الفشل الميداني والسياسي يدفع البوليساريو إلى تصعيد خطابها

ماموني

بعدما حقق المغرب نجاحات سياسية وميدانية ودبلوماسية في ملف الصحراء، تأبى جبهة البوليساريو الانفصالية إلّا أن تعاند الواقع، إثر تأكيدها بأنها لن تعود إلى طاولة التفاوض إلّا في حالة اعتراف الرباط بها كدولة ذات سيادة وكاملة العضوية في الاتحاد الأفريقي.

في تناقض واضح مع قرارات مجلس الأمن وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد ما يسمى بـ”الناطق الرسمي باسم الحكومة الصحراوية وزير الإعلام”، حمادة سلمى الداف، أن الجبهة “لا تعترض على الحلول السلمية، بل هي مقتنعة بأن الحل السلمي يبقى الغاية الأولى، غير أنها مصرة على مواصلة الكفاح المسلح”.

وأشار القيادي في الجبهة الانفصالية إلى استعداد الميليشيات المسلحة لـ”إعادة بعث اتفاق وقف إطلاق النار، لكن شريطة تسليم واعتراف المغرب بوجود دولة الصحراء”.

ويبدو أن ملامح التعاطي مع ملف الصحراء ستتغير مع توقيع دونالد ترامب (المنتهية ولايته) مرسوما رئاسيا يقضي باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، وقد كان ذلك بتاريخ 10 ديسمبر 2020، ولهذا استبعد محمد لمين الراكب، رئيس جمعية العائدين إلى المغرب للتنمية المندمجة والدفاع عن الوحدة الترابية، “أن يعترف المغرب بجبهة البوليساريو ككيان مستقل وعضو في منظمة الاتحاد الأفريقي”.

نوفل بوعمري: دور الجزائر في الصراع هو عدم نزع فتيل الحرب بين المغرب والبوليساريو

وأكد محمد لمين الراكب، أن “أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب من حلول لطي ملف الصحراء هو مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لافتا إلى أن دور الجزائر في الصراع بصفتها الحاضن والداعم والممول للجبهة من مصلحتها عدم نزع فتيل الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو لإضعاف المغرب جيوستراتجيا، لبسط نفوذها في منطقة الصحراء البوابة على أفريقيا وأوروبا”.

وتحاول جبهة البوليساريو لعب ورقة الضغط غير المتناسب واستباق تعيين مبعوث أممي جديد للصحراء، بتمرير شروط مستحيلة التحقق خصوصا بعد هزائم متكررة ميدانيا بالكركرات وفي غيرها من المحافل الدولية.

وتجاوزت قرارات مجلس الأمن خيار الاستفتاء واتفاق المنتظم الدولي على أن الحل السياسي يمر عبر مبادرة الحكم الذاتي التي تمّ وصفها بالموضوعية والواقعية، ويقول مراقبون أن أيّ حل آخر تريده البوليساريو ومن يدعمها هو “عبث سياسي وانتحار ميداني”.

وقالت مصادر دبلوماسية  إنه في انتظار تعيين مبعوث غوتيريش للصحراء، ستعرف العملية السياسية بين الأطراف المعنية بملف الصحراء اختلافا عمّا كانت عليه في السابق من ناحية الإجراءات وشروط التفاوض، ارتباطا بالتغييرات الموضوعية والشكلية المستجدّة والمرتبطة بالتطورات الحاصلة.

وسبق أن أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن موقف المغرب كان على الدوام يقوم على أنه “لا مسار سياسيا مع عصابات، لا مسار سياسيا مع قطاع الطرق، لا مسار سياسيا مع من هو فاقد للمصداقية، ومن يشتغل كجماعات مسلحة وكعصابة”.

وفي هذا الصدد تعمل البوليساريو على أن يكون حضورها ضروريا في أي مباحثات مقبلة، بعدما تيقنت أن المغرب يريد أن تكون الجزائر مخاطبا مباشرا له في أيّ عملية تفاوضية أو مسار سياسي.

وأكد الخبير في ملف الصحراء، نوفل بوعمري، أن البوليساريو أصبحت تتبنى مواقف متناقضة ولا تساير توجهات الأمم المتحدة ولا العملية السياسية التي تحدث عنها قرار 2548، وهو موقف يعكس رغبة البوليساريو في التراجع عن إعلان الحرب والعودة إلى المسار السياسي لكن بشكل يحفظ ماء وجهها داخل المخيمات.

وشدد بوعمري، أن المغرب لا يمكن تصوره يعترف بالبوليساريو، لأنها أولا غير معترف بها من غالبية الدول، كما أن الأمم المتحدة لا تعترف بها، والبوليساريو هي طرف ثانوي في النزاع باعتبارها تنظيم وليس كيانا يمثل دولة، لذلك هذا المطلب هو تعبير عن حالة هذيان سياسي تعيشه البوليساريو.

وكرست قرارات مجلس الأمن دور الجزائر كطرف رئيسي في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، حيث تمّ ذكر الجزائر خمس مرات في القرار  الأخير للمجلس، على غرار المغرب. كما حددت ملامح الحل السياسي، وينبغي أن يكون واقعيا وعمليا ومستداما وتوافقيا. وهو ما يمثل تجسيدا لمبادرة الحكم الذاتي، التي كرّست وجاهتها جميع قرارات مجلس الأمن منذ عام 2007.

محمد لمين الراكب: المغرب لا يمكنه تقديم أكثر من مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادته

وشدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش على أنه “من الضروري ألّا ينقطع سير هذه العملية السياسية” ولاسيما من خلال مسلسل الموائد المستديرة التي جمعت المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، حاثا مبعوثه الشخصي المقبل على “البناء على التقدم المحرز”.

وفي هذا السياق، أكد غوتيريش، في توصيات تقريره الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية، أنه يظل مقتنعا بأن “حل قضية الصحراء أمر ممكن رغم توقف العملية السياسية منذ استقالة المبعوث الشخصي هورست كوهلر”.

وبعدما وقع في معبر الكركرات من استفزازات خطيرة من طرف البوليساريو وتهديدها لانسيابية الحركة بين المغرب وموريتانيا ودول أفريقيا عبر المعبر، اقتنعت الدبلوماسية المغربية بأنها أعمال بلطجة وعصابات يصعب الجلوس معها إلى طاولة المفاوضات دون شروط صارمة.

فإلى جانب الانتصارات الدبلوماسية، نفذت القوات المسلحة الملكية في 13 من نوفمبر الماضي، عملية ناجحة في معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، لتحريره من عناصر الجبهة الانفصالية، الذين تسببوا في تعطيل الحركة فيه لأكثر من ثلاثة أسابيع، ذلك التحرك المغربي الذي عرف إشادة دولية واسعة وإدانة للبوليساريو.

وقال متابعون للشأن الصحراوي، إن الظروف التي ساهمت في عضوية البوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي لم تعد مواتية، وشرطها الآن باعتراف المغرب بها لا يستند إلى أيّ أساس سياسي أو اجتماعي أو دبلوماسي.

ولا يزال المغرب متشبثا بالحل السياسي في قضية الصحراء؛ فبمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المغرب   “سيواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي”.

ومن المتوقع ألّا يعطى لشرط البوليساريو أيّ اهتمام على المستوى الأممي، خصوصا مع قرب إجراءات الإعلان عن مبعوث أممي جديد، سيكون عليه التعاطي مع الملف من منطلق معايير البحث عن الحل السياسي الذي ينبغي أن يكون “واقعيا وعمليا ومستداما وقائما على التوافق”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: