يشترك اللاجئون في معاناتهم خلال رحلات هروبهم من بلدانهم، لكن النساء أكثر عرضة للمعاناة والمصاعب مقارنة بالرجال. ففي إيطاليا تعاني اللاجئات من إجبارهن على تعاطي البغاء من قبل عصابات المافيا، ما يجبرهن على الهروب إلى ألمانيا والاحتماء بالكنائس، إلا أن هذا الخيار أصبح غير ممكن الآن.
ستضطر هذه الفتاة القادمة من إريتريا إلى ممارسة البغاء في حالة ترحيلها لإيطاليا، وهي تخشى أن تقع مرة أخرى فريسة بين أيدي الأشخاص الذين هربوها إلى ألمانيا.
يقول ديتر موللر منسق خدمة الجزويت للاجئين بولاية بافاريا الألمانية “هذه المسألة شائعة للغاية في إيطاليا، وتحدث عن طريق منظمات تشبه المافيا متواجدة في نيجيريا وإريتريا وأماكن أخرى”.
ووفقا للوائح “دبلن” المتعلقة بتحديد الدولة المسؤولة عن نظر طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي، يتعين على هذه الفتاة الإريترية العودة إلى إيطاليا لإجراء عملية اللجوء الخاصة بها، لأنها الدولة التي دخلتها أولا وسجلت اسمها فيها.
ولكن من المحتمل ألا تحميها الشرطة في هذه الحالة من إجبارها على ممارسة الدعارة.
ويوضح موللر قائلا “إنها لا تستطيع أن تحصل على حماية لأمنها الشخصي، ثم من المرجح أن يطلبوا منها أن تذهب إلى مكان آخر في إيطاليا حيث لا يستطيع المهربون أو القوادون العثور عليها، وهو أمر يتعذر تحقيقه أيضا”.
وصار أملها الوحيد أن تجد مأوى لها داخل كنيسة، ويقول المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين بألمانيا إن هذا الوضع هو تقليد مسيحي “لتجنب معاناة إنسانية خاصة”.
وتسعى الكنائس لإيواء المهاجرين المعرضين بشكل خاص للمصاعب وفي حاجة إلى الحماية من الإبعاد، غير أن هذه الممارسة أصبحت بشكل متزايد صعبة التنفيذ في ولاية بافاريا الألمانية.
ووفقا للمكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين بألمانيا، طلب 298 شخصا الحصول على مأوى بالكنائس الألمانية، وذلك حتى نوفمبر 2020.
وقال متحدث باسم المكتب إنه “تم الإقرار بوجود مصاعب جمة في خمس حالات، وهذه الحالات الخمس كان يتم السماح لكل فرد منها بأن يغادر مقر الكنيسة أو الدير حيث تم استقباله”. ولا يزال معظم الأشخاص الآخرين ينتظرون.
وعلى حد قول موللر، هم ينتظرون إلى حين انتهاء المهلة التي حددها مكتب الأجانب لإبعادهم إلى الدولة التي دخلوها أولا، ويقضي القانون بأنه بعد مرور ستة أشهر يحق لهم التقدم بطلب للجوء إلى ألمانيا.
ومع ذلك ففي الكثير من الحالات يتم مد هذه المهلة إلى 18 شهرا، مما ينتج عنه عدد من الدعاوى القضائية.
وتمت إقامة دعاوى قضائية بحق قساوسة وكنائس بشكل متزايد، بسبب مساعدة اللاجئين على البقاء بشكل غير قانوني، ويشير موللر إلى المئات من الدعاوى القضائية والتي يتم في النهاية شطبها لعدم وجود سبب قوي لإقامة الدعوى. وأصبح من الشائع بشكل متزايد استبعاد هذه القضايا نظير دفع غرامة مالية.
ويتذكر موللر ست قضايا من بينها على سبيل المثال، قيام قس بروتستانتي بجنوبي بافاريا بدفع ثلاثة آلاف يورو (3650 دولارا)، بعد استضافة مهاجر أفغاني داخل مركز الأبرشية.
ورفضت ميتشيلد ثويرمر رئيسة أحد الأديرة دفع الغرامة. وكان قد تم تغريمها بدفع 2500 يورو بسبب حماية امرأة من إريتريا من ترحيلها لإيطاليا.
وتواجه ثويرمر اتهامات في ثلاث قضايا، مما قد يتسبب في توقيع عقوبة السجن لعام واحد بحقها، وتقول “مساعدتي لشخص ما يعاني من وضع يائس لا يمكن أن تمثل جريمة”.
وأثارت قضيتها اهتماما في جميع أنحاء ألمانيا، وتعلق ثويرمر على هذا الاهتمام قائلة “لم أكن أعتقد على الإطلاق أنني سألقى الإعجاب بما قمت به من عمل، ولو طلب أحد من أمي المساعدة لفعلت نفس الشيء، هي مساعدة بطريقة تكون ممكنة، وفي هذه الحالة هي مأوى بالكنيسة”.
وليست رئيسة الدير هي الشخص الوحيد الذي يواجه هذه الاتهامات، فقد رفضت راهبة من دير أوبرزيل ببافاريا أيضا أن تدفع الغرامة، ويوضح فرانز بيثاوزر محامي الراهبتين بقوله “إن القضيتين تتعلقان بلوائح دبلن”، ومن المقرر أن تبدأ وقائع المحاكمتين خلال 2021.
ومع ذلك لم تتسبب هاتان القضيتان في تراجع الكنائس عن مساعدة اللاجئين، وفي هذا الصدد يقول توماس شميت مستشار الكنيسة البروتستانتية بولاية بافاريا لشؤون اللجوء، إن قضية ميتشيلد ثويرمر تدفع الناس إلى مساعدة اللاجئين.
ويعرب شميت عن اعتقاده بأنه بإمكان الكنيسة أن تستخدم قوة الدفع هذه لاستضافة المزيد من الأشخاص، بينما يقول المنتقدون إن الدولة هي المسؤولة عن هذه الاستضافة.
ووفقا لتقديرات موللر، تراجع عدد الأشخاص الذين تستضيفهم الكنائس مؤخرا بسبب جائحة كوورنا، وأغلقت العديد من مراكز الاستشارات حول اللجوء أبوابها بسبب الفايروس وأحيانا تعمل من خلال الإنترنت، كما تعزف بعض الكنائس عن استقبال اللاجئين خشية خطر العدوى، ويقول موللر “ليس سهلا بالنسبة للاجئين أن يجدوا من يقدم لهم المساعدة الآن”.
وترى ثيورمر أن عملها يمثل أكثر من مجرد مساعدة اللاجئين.
وتقول إن “المستشارة أنجيلا ميركل قالت إننا يمكننا فعل ذلك، وأنا أريد فقط أن أساعدها في تنفيذ هذه المهمة، ولم أفكر في يوم من الأيام أن أتمرد على الدولة أو على مادة من مواد القانون”.
الطريف أن رئيسة الدير ذاتها تلقت دعوة للجوء من مؤيدين لها بالولايات المتحدة.