بريطانيا والمغرب لا يدرسان أي نفق مع صخرة جبل طارق ومعطيات سياسية ومادية تجعله مستحيلا
مجدوبي
عاد موضوع النفق الرابط بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق إلى واجهة الأحداث بعد الأخبار التي تفيد باحتمال توقيع اتفاق بين بريطانيا والمغرب بدل لندن ومدريد، ورغم هذه الأخبار لا توجد أي دراسة أو تعهد سياسي بريطاني، ومن الصعب إنشاء النفق في ظل الشروط الاقتصادية الحالية والتي تفاقمت مع فيروس كورونا علاوة على غياب الشروط المادية المرتبطة بالهندسة.
في هذا الصدد، طرحت جريدة إسبانيول مؤخرا خبر احتمال توقيع اتفاق مستقبلا بين المغرب وبريطانيا بشأن إنشاء النفق أو الجسر المعلق ينطلق من الأراضي المغربية نحو صخرة جبل طارق. وجاء طرح هذا الاحتمال في ظل قراءة خاصة للعلاقات المغربية-البريطانية بعد خروج لندن من الاتحاد الأوروبي وتوقيعها اتفاقيات مع عشرات الدول ومنها إسبانيا.
الربط القاري: حلم مؤجل من القرن 19
ويوجد مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا منذ القرن التاسع عشر، وازداد الاهتمام في العشرينات من القرن الماضي عندما بدأت الدول الأوروبية في تشييد أنفاق خاصة بالقطارات وكذلك بالقطارات الخاصة بالمدن أي “ميترو الأنفاق”.
وبدأ الحديث جديا عن النفق في مضيق جبل طارق بعد نجاح اليابان في إنجاز نفق بين جزيرتيها هوكيدو وهونشو تحت مضيق تسوغارو الذي دخل الخدمة سنة 1988 بعد 20 سنة من الحفر، ولاحقا تم بدء العمل في نفق بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا والذي بدأ العمل به سنة 1994. ويعد الأول الأطول في العالم بقرابة 54 كلم بينما نفق بحر المانش هو الثاني بقرابة 51 كلم.
ويوجد عاملان رئيسيان وراء بناء النفق، فقد قررت طوكيو في الخمسينات بناء النفق لتفادي غرق السفن التي كانت تذهب بها العواصف كما حدث سنة 1994 بعد غرق 4 سفن في ظرف وجيز، ثم رغبت في هيكلة اقتصادها بتسهيل الربط بين أكبر جزيرتين لا سيما وأن الاقتصاد الياباني تقدم بشكل كبير. وفي حالة نفق المانش، فقد روجت له المؤسسات المالية البريطانية والفرنسية ثم الأوروبية بسبب ربطه بريطانيا التي تعد الاقتصاد الثاني في أوروبا بفرنسا الاقتصاد الثالث ثم مجموع القارة الأوروبية، حيث توجد سوق ضخمة وكثافة سكانية بمئات الملايين.
وبعد أحلام ما قبل الخمسينات حول بناء النفق، شرع المغرب وإسبانيا ابتداء من الثمانينات في التفكير الجدي في بناء النفق سواء الجسر المعلق أو النفق تحت البحر في مضيق جبل طارق. ويواجه المشروع عائقين، الأول مالي- اقتصادي والثاني هندسي.
وعلاقة بالعامل الهندسي، كل الدراسات تجمع على صعوبة إنجاز النفق في الظروف الحالية، إذ أن نوعية المواد المستعملة والابتكار الهندسي يقف مترددا في الجزم بشأن نجاح المشروع، أولا بين النفق والجسر، ثم هل يمكن تشييد واحد منهما.
في هذا الصدد، تجمع كل الدراسات الاقتصادية على عدم جدوى استثمار ملايير الدولارات في نفق يربط بين المغرب وإسبانيا في وقت التبادل التجاري بين المغرب وأوروبا يبقى محدودا للغاية، بالكاد يتجاوز 20 مليار يورو. كما أن المغرب لا يقع في محيط اقتصادي قوي، إذ تعتبر الدول القريبة منه وهي موريتانيا وإفريقيا الغربية ثم الجزائر ضعيفة اقتصاديا، ولا يصل الناتج القومي الخام لكل هذه الدول اقتصاد أو مداخيل مدينة واحدة مثل لندن أو باريس. وعليه سوق الاستهلاك هو المحدد الرئيسي لبناء الأنفاق والجسور. ولا يستجيب التبادل التجاري بين المغرب وأوروبا بل وحتى بين شمال إفريقيا وأوروبا إلى بناء نفق.
وفي الوقت ذاته، الأنفاق البحرية لا تسمح بمرور السيارات بسبب صعوبة التخلص من الغازات، ولهذا، فهي في حالة نفق المانش أو الياباني يتم الاقتصار فقط على القطار للمسافرين ثم القطار لنقل البضائع بل ولنقل السيارات. ويتميز مضيق جبل طارق بكونه معبرا للسيارات عبر السفن أكثر منه معبرا للصادرات التجارية.
استحالة النفق البريطاني
ويجري الحديث عن نفق بين صخرة جبل طارق والأراضي المغربية، وهو رهان مستحيل. أولا لن تسمح إسبانيا ببناء نفق من المغرب نحو أراض تعتبرها مستعمرة، صخرة جبل طارق، وعليه لن ترخص بالحفر في مياهها الإقليمية. ولا يمكن بناء نفق نحو صخرة جبل طارق انطلاقا من المغرب دون المرور عبر إسبانيا.
في الوقت ذاته، الأنفاق البحرية مثل حالة المانش مثلا تتطلب الانطلاق بخمس كلمترات بعيدا عن الشاطئ، ولا تمتلك صخرة جبل طارق الأراضي الكافية لبناء النفق، إذ عليها أن تنطلق من الأراضي الإسبانية، وهذا لن تسمح به إسبانيا. ولا تتعدى مساحة جبل طارق 7 كلم مربعة، وأكبر نقطة عرضا لا تتجاوز كلم ونصف. ويضاف إلى كل هذا أن وسيلة السفر تحت النفق هي القطار، ولا يوجد قطار في صخرة جبل طارق ولا تربطه بإسبانيا قطارات فكيف بأوروبا. ومن الناحية السكانية، لا تتجاوز ساكنة الصخرة 33 ألفا، أي أقل من مدينة متوسطة إسبانية مثل لالينيا المحاذية لجبل طارق أو مرتيل المقابلة لها في إقليم تطوان شمال المغرب. ولا يمكن لصخرة جبل طارق استقبال أكثر من 500 سيارة في أقصى الحالات، بينما عملية عبور المسافرين تكون عبر السيارات بالآلاف يوميا.
وإذا كانت الوثائق الإسبانية والمغربية تتحدث منذ 40 سنة عن حلم الربط القاري عبر مضيق جبل طارق، لم تعثر جريدة “القدس العربي” على أي وثيقة بريطانية رسمية تتحدث عن هذا الربط انطلاقا من جبل طارق، ولم يسبق لأي سياسي بريطاني أو مغربي الحديث عن هذا الموضوع. وخصصت مجلة ذي إيكونوميست الاقتصادية في عددها الأخير موضوعها الرئيسي لـ “موقع بريطانيا في العالم”، ولم تشر إلى الربط القاري بل لم تشر إلى دور المغرب الذي لا تتعدى مبادلاته التجارية مع بريطانيا ملياري يورو سنويا، وقد تصل إلى 4 في ظرف السنوات المقبلة إذا حققت قفزة نوعية بعد البريكسيت. ولا تعد صخرة جبل طارق نقطة سفر سواء للأشخاص أو المواد لكي تكتسب هذه الأهمية لاحتضان النفق بل لا يمكن للصخرة لعب أي دور في النقل بين المغرب وبريطانيا.
وتفيد مختلف الدراسات بتأجيل إنشاء النفق بين إسبانيا والمغرب إلى العقود المقبلة عندما تتقدم الهندسة، بل هناك شكوك حول جدوى النفق في السفر بعد التقدم في الطيران، وكشفت الإحصائيات الأخيرة كيف يفضل الناس في اليابان السفر جوا بدل النفق الذي يربط بين الجزيرتين المذكورتين، وبدأ هذا يظهر في حالة المانش نسبيا.