديد يكون بديلا أو مزاحما للنفوذ الفرنسي أو الأميركي في المنطقة إلى عامل القدرة على الإنفاق والإمكانيات المادية واللوجستية، في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي لحكومات المنطقة وتقلص مداخيل الجزائر.

وحدد شنقريحة، طبيعة التعاون بين بلده وموريتانيا في “تبادل المعلومات، وتنسيق الأعمال على جانبي الحدود المشتركة للدول الأعضاء”. وهنا يكمن جوهر الخلاف بين رؤية الجزائر في مكافحة التنظيمات الإرهابية والتكتيك الفرنسي في قتالها بمنطقة الساحل.

فباريس تفضل التدخل العسكري المباشر في دول الساحل، عبر قواعد عسكرية وطائرات مقاتلة وعمودية وأخرى دون طيار، بالإضافة إلى فرق عسكرية على الأرض، مع تشكيل تحالف مجموعة الـ5 وهي النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا، الذي تشكل في 2017.

في المقابل ترى الجزائر أن تتولى كل دولة من دول الساحل قتال الجماعات الإرهابية داخل أراضيها مع تنسيق استخباراتي وعسكري بين هذه الدول على الحدود.

ويرجح بوقاعدة أن يكون رفع الجزائر لمستوى التعاون العسكري مع موريتانيا بهدف التحكم في الوضع الميداني الحدودي الذي يشكل منطقة عبور للجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، فضلا عن الاطمئنان عن أمنها الاستراتيجي في ظل ظهور بوادر قيام قواعد عسكرية محاذية للتراب الجزائري، خاصة وأن موريتانيا تمثل بوابة المنطقة الغربية لأفريقيا.

وتعتبر الجزائر أن تدخل فرنسا ذات التاريخ الاستعماري في الساحل لن يساعد سوى على شحن العداء الوطني والديني لدى شعوب المنطقة ضد القوى الأجنبية، ما ستستغله الجماعات الإرهابية في تجنيد المزيد من العناصر.

وبرأي المسؤولين الجزائريين فإن عسكرة المنطقة عبر قواعد أجنبية بداعي محاربة الإرهاب، سيقوّض تدريجيا استقلال هذه البلدان، ويضعها بين فكي كماشة الجماعات المسلحة والتدخلات الأجنبية.

ويؤكد بوقاعدة أن توجه فرنسا لخفض تعداد قواتها في منطقة الساحل والصحراء، يعود إلى تعثر مساعي التمويل، وتزايد الضغوط الداخلية في ظل تسجيل المزيد من الخسائر المادية والبشرية، كالعمليات المعادية لوحداتها ومصالحها وسلسلة الاختطافات التي تحولت إلى ورقة ابتزاز في أيدي الجماعات المسلحة، وتفاقم حالة العداء الشعبي لها في النيجر ومالي.

ورغم أن موريتانيا لم تتعرض لأي هجوم إرهابي منذ 2011، لكن حدودها الجنوبية الشرقية مع مالي غير بعيدة عن منطقة الحدود الثلاثة الملتهبة، مما يعني أن التهديد ما يزال قائما، خاصة وأنها جزء من مجموعة الساحل الـ5، التي تقودها فرنسا.

وسبق لنواكشوط أن واجهت حربا مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أصبحت تسمى “القاعدة في بلاد المغرب” منذ 2008، بعد هجوم على بلدة تورين شمال البلاد وأسفر عن خطف 12 جنديا وقطع رؤوسهم، ليمتد القتال بين الطرفين إلى شمال مالي.

ولذلك تخشى موريتانيا أن يمتد القتال من مالي إلى داخل حدودها، رغم أن مركز الدراسات الأفريقية، تحدث عن شكوك حول توصل نواكشوط في 2011 إلى “اتفاق عدم اعتداء متبادل مع المجموعات المتطرفة العنيفة”، زاعما أن جيشها تفادى مهاجمة المتطرفين منذ ذلك التاريخ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: