تشنّ عدة نقابات وتنسيقيات عمالية جهوية في تونس سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات مع مطلع العام الجديد، تنديدا بالأوضاع الاجتماعية والمهنية المتردية، وسياسة “المماطلة” التي تنتهجها الحكومة في الإيفاء بوعودها، في وقت ترزح فيه البلاد تحت أزمة اقتصادية وسياسية لم تعرفها منذ الاستقلال، عمقت آثارها جائحة فايروس كورونا المستجد.
وأعلنت محافظتا القصرين وقفصة عن دخولهما في إضراب عام مع بداية العام الجديد للمطالبة بمواطن شغل وتنمية، في خطوة يرى مراقبون أنها حركة احتجاجية حديثة بعد موجة إضرابات عامة شملت سابقا عدة ولايات (محافظات) على غرار تطاوين والقيروان وباجة وجندوبة وقابس.
وتدخل محافظة قفصة التونسية (جنوب غرب) في إضراب عام في السابع من يناير القادم، للاحتجاج ضد الحكومة بسبب التأخر في تطبيق قرارات سابقة تخص التنمية والتشغيل في الجهة.
وتضم قفصة مناطق الحوض المنجمي المنتجة للفوسفات (المتلوي والرديف والمضيلة وأم العرايس). وشهد إنتاج الفوسفات التونسي انهيارا إلى قرابة النصف مقارنة بمعدلات ما قبل سنة 2010 بسبب الاحتجاجات الاجتماعية والاعتصامات في الجهة ضد البطالة وتردي الظروف المعيشية.
ومن جهته حدد اتحاد الشغل في محافظة القصرين (وسط) تاريخ 26 يناير القادم لانطلاق الإضراب العام، وهو تاريخ يحمل رمزية كونه يذكر بصدامات سابقة بين أنصار الاتحاد والأجهزة الأمنية في احتجاجات اجتماعية ضد حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1978.
وتواجه السلطات التونسية موجة جديدة من الاحتجاجات قد تستهدف من جديد غلق مواقع الإنتاج، ما يفاقم أزمة الاقتصاد التونسي المُنهك أصلا بتداعيات جائحة كورونا والتداين.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان، “أن هذه الاحتجاجات تأتي كرد فعل نقابي بعد 10 سنوات من التجاهل الممنهج للاستحقاقات الشعبية من تنمية وتشغيل، خاصة بعد تفاقم مشاكل الولايات الداخلية على غرار سيدي بوزيد وقفصة والقصرين..”.
وأضاف الترجمان ، “أن الحركات الاحتجاجية تعبر عن الفشل الحكومي المتكرر من فترة إلى أخرى، وهناك إصرار على تغيير المنوال الاقتصادي، مقابل تشبث الطبقة السياسية به”.
وتابع “بعد مرور أكثر من سنة على انتخاب البرلمان التونسي، هناك حالة من الإحباط الكبير التي تعيشها تونس جراء الفشل ويصعب تقييمها خاصة وأن كل الاستحقاقات تساقطت وتهاوت، فضلا عن الغياب الممنهج للبرلمان خلال سنة في أسوأ صورة، خدمة للأجندات الضيقة على حساب مشاغل المواطنين”.
وأشار إلى “أن الغضب يتصاعد من هذه المنظومة وحان وقت تغييرها، وإن لم تفهم الطبقة السياسية هذه المشاكل سيحدث انفجار اجتماعي”.
وتعرف تونس أزمة اقتصادية حادة، إذ تتوقع الحكومة انكماش الاقتصاد المحلي بنهاية 2020 بحوالي 7 في المئة تحت وطأة وباء كورونا والأزمة الاجتماعية، في أسوأ مؤشر للاقتصاد منذ منتصف القرن الماضي.
وتواجه معظم شركات القطاع العام صعوبات مالية، وبعضها مهدد بالإفلاس نتيجة نقص الموارد المالية. وتأمل تونس في أن يبدأ اقتصادها في التعافي من تأثيرات الأزمة بعد ركود تاريخي هذا العام.
وسبق أن وافق البرلمان التونسي، على ميزانية بقيمة 19 مليار دولار في العام القادم، تنطوي على عجز مالي نسبته 6.6 في المئة.
وتعاقبت على تونس 9 حكومات منذ 14 يناير 2011 جلها تنتمي إلى أحزاب سياسية باستثناء مهدي جمعة والحبيب الصيد وهشام المشيشي.
وترى أطراف بعينها أن الاحتجاجات تزامنت مع الحديث عن حوار وطني للإنقاذ، وقد تكون بوصلته، حيث أنه من المتوقع أن تكون التحركات الاحتجاجية في علاقة وثيقة بفحوى الحوار ومواضيعه.
وأكد النائب بالبرلمان حاتم المليكي، “أن الاحتجاجات ستخلق أجواء عامة ومختلفة بالبلاد، في ظل المعطى الجديد المتعلق بتنظيم الحوار الوطني المرتقب”.
وقال “إن الاحتجاجات ستكون ورقة ضغط على الحكومة لفرض الحوار الوطني لجعل أهدافه اقتصادية في علاقة بتحركات الشارع، وتواصل الإضرابات بشكل منظم أو عفوي ستكون له تداعيات كبيرة”.
ولاحظ المليكي”أن حكومة المشيشي قد تورط نفسها في ظل غياب رؤية واضحة واستراتيجية مدروسة لإرساء إصلاحات وتحقيق مطالب المحتجين”.
وتعد العدالة التنموية والاجتماعية والتوزيع المتساوي للثروة بين الجهات مسؤولية صعبة للحكومة الحالية كما هو الحال للحكومات السابقة، ما يتطلب دفع عجلة الاستثمار والبحث عن فرص عمل جديدة للعاطلين والمهمشين.
ولم ينتج اقتصاد ما بعد الحجر الصحي الشامل فرص عمل جدیدة أو عودة قویة لأنشطة الإنتاج مثلما ھو حال القطاع السیاحي الذي خسر خلال الثلاثي الثالث 7.42 في المئة من مداخیله.
وكشفت أوساط تونسية، الأربعاء، عن قبول الرئيس قيس سعيد بالمبادرة التي أطلقها الاتحاد منذ أكثر من شهر ما جعل القلق يساور قيادته بشأن فرص نجاحها، ليدشن بذلك مرحلة القيام بترتيبات خاصة بهذا الاستحقاق الذي يُنتظر أن يعالج ملفات حساسة.
وتدفع مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد نحو تلافي إجراء حوار شبيه بحوار 2013 الذي أفرز حكومة مهدي جمعة المؤقتة إلى حين أُجريت انتخابات 2014.