خبراء مغاربة يتساءلون: كيف أبرمت الحكومة صفقات لاقتناء لقاح كورونا قبل الترخيص له بالتسويق في بلد المنشأ؟

الطويل الطاهر

ما بين نفي توصل المغرب باللقاح المضاد لفيروس «كورونا» المستجد وتأكيد ذلك، تضاربت تصريحات مسؤولين حكوميين وخبراء مختصين. فيما طرح مراقبون سؤالاً محيراً: كيف جرى إبرام اتفاقيات مع الصين وبريطانيا حول لقاحات، قبل أن يُرخَّص لها بالتسويق في بلد المنشأ؟
وأوردت صحيفة «العَلم» أمس، تصريحاً لعزيز غالي، المستشار السابق لدى منظمة الصحة العالمية، أكد فيه أن اللقاح لم يصل بعد إلى المغرب، متسائلاً عن سبب اقتناء وزارة الصحة 65 مليون جرعة منه مادامت عملية التلقيح ضد كورونا ستهم 25 مليون نسمة وتتطلب 50 مليون جرعة فقط. كما تساءل: كيف يُعقل أن يقال إن اللقاح «أسترازينيكا» وصل إلى المغرب وبريطانيا لم تصادق عليه إلا يوم الأربعاء المنصرم، واللقاح الصيني «سينوفارم» صودق عليه أول أمس الخميس، متوقعاً أن لا تنطلق عملية تطعيم المغاربة إلا في منتصف يناير الجاري أو في نهايته؟ وطالب الخبير نفسه وزارة الصحة بالكشف عن عدد اللقاحات التي اقتنتها من كل من «سينوفارم» و«أسترازينيكا» وما الفئات التي سيتم تلقيحها باللقاح البريطاني واللقاح الصيني.

وزارة الصحة تنتظر الموافقة

في المقابل، عزا مولاي المصطفى الناجي، مدير مختبر الفيروسات في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، التأخر الحاصل في وصول اللقاح إلى العامل اللوجستيكي، مضيفاً في تصريح لصحيفة «العلم» أن صمت الحكومة في شخص وزارة الصحة أمر عادي. وقال إن المغرب تسلم فعلاً اللقاح وهو موجود في البلاد، لكن وزارة الصحة تنتظر القرار الرسمي لإعلان انطلاق عملية التلقيح، وذلك بعد دراسة الملف من طرف مصلحة الإذن بالتراخيص في الأسواق التابعة لمديرية الأدوية والصيدلة في المغرب، مؤكداً أنه من غير المستبعد أن تنطلق عملية التلقيح في 15 يناير من السنة الجديدة.
وقال خالد آيت الطالب، وزير الصحة، في تصريح للصحافة أول أمس، إن المغرب مقبل على المصادقة على لقاحين خلال الأيام المقبلة، مذكّراً بأن تحقيق المناعة الجماعية رهين بالوصول إلى تلقيح نسبة 60 في المائة من المواطنين على الأقل. وشدد على أن اللقاحين الصيني والبريطاني اللذين اختارهما المغرب للتصدي لفيروس كوفيد-19 تعترف بهما الهيئات المدبرة للأدوية في كلا البلدين، مشيراً إلى أن المغرب قام بدوره في العملية، من خلال لجنة الخبراء، حيث انكب على دراسة المعطيات العلمية حتى تحظى بالمصادقة تبعاً لتوصيات المنظمة العالمية للصحة.
وعقدت اللجنة المغربية الاستشارية المختصة بالترخيص للقاح المضاد لكورونا، الخميس، اجتماعاً في الرباط بحثت فيه مسألة الترخيص للقاح «أسترازينيكا» البريطاني في المغرب. وصرحت بشرى مداح، مديرة الأدوية والصيدلة في وزارة الصحة، أن اللجنة تدارست الاحترام الجيد لمعايير التصنيع والسلامة وجودة وفعالية اللقاح ونتائج تجاربه ما قبل السريرية والسريرية والاعتراف الدولي به. وكشفت أن «الوكالة البريطانية لتقنين الأدوية والمنتجات الصحية» أعطت موافقتها لولوج اللقاح للأسواق، مشيرة إلى أن المغرب اعتمد المسطرة الموضوعة من طرف منظمة الصحة العالمية والمتعلقة بالترخيص بالاستعمال المستعجل للقاح.
وأوضح مولاي مصطفى الناجي، مدير مختبر الفيروسات في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن من شأن تبادل وجهات النظر العلمية بين أعضاء اللجنة العلمية أن يتيح دراسة شاملة للمعلومات المختلفة المتعلقة بلقاح «أسترازينيكا» لا سيما المعطيات الصيدلانية وعمليات التصنيع، وقال إن «اللجنة ستتخذ قرارها النهائي بشأن موضوع هذا اللقاح في أقرب الآجال».
في السياق نفسه، ذكّر عز الدين إبراهيمي، مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة في الرباط، بالتأشير والترخيص باستعمال لقاحي «سينوفارم» و«أسترازينيكا» من طرف حكومتي بلدي منشأهما، مضيفاً أن اللجنة المغربية تتدارس معطيات لقاح «أسترازينيكا» بهدف اتخاذ القرار الملائم بكل شفافية.
وحسب مصادر مطلعة فقد اختار المغرب انتظار حصول اللقاحين على الترخيص في البلد المنشأ، قبل الشروع في إجراءاته الداخلية للترخيص لهما، وأعلن أنه سيجري منح الموافقة النهائية في غضون أسبوع تقريباً.
وجرت الموافقة على لقاح «أسترازينيكا/أوكسفورد» الأربعاء في المملكة المتحدة، كما رخصت الصين من جانبها للقاح «سينوفارم» الذي تنتجه الشركة الفرعية في بكين.
ورغم أن المغرب اعتمد على لقاح ووهان، فقد أكد المصدر السابق أن الأمر يتعلق بنفس الشركة، فقط مواقع الإنتاج مختلفة، ونتيجة لذلك فإن المغرب يعتبر أن لقاح سينوفارم مصرح به في البلد المنشأ، ويبدأ بإجراءات ترخيص التسويق.
وأشار إلى أن المغرب على اتصال بالمزودين للحصول على جدول زمني لتسليم اللقاح، وسيتم تحديد الخطوات المقبلة بناء على هذه الجدولة، فبدء عملية التلقيح الوطنية رهين بتلقي اللقاح، كما أشار إلى ذلك وزير الصحة في وقت سابق في البرلمان.
وطلب المغرب من الشركتين المنتجتين للقاح ما مجموعه 65 مليون جرعة، 40 مليوناً من لقاح سينوفارم و25 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا.
وبعدما أعلنت وكالة الأدوية الصينية، أول أمس الخميس، أنها وافقت على لقاح «سينوفارم» قال جمال الدين البوزيدي، الأخصائي في الأمراض التنفسية والصدرية، إن الإعلان الذي قامت به الوكالة الصينية يهم اللقاح نفسه الذي أعلن المغرب عن اقتنائه، إذ جرى الاتفاق مع شركة «سينوفارم» الأم، ولا يهم الأمر إن كان الإعلان يتعلق ببكين أو ووهان. وأكد أن الأمر يتعلق بلقاح تفوق فعاليته 79 في المئة، وهو رقم كافٍ للتأكد من أمانه، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الفعالية الآمنة تفوق خمسين في المائة.
وأوضح الدكتور البوزيدي أن لقاح «سينوفارم» إذا أجري على خمسة أشخاص فقط، شخص واحد من بينهم لن ينتج مضادات الأجسام أو سيتأخر في التفاعل مع اللقاح أو ينتجها بنسبة قليلة، فالأمر يتعلق بمنتج فعال ولا يشكل خطراً، مشيراً إلى أن ما يزيد من أمان اللقاح هو أنه خلال إنتاجه، جرى استعمال تقنية تستعملها البشرية لأكثر من سبعين سنة.
وعلى الرغم من الوعود الحكومية ببدء عملية التلقيح قبل نهاية سنة 2020، فإن خالد آيت الطالب، وزير الصحة، صرح منذ يومين في لقاح إعلامي، بأنه لا يدري متى يدخل اللقاح إلى المغرب، وهو الجواب الذي أثار استغراب الرأي العام المحلي، وفق الصحيفة المذكورة.
وأثارت صحف الإلكترونية قضية «تمرير» صفقة توزيع لقاحات كورونا في المغرب إلى مكتب دراسات عن طريق سند الطلب، وكشفت أن رئيس فريق حزب «العدالة والتنمية» في مجلس النواب، مصطفى الإبراهيمي، وجّه سؤالاً كتابياً لوزير الصحة، تساءل فيه عن الطريقة التي اعتمدتها وزارته لتمرير هذه الصفقة لمكتب دراسات عن طريق سند الطلب، مضيفاً أن حجم عملية توزيع اللقاح وضيق الحيز الزمني لتنفيذها يتطلب معدات لوجستية ضخمة وموارد بشرية احترافية وخبرة كبيرة، وهو الأمر الذي تتوفر عليه شركات قليلة جداً في المغرب.

البحث عن الضمانات

وجاء في سؤال البرلماني أيضاً: «هل تتوفر الوزارة على جميع الضمانات لكي تمر هذه العملية الاستثنائية بسلاسة ودون تعريض حياة المواطنين للخطر نظراً لخصوصية اللقاح؟». واعتباراً لتعقيدات عملية التوزيع، قال الإبراهيمي: «لماذا لا يتم اللجوء، بشكل حصري، إلى خدمات شركة عمومية كبيرة نظراً لما تتوفر الشركات العمومية الكبيرة من خبرة ولوجستيك وموارد بشرية وشبكة ممتدة عبر جميع جهات المغرب؟».
وسبق لوزير الصحة أن أوضح في مجلس النواب أنه سيتم تخصيص 15 شاحنة سعتها 25 طناً، والاستعانة أيضاً بموزعي الأدوية من أجل توزيع اللقاح على جميع أقاليم المغرب، مشيراً إلى أنه سيجري التخطيط أيضاً للرحلات الداخلية من أجل نقل جرعات اللقاح إلى الأماكن البعيدة سواء في الشرق أو الجنوب، مشدداً على أن عملية التلقيح يجب أن تنطلق دفعة واحدة في كل ربوع البلاد، حتى تكون هناك عدالة في التزود باللقاح.
على صعيد مستجدات الحالة الوبائية في المغرب، أعلن عشية أول أمس الخميس، عن تسجيل 1861 إصابة مؤكدة جديدة بفيروس «كورونا» خلال 24 ساعة، ليرتفع العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس إلى 439193 حالة.
أما عدد الحالات المستبعدة، بعد الحصول على نتائج سلبية تهم التحاليل المختبرية، فقد بلغ 4018156 منذ بداية انتشار الفيروس على مستوى البلاد، في 2  مارس الماضي.
وأفادت المعطيات الرسمية بأن الفترة نفسها عرفت تسجيل 33 وفاة جديدة ليصل عدد الوفيات إلى 7388 حالة. وجرى التأكد من 2253 حالة شفاء إضافية ليبلغ إجمالي التعافي 407504.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: