البنتاغون لا يخطط لنقل قاعدة روتا الإستراتيجية للأمن الغربي ولا يستبعد قاعدة صغيرة في المغرب

مجدوبي

لا ينوي البنتاغون نقل قاعدته العسكرية من روتا جنوب غرب إسبانيا بسبب أهميتها الإستراتيجية للأمن القومي الغربي برمته، ولا يستبعد إنشاء قاعدة جنوب المغرب استعدادا لسيناريوهات متعلقة بإفريقيا الغربية أساسا وتحسبا لنفوذ صيني مستقبلا أكثر من النفوذ الروسي.

روتا قطعة رئيسية للأمن الغربي

وتعتبر قاعدة روتا من القواعد الأمريكية الرئيسية في العالم، ويعود تواجد البنتاغون في هذه القاعدة التي تقع في إقليم قادش أقصى جنوب غرب إسبانيا إلى الخمسينات من القرن الماضي عندما وقعت واشنطن مع نظام الجنرال فرانكو اتفاقيات عسكرية حول الانتشار الأمريكي في قواعد متعددة في هذا البلد الأوروبي. ورغم انسحاب البنتاغون من قواعد عسكرية في إسبانيا، يحافظ على التواجد في قاعدتين الأولى هي مورون دي لفرونتيرا الجوية في إقليم إشبيلية ثم روتا البحرية.

وتكتسب قاعدة روتا مع مرور الوقت أهمية خاصة للحلف الأطلسي والولايات المتحدة، وتحولت إلى قطعة رئيسية في بناء الأمن القومي الغربي والدفاع العسكري. وهذا يعود الى موقعها الجغرافي كنقطة جنوبية للغرب ومراقبتها لأحد أهم المضايق البحرية في العالم وهو مضيق جبل طارق.

وقعت واشنطن مع إسبانيا اتفاقيات كثيرة لتوسيع قاعدة روتا من قاعدة للدعم اللوجيستي الى قاعدة رئيسية

وطيلة العقود الأربعة الأخيرة بعد الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، ومهما كان لون الحكومة اشتراكيا أو محافظا في مدريد، وقعت واشنطن مع هذا البلد الأوروبي اتفاقيات كثيرة لتوسيع قاعدة روتا من قاعدة للدعم اللوجيستي الى قاعدة رئيسية فيما يسمى حرب النجوم أو الدرع الصاروخي. وإذا كانت قاعدة روتا قد لعبت في الماضي دورا في الحرب الباردة ثم نقطة ارتكاز هامة للقوات الأمريكية في حروب العراق الأولى والثانية وكوسوفو، فهي الآن تقوم بالأدوار التالية: تعد مركزا لوجيستيا هاما للقوات الأمريكية والغربية بفضل مطارها الحربي وأساسا مينائها الحربي وقربها من قواعد أخرى في إسبانيا مثل مورون دي لفرونتيرا وأخرى في إيطاليا وألمانيا.

 كما تعتبر نقطة حساسة في مراقبة السفن والطائرات العسكرية لمختلف الدول وعلى رأسها الصين وروسيا خاصة في ظل اهتمام الصين بغرب البحر الأبيض المتوسط وإجراءهما مناورات عسكرية مرتين خلال سنتي 2018 و2019. واكتسبت قاعدة روتا الأهمية القصوى خلال السنوات الأخيرة بعدما تحولت الى القاعدة التي تحتضن جزءا من حرب النجوم أو الدرع الصاروخي. ويتعلق الأمر بسفن حربية راسية كل الوقت في قاعدة روتا وهي محملة بنظام مضاد للصواريخ الباليستية خاصة الحاملة لرؤوس نووية.

ورغم أحقية إسبانيا باستعادة الإشراف على هذه القاعدة ابتداء من سنة 2024، أي في ظرف ثلاث سنوات وفق ما سطر في اتفاقية 1953 بمدريد التي بموجبها جرى استحداث روتا، تجري مفاوضات لكي يتم تمديد العمل لعقود أطول ومنها احتضان غواصات نووية والرفع من عدد السفن المدمرة الحاملة لنظام الدرع الصاروخي من 4 الى 6 وفق جريدة لفنغورديا الإسبانية.

وتحتضن قاعدة روتا حوالي ستة آلاف أمريكي بين عسكريين وهم الأغلبية ومدنيين، وهي في منطقة خالية من التقلبات السياسية بسبب الديمقراطية في هذا البلد، لهذا تدخل ضمن القواعد الأمريكية والغربية البعيدة المدى وليست المؤقتة كما هو الشأن في العراق وأفغانستان. وعززت سابقا بتشكيلة خاصة بالطائرات المروحية لمواجهة الغواصات والسفن الروسية والصينية. وبنوع من الاحتشام، بدأت حكومة مدريد ترخص للغواصات النووية الأمريكية بالتوقف في روتا ابتداء من يناير الماضي. وخلال 23 و24 من الشهر نفسه، احتضنت قاعدة روتا قمة القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا المعروفة بحروفها اللاتينية EUCOM لإبراز أهمية روتا للمستقبل العسكري للبنتاغون.

قاعدة المغرب المرتقبة ليست بديلا لروتا

وبينما ستحافظ الولايات المتحدة على قاعدة روتا وعدم التخلي عنها، يجري التفكير في استحداث قاعدة عسكرية جنوب المغرب، وفق معطيات حصلت عليها “أخبارنا الجالية ” وليس لتعويض قاعدة روتا. فهذه الأخيرة تشرف على المدخل الغربي لمضيق جبل طارق، حيث تمر السفن العسكرية الروسية والصينية وكذلك القاذفات الروسية من طراز تو 160، علاوة على أهمية مضيق جبل طارق كشريان رئيسي للتجارة الغربية ومرور سفن الطاقة من نفط وغاز، وهذا يتطلب مراقبة على أعلى المستويات، لا سيما وأن روتا هي حلقة وصل بين المراقبة العسكرية الأمريكية- الغربية الممتدة في البحر المتوسط ثم نحو الساحل الأطلسي لأوروبا.

نقل قاعدة من هذا الحجم والأهمية نحو الجنوب المغربي سيجعلها بعيدة عن أهم ممر عسكري في العالم وهو جبل طارق

وعليه، نقل قاعدة من هذا الحجم والأهمية نحو الجنوب المغربي سيجعلها بعيدة عن أهم ممر عسكري في العالم وهو جبل طارق، كما أن البنتاغون ضمن حماية أوروبا من الصواريخ الروسية والصينية يبحث عن القرب الجغرافي من أوروبا وليس الابتعاد عنها. وبالتالي، كل عملية نقل لقاعدة تتميز بهذا البعد الاستراتيجي العميق عسكريا ستكون فاقدة للمنطق العسكري. ويضاف الى هذا، لا تتواجد في الوقت الراهن سفن عسكرية روسية وصينية في إفريقيا الغربية إلا في حالات نادرة، وعليه أي غاية من نقل قاعدة ضخمة نحو منطقة غير استراتيجية. ولا يوجد أي تقرير عسكري أمريكي يتحدث عن التخلي عن قاعدة روتا نهائيا.

ويجري التفكير في قاعدة صغيرة جنوب المغرب خاصة بعد احتضان هذا البلد طيلة السنوات الأخيرة لمناورات الأسد الإفريقي بين القوات الأمريكية والمغربية. وترمي القاعدة التي يفكر فيها البنتاغون الى القيام بدور مختلف عن قاعدة روتا، ويتجلى في احتضان تداريب عسكرية ومناورات دائمة وتعزيز التدخل في إفريقيا الغربية ووسط القارة تحسبا لاضطرابات تغير من موازين القوى، وتحسبا كذلك لحصول الصين على قاعدة عسكرية في إفريقيا الغربية. وبعد نجاح بكين في الحصول على قاعدة عسكرية في جيبوتي التي تعد الأولى من نوعها لديها خارج الصين، تفكر في مناطق أخرى على الساحل الإفريقي الغربي ومناطق مثل أمريكا اللاتينية.

ولن يتجاوز التواجد الأمريكي في حالة إقراره جنوب المغرب قاعدة صغيرة وذات طابع مؤقت، فقد حصل البنتاغون مسبقا على ترخيص بتواجد عسكري في السينغال بموجب الاتفاقية الموقعة يوم 2 مايو 2016 تحتضن جزءا من قوات أفريكوم بشكل غير علني وغير دائم لمواجهة القرصنة البحرية التي بدأت تنتشر في مياه إفريقيا الغربية ومواجهة الإرهاب في قلب القارة السمراء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: