مغادرة بريطانيا تتحول إلى ورقة رابحة بيد الاتحاد الأوروبي

Majdi Fatima Zahra

يؤكد خبراء ومحللون مهتمون بالشأن الأوروبي أنه مع مغادرة بريطانيا القوة الاقتصادية والعسكرية والشريك المشكك والصعب للاتحاد الأوروبي، فإن ذلك قد يتحول إلى ورقة رابحة على صعيد تحقيق تكامل أوروبي أوسع وأشمل.

ويرى المؤرخ روبرت فرانك، الذي له كتاب عن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، “ستكون هناك تبعات إلا أنها أقل من تلك التي كانت لتسجل لو لم يتم التوصل إلى اتفاق. على الصعيد السياسي من الواضح أن التقدم سيكون أقل صعوبة وبريكست هو نقطة إيجابية على صعيد تعزيز التكامل الأوروبي. ثمة تحفظات هنا وهناك لكنها لن تكون مدعومة ببلد قوي مثل المملكة المتحدة”.

وسيسفر التوصل إلى اتفاق غير مسبوق حول خطة واسعة لتحفيز الاقتصاد المتضرر بكوفيد – 19 عن استدانة مشتركة وتستفيد منها أكثر الدول تضررا، كان ليكون معضلة كبيرة لو كانت لندن لا تزال عضوا في الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد فرانك أن “ما كانت الخطة لتطرح مع وجود البريطانيين، فهم كانوا ليرفضوها فورا”.

بيار فيمون: بعد الاستفتاء بدأ الدفاع المشترك يبرز فعلا في أوروبا

وكانت لندن تنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه سوق كبيرة وبقي البريطانيون أوروبيين من طراز آخر بعدم انضمامهم إلى سياسات تكامل عدة منها معاهدة شنغن لحرية التنقل أو العملة الواحدة. وهي كانت تسعى إلى بناء أوروبا ليبرالية.

لكن مع الأزمة الصحية الراهنة وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية عادت الدول للتدخل بقوة. ويشير المؤرخ إلى أن “النزعة الليبرالية البريطانية لا تنفع كثيرا في الأوقات الراهنة”.

وعلى صعيد اقتصادي تراهن أوروبا على شركاء جدد بعد الطلاق البريطاني، وقد توصلت دول الاتحاد الأربعاء مع بكين إلى اتفاق “مبدئي” حول الاستثمارات. وقد أصبحت الصين في الفصل الثالث من العام أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي متخطية في ذلك الولايات المتحدة بعدما أعاقت جائحة كوفيد – 19 عجلة الاقتصاد الأميركي فيما استعاد الاقتصاد الصيني زخمه.

وللمفارقة وبعد نصف قرن من زواج مضطرب بين الدول الأوروبية وبريطانيا الوحيدة التي تملك السلاح النووي إلى جانب فرنسا، قد يساهم بريكست في دفع سياسة الدفاع المشترك إلى الأمام ضمن الاتحاد الأوروبي.

ويقول بيار فيمون، الباحث المشارك في مؤسسة “كارنيغي” في أوروبا، “لم تكن بريطانيا تؤيد يوما بروز سياسة أمنية أوروبية مستقلة. لطالما دافعت عن دور حلف شمال الأطلسي الرئيسي”. ويضيف “لكن بعد الاستفتاء على بريكست بدأ الدفاع المشترك يبرز فعلا في أوروبا”.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، يأسف خبراء لخسارة المؤهلات والخبرات التي تتميز بها الدبلوماسية البريطانية، لكنهم يتوقعون ألا تبتعد لندن كثيرا عن المواقف الأوروبية حول المسائل الرئيسية مثل الملف النووي الإيراني وروسيا والشرق الأوسط.

وفي مثال على ذلك شكلت باريس وبرلين ولندن جبهة واحدة لمعارضة إعادة فرض عقوبات على طهران من قبل الأمم المتحدة كما طالبت واشنطن في سبتمبر الماضي.

ويقول بيار فيمون، مندوب فرنسا السابق لدى الاتحاد الأوروبي، “ستستمر لندن في إقامة علاقة مميزة مع فرنسا وألمانيا ولا يريد الثنائي الألماني – الفرنسي قطع هذه العلاقة. وتأمل لندن في أن تدخل إلى اجتماعات الدبلوماسيين الأوروبيين من النافذة”.

ويوضح “سيقترب البريطانيون من الاتحاد الأوروبي لإقامة إما علاقات ثنائية أو روابط مع مجموعات من الدول” مثل فيشغراد (المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا).

ويشكل وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض عاملا إيجابيا أيضا. ويرى إريك موريس من مؤسسة شومان “سيكون أقل ميلا من ترامب لإحداث انقسامات في صفوف الأوروبيين”.

لكن بعد انتهاء الأزمة الصحية هل ستكون دول أخرى ميالة لكي تحذو حذو بريطانيا؟

ويتوقع النائب الأوروبي السابق أندرو داف (ليبرالي ديمقراطي) “توترات مع دول أوروبا الشرقية خصوصا إذا أبلت المملكة المتحدة بلاء حسنا” بعد خروجها من الاتحاد. لكن حتى الساعة فقد أبدت كل من وارسو وبودابست اللتين تستفيدان كثيرا من الأموال الأوروبية، امتناعهما عن التهديد بالانسحاب خصوصا وأن الرأي العام فيهما مؤيد للاتحاد الأوروبي.

ويفتح الانفصال فصلا جديدا في علاقة بريطانيا المضطربة مع القارة الأوروبية، لكنه لن يكون الأخير على الأرجح.

ويختم روبرت فرانك قائلا “يشعر البريطانيون بضيق داخل أوروبا لكنهم يخشون أن يتم تهميشهم في حال غيابهم عنها. وهم يقومون بعملية كر وفر متواصلة. ولا تستبعد عودتهم إلى الاتحاد الأوروبي بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين. لكن المشكلة الأكبر عندها هي أن أوروبا قد تشعر بأنها في وضع أفضل بكثير من دونهم”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: