الغياب المتجدد للرئيس تبون يفتح باب التأويلات السياسية في الجزائر

بليدي

سافر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى ألمانيا في رحلة علاجية جديدة يجهل المدة التي ستستغرقها، وعاد معها الحديث عن الوضع الصحي الحقيقي للرجل، ومدى قدرته على أداء مهامه الدستورية في المستقبل، ومستقبل مؤسسة الرئاسة، وانعكاس الغياب على أداء المؤسسات الرسمية الأخرى، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف مصير حكومة عبدالعزيز جراد.

وأعلن تبون، في تصريح أدلى به في القاعة الشرفية لمطار بوفاريك العسكري بالقرب من العاصمة، أنه “بصدد العودة إلى ألمانيا من أجل استكمال العلاج، طبقا لتوصيات الفريق الطبي، في ما يتصل بإصابته على مستوى الرجل، وهو الأمر الذي قد يستدعي عملية جراحية طفيفة”.

وبدا أن الرجل يجهل المدة التي ستستغرقها الفترة العلاجية الجديدة، حيث صرح أمام مودعيه من مسؤولي المؤسستين المدنية والعسكرية، بأنه “لا يعرف الوقت الذي يستغرقه العلاج، وأنه يتمنى العودة القريبة إلى البلاد”.

وفيما بدت على تبون، خلال الظهور المسجل منتصف الشهر الماضي، على حسابه الشخصي في تويتر، ملامح الإصابة بجلطة دماغية، يتمسك الإعلام الرئاسي بفرضية الإصابة بوباء كورونا، وهو ما كرسته بعض الرسائل الدبلوماسية التي وردت إليه من بعض قادة وملوك دول العالم.

وذكرت تسريبات، تم تداولها على نطاق واسع، أن الفريق الطبي الألماني الذي رافقه خلال عودته إلى الجزائر كان قد غادر الجزائر إلى برلين يومين قبل تنقل تبون، ويرجح أن يكون قرار العودة قد اتخذ بالتشاور مع القائمين على الملف الصحي في المستشفى الألماني بمدينة كولونيا.

ومنذ نزوله في مطار بوفاريك العسكري نهاية الشهر الماضي لم يظهر تبون للرأي العام واقفا أو ماشيا، وتحديدا بعد أن ظهرت جبيرة على رجله عند نزوله في المطار المذكور، وهو الأمر الذي أثار الشكوك مجددا حول الوضع الصحي الحقيقي للرجل، خاصة في ظل التعتيم المستمر من طرف الإعلام الرئاسي.

وكان الرئيس الجزائري قد غاب عن بلاده لمدة شهرين قضاهما في مستشفى ألماني بمدينة كولونيا، مما أعاد إلى أذهان الجزائريين سيناريو الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي قضى ست سنوات (2013 – 2019) يدير شؤون البلاد في ظروف غامضة، بسبب “جلطة دماغية” ألمت به.

السلطة الجديدة في حرج أمام الرأي العام

ويبدو أن السلطة الجديدة في البلاد وجدت نفسها في حرج أمام الرأي العام، بعد الوضع الذي فرضه غياب تبون. ولا يستبعد مراقبون أن تكون عودته قد برمجت من أجل الوفاء بالالتزامات الزمنية الدستورية في ما يتعلق بالتصديق على قانون الموازنة العامة، والوثيقة الدستورية الجديدة، حيث يستوجب دستور البلاد نهاية شهر ديسمبر كآخر أجل بالنسبة إلى الأولى، وخمسين يوما بعد الاستفتاء الشعبي بالنسبة إلى الثانية.

وأثار غياب الرجل عن قصر المرادية لغطا كبيرا في الدوائر الرسمية وحتى الشعبية تُرجم في تعالي الأصوات التي تدعو إلى ضرورة تفعيل الشغور الرئاسي وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.

وباستثناء التصديق على قانون الموازنة العامة والوثيقة الدستورية الجديدة، وقانون الانتخابات المنتظر سنه تحسبا لحل البرلمان والبلديات وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة، لم يظهر تبون في أي نشاط رسمي، وحتى الأجندة التي روج لها أنصاره لم يُنجز منها شيء، ما عدا بعض الإقالات التي مست هرم بعض الدوائر في المؤسسة العسكرية كقيادة القوات الجوية ومديرية الاستخبارات الخارجية.

وألمح تبون في تصريحه الأخير في مطار بوفاريك إلى التناغم بين الرئاسة وقيادة الجيش، درءا للتأويلات التي تحدثت عن وجود خلافات بينه وبين قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، وذلك بقوله إن “مؤسسات الدولة قائمة ومستمرة وعلى رأسها مؤسسة الجيش سليل جيش التحرير الوطني”.

كما أبرز الرئيس الجزائري انتقادا مبطنا للحكومة بقوله “الحكومة لها ما لها وعليها ما عليها”، وهو يجسد رغبته في إجراء تغيير حكومي عميق على طاقم عبدالعزيز جراد، بعد الاختلالات التي سجلت في أداء بعض القطاعات الوزارية، غير أن الوضع الصحي حال دون تحقيق رغبته إلى حد الآن.

وكانت حكومة عبدالعزيز جراد قد جاءت في ظروف مغايرة، كانت فيها السيطرة لجناح القائد السابق للجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، حيث تذكر مصادر مطلعة أن هوية الطاقم الوزاري تعود إلى نفوذ جنرالات صاروا من الماضي.

وإذ سجلت المؤسسات الرسمية في البلاد شللا لافتا خلال فترة غياب تبون السابقة، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي يركز جميع الصلاحيات بين أيدي رئيس الجمهورية، لا يستبعد مراقبون أن يتكرر السيناريو نفسه إذا طال غياب الرجل هذه المرة، وهو ما يزيد من متاعب البلاد في ظل الأوضاع المأزومة التي تعيشها في مختلف المجالات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: