إعتراف الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء، فرصة للجزائر كي تكسر الحلقة المقفلة التي تدور فيها.

Belbazi

ليس تدشين مكان إقامة القنصليّة الأميركية في الداخلة، المدينة الساحلية في الصحراء المغربيّة، سوى خطوة أخرى على طريق دعم الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا من جهة وإعادة الجزائر إلى اعتماد لغة المنطق والواقعية، بدل لغة الشعارات الطنانة الخاوية، من جهة أخرى. ما حصل وفّر فرصة أمام الجزائر. ليس معروفا هل ستستغلها لمصلحتها أم لا… أم تمضي في سياسة لا هدف لها سوى الإيذاء من أجل الإيذاء كي تثبت أنّها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في منطقة شمال أفريقيا.

كانت هناك جرأة أميركية ليس بعدها جرأة في السعي إلى كسر الحلقة المغلقة التي تدور فيها قضيّة الصحراء المغربية منذ العام 1975، وهي قضيّة مفتعلة من أولها إلى آخرها. كان لا بدّ من كسر هذه الحلقة وتأكيد الإدارة الأميركية للجزائر عبر مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر أن المخرج عبر مفاوضات بين المغرب و”بوليساريو” ولكن في إطار مشروع الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب. معنى ذلك بكل بساطة أن الحل موجود وأنّ هذا الحلّ طرحه المغرب منذ سنوات عدّة. أكثر من ذلك، أنّ مثل هذا الحل يريح الجزائر ويريح أداتها المسمّاة جبهة “بوليساريو”.

بذهابه إلى الجزائر في طريقه إلى المغرب لتدشين مكان إقامة القنصلية الأميركية في الداخلة، وزيارة مدينة العيون عاصمة الصحراء، قبل ذلك، أثبت ديفيد شينكر أن السياسة الأميركية تستطيع في أحيان كثيرة لعب دور بنّاء، خصوصا متى تتحلّى بالجرأة وتخرج عن مفاهيم بالية.

أثبتت إدارة دونالد ترامب، على الرغم من التصرّف الأحمق الذي أقدم عليه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الأسبوع الماضي، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول في واشنطن، أنّها تضمّ أشخاصا استثنائيين. سيخرج هؤلاء للأسف من مواقعهم في العشرين من الشهر الجاري لدى انتهاء ولاية ترامب. من بين هؤلاء وزير الخارجية مايك بومبيو وديفيد شينكر الذي ليس دبلوماسيا من ملاك وزارة الخارجية. استُعين بشينكر، الذي عمل في مراكز عدّة للبحوث، نظرا إلى خبرته القديمة في قضايا الشرق الأوسط والمنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وما بينهما، بما في ذلك لبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل وسوريا والعراق…

كان لا بدّ من خطوة أميركية مدروسة وشجاعة للانتهاء من قضيّة استمرت طويلا لسبب واحد يتمثل في الرغبة في استنزاف المغرب من قبل نظام عاجز. إنّه نظام جزائري عاجز عن الاعتراف بأن العالم تغيّر وانّ عليه الاهتمام بشعبه بدل البقاء في أسر مفاهيم غير مفهومة. لا تعني سياسة الهروب إلى خارج حدود الجزائر شيئا للجزائريين أنفسهم. لا ينفع شعب الجزائر إلحاق الأذى بالمغرب في شيء. في نهاية المطاف، ليست الجزائر، التي استخدمت “بوليساريو” واستثمرت فيها، سوى دولة من دول العالم الثالث مرّت بسلسلة من التجارب الفاشلة منذ استقلت في العام 1962. لعلّ أكبر دليل على ذلك أن الدولة الجزائرية، بكل مؤسساتها، لم تفعل، منذ الاستقلال، سوى التحريض على فرنسا التي لا يزال كلّ جزائري يطمح إلى الهجرة إليها!

أخطر ما في الأمر الآن، أن الجزائر متمسكة بلغة خشبية اعتمدتها منذ الاستقلال ومنذ افتعلت قضيّة الصحراء التي استعادها المغرب من المستعمر الإسباني بالوسائل السلمية. لم يجد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم ما يقوله إلى مساعد وزير الخارجية الأميركي سوى دعوته إلى “الحياد”. أي أن يكون محايدا بين المغرب والجزائر. في ذلك اعتراف بأنّ القضية هي قضية مغربية – جزائرية قبل أي شيء. أمّا “بوليساريو”، فليست سوى مجموعة من أشخاص يستخدمون في منع الصحراويين من العيش بكرامة في إطار السيادة المغربية مثلهم مثل أي مواطن مغربي. تريد “بوليساريو” بقاء الصحراويين في مخيّمات البؤس في منطقة تندوف الجزائرية وذلك كي يوجد من يتاجر بهم وبالمساعدات التي يحصلون عليها من الأسرة الدولية.

ما فعلته الولايات المتحدة، باعترافها بمغربيّة الصحراء، فرصة للجزائر كي تكسر الحلقة المقفلة التي تدور فيها. يفترض بها أن تنضمّ إلى الجهود الهادفة إلى الطيّ النهائي لقضيّة لا تعبر سوى عن عقم سياسة متبعة منذ 1962. تقوم هذه السياسة على الاعتقاد أنّ الجزائر قوّة إقليمية وأنّ في استطاعتها تجنيد قوى في أفريقيا وفي العالم من أجل دعم قضيّة ذات مضمون فارغ تحت شعار “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”. كان في استطاعة الجزائر ممارسة هذه اللعبة عندما كانت تمتلك العملة الصعبة التي مصدرها الغاز والنفط. بدل تطوير الاقتصاد الجزائري وتنويعه والبناء على المؤسسات التي تركها الاستعمار الفرنسي، اعتقد النظام الذي أسّسه هواري بومدين نتيجة الانقلاب الذي نفّذه في العام 1965 أنّ المزايدات توفّر الخبز للشعب وأن الشعارات تبني منازل وتجد وظائف للعاطلين عن العمل من خريجي الجامعات.

من الواضح أنّ المغرب سيواجه، في ضوء تحقيقه انتصارا كبيرا في الصحراء، تحديات جديدة. قد لا تكون إسبانيا، التي كانت تستعمر الصحراء حتّى العام 1975 بعيدة عن هذه التحديات، خصوصا أنّها كانت تسعى دائما إلى الاستفادة من الخلافات المغربية – الجزائرية كي تمارس ضغوطا على المغرب في ملفات عدّة تهمّها، على الرغم من أن لديها مصلحة في التعاون في العمق معه. بين هذه الملفات الصيد البحري والتنقيب عن النفط والغاز في البحر والحدّ من الهجرة.

لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه، عاجلا أم آجلا، مرتبط بموقف الجزائر. هل ستستغل فرصة الانتصار المغربي في الصحراء، كي تنتصر على نفسها وتتصالح مع شعبها الذي يظهر يوميا رفضه للنظام القائم؟

تبقى المشكلة في أنّ من الصعب الرهان على المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تعتقد أنّ تصدير أزمات الجزائر إلى خارج أراضيها يغنيها عن القيام بعملية مراجعة للذات والاستفادة من تجارب الماضي القريب.

تعتقد هذه المؤسسة أنّ في استطاعتها إعادة تأهيل نفسها وتجديد شباب نظام مهترئ أكل الدهر عليه وشرب. نظام يقول رئيس الجمهورية فيه عبدالمجيد تبون “نحن نمتلك أفضل نظام صحي في المنطقة وفي أفريقيا كلّها”. بعد أيّام يصاب تبّون بكورونا (كوفيد – 19)، فيغادر إلى ألمانيا ليعالج فيها طوال شهرين. يحصل ذلك فيما البحث واضح عن بديل منه. كل ما في الأمر أن عملية الهروب إلى خارج الجزائر مستمرة، بينما الحاجة إلى العودة إلى الداخل وترك الصحراء لأصحابها أي للمغرب في عالم يفترض أن تعرف فيه كلّ دولة حجمها الحقيقي…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: