الجزائر.. ثالوث الحراك وكورونا والمرض يرحّل أجندة تبون إلى 2021

ميموني

شكّل استمرار الحراك الشعبي في الأسابيع الأولى من توليه الرئاسة، وظهور فيروس كورونا، والمرض، ثالوثاً أربك حسابات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في عامه الأول.

ومنذ الأشهر الثلاثة الأولى لصعوده إلى سدة الرئاسة إثر فوزه بأول انتخابات رئاسية عقب استقالة عبدالعزيز بوتفليقة، واجه تبون صعوبات جمة في تنفيذ أجندته السياسية والاقتصادية بسبب استمرار جزء من مسيرات الحراك، وظهور جائحة كورونا، وصولا إلى إصابته بالوباء.

وانتُخب تبون في 12 ديسمبر 2019، بعد تسعة أشهر من استقالة بوتفليقة في 2 أبريل من العام نفسه، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه، وقيادة عبدالقادر بن صالح رئاسة الدولة لفترة انتقالية في إطار الدستور.

وخلال حملته الانتخابية، رفع الرئيس الجزائري شعار “بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون”، وأعطى تعهدات استجابة للحراك الشعبي، أبرزها إحداث تغيير جذري في البلاد يبدأ من نظام الحكم.

استمرار الحراك

لكن تلك التعهدات لم تطفئ غضب الشارع، إذ استمرت مسيرات الحراك الشعبي الأسبوعية كل يوم جمعة حتى 20 مارس، لتتوقف إثر تفشي فيروس كورونا في مختلف محافظات البلاد.

وعارض بعض النشطاء والمحتجين في المسيرات السلمية التي انطلقت في 22 فبراير2019، المخرج الدستوري للأزمة، واستمروا في المطالبة بالتغيير الجذري للنظام الحاكم، وإطلاق سراح المعتقلين خلال المسيرات.

وبين فبراير ومارس، حاول بعض النشطاء إطلاق ما أسموه بـ”حراك السبت”، إلى جانب يومي الثلاثاء “حراك الطلبة” والجمعة، وهو ما اعتبرته الحكومة على لسان وزير الداخلية كمال بلجود “إرادة الهدم والرجوع بالبلاد إلى سنوات العنف”.

ومع ذلك اكتفت الحكومة، بدعوة المشاركين في الحراك باليقظة، من أصحاب “النوايا المشبوهة” والحذر من تفشي فيروس كورونا، لكنها لم تدع إلى تعليق المسيرات.

وبعد دعوات على مواقع التواصل، توقف الحراك الشعبي في الجمعة 56، تفاديا لتفشي الفيروس.

البحث عن التوافق

وأمام استمرار الاحتجاجات السلمية، بحث الرئيس الجزائري عن التوافق الوطني من خلال لقائه بعدد من الشخصيات الوطنية وأبرز وجوه المعارضة في البلاد.

وتنقّل تبون مطلع العام الجاري، إلى منزل وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، كما استقبل رئيس الحكومة الأسبق ومنافس بوتفليقة في رئاسيات 1999 مولود حمروش، وكذلك المعارض السياسي والدبلوماسي عبد العزيز رحابي، ورئيس حزب “جيل جديد” المعارض سفيان جيلالي.

وحرص تبون، على الإشادة بالمسيرات الشعبية التي أطاحت بنظام بوتفليقة، بوصفها في كل مرة “الحراك المبارك الأصيل”.

كما تفادى الدعوة إلى تعليق المسيرات والمظاهرات، وقال في إحدى حواراته لوسائل الإعلام المحلية “فليتظاهروا بكل ديمقراطية، فقط نقول لهم احذروا الاختراقات”، في إشارة إلى مخطط قد يستغل المظاهرات لبعث مشروع “المرحلة الانتقالية” الذي يعده تبون “عودة إلى الدم والدموع”.

وأطلق تبون في العشرين يوما الأولى من تنصيبه رئيسا للبلاد، مسار تعديل الدستور، وعيّن لجنة خبراء توصلت إلى صياغة التعديلات الجديدة بتاريخ 12 يناير العام الماضي.

وتضمن مشروع التعديل الذي عُرض للاستفتاء الشعبي، في الأول من نوفمبر الماضي، عبارة ممجدة للحراك في ديباجته، واعتمد النظام شبه الرئاسي للحكم الذي يتيح للأغلبية الفائزة بمقاعد البرلمان المساهمة في قيادة الحكومة.

فيروس كورونا

مع شروع تبون، في البحث عن توافق سياسي، سجلت الجزائر أول إصابة بفيروس كورونا في 25 فبراير، لمهندس إيطالي يعمل في حقل نفطي جنوب البلاد، بينما سُجلت أول حالة إصابة محلية مطلع مارس.

خطورة الوباء، ودرجة الاستنفار التي فرضتها السلطات للوقاية منه، ضربت الأجندة السياسية للرئيس الجزائري في الصميم، حيث كان مقررا تعديل الدستور في مايو، وإجراء انتخابات تشريعية نهاية السنة الماضية.

واتضح بشكل واضح مدى تعثّر سير برنامج الرئيس في المجمل، وفي اجتماع الحكومة برؤساء المحافظات (ولاة الجمهورية) منتصف أغسطس، قال رئيس الحكومة عبدالعزيز جراد، إن “تعليمات وتوجيهات الرئيس لم يُنفذ منها سوى 20 في المئة”.

ومع تزامن تنظيم الاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور، وظهور الموجة الثانية لفيروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات، وُجهت انتقادات شديدة للسلطة في الجزائر، بسبب تنظيم التجمعات الشعبية للترويج للوثيقة الدستورية.

وكان الرئيس الجزائري، قد أعطى تعليمات صارمة منذ بداية الوباء، بمحاربة ما يسميه “التهويل الإعلامي”، حول أرقام الإصابات بالفيروس.

وأشارت الحكومة إلى أن أطرافاً لم تسمّها، سعت إلى نشر العدوى، لاكتظاظ المستشفيات وانهيار النظام الصحي، وتحريض الرأي العام.

وقال رئيس الحكومة عبدالعزيز جراد، “إن أطرافاً يعيشون خارج الجزائر، ولهم خلفيات أخرى، يعملون على تحريض الشباب للخروج دون كمامة، ويريدون انتشار الوباء”.

المرض والعودة

وآخر ما توقعه الجزائريون كان مرض الرئيس نفسه، ونقله في 28 أكتوبرإلى ألمانيا للعلاج في عيادة متخصصة، بحسب ما أعلنته رئاسة الجمهورية يومها.

غياب الرئيس تبون، عشية تدشين جامع الجزائر الأعظم والاستفتاء على الدستور، أعاد إلى الأذهان سيناريوهات مرض الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، كما أثار فرضيات غذتها مواقع التواصل الاجتماعي بشأن شغور محتمل في أعلى هرم السلطة.

وإثر غياب منذ 15 أكتوبر، سجل تبون ظهوره الأول صوتاً وصورة في 13 ديسمبر، عبر حسابه على تويتر، وأعلن إصابته بفيروس كورونا، وأنه يسير في طريق التعافي النهائي.

وعاد تبون في 28 ديسمبر، من رحلة علاجية في ألمانيا دامت شهرين كاملين، مصرحاً من المطار بأن “البعد عن الوطن صعب، ولما تتراكم المسؤوليات يكون أصعب”.

وتراكمت على مكتبه ملفات غاية في الأهمية، كونها مرتبطة بسير الدولة على غرار قانون المالية 2021، الذي وقعه الخميس، وأخرى متعلقة بأجندة سياسية كالدستور الجديد الذي يعتبره أساس تغيير نظام الحكم.

ومن المنتظر، أن يستلم تبون، مشروع  قانون الانتخابات من لجنة الخبراء التي كلفها في 19 سبتمبر الماضي بإعداد النص، وقال إن “هذا القانون هو الخطوة التي تأتي ما بعد الدستور”، ويبتغي من ورائها تجديد المجالس المنتخبة.

وكان مُعداً وفق أجندة تبون الأولى أن تجرى الانتخابات النيابية والمحلية قبل نهاية عام 2020.

ويتوقع سياسيون في الجزائر استدعاء وشيكاً للهيئة الناخبة، لتنظيم الانتخابات البرلمانية في مارس المقبل، لإعادة المصداقية للبرلمان الحالي الذي يتعرض لكثير من الانتقادات المشككة في شرعيته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: