“إسلام فرنسا” أمام عدة اختبارات في العام 2021

Belbazi

بدأت فرنسا خلال العام 2020 حملة ضد جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الموالية لها، ومن المتوقع أن تستمر هذه الحملة خلال العام الجديد بهدف حماية مبادئ الدولة العلمانية التي تحاول باريس الحفاظ عليها وعدم المساس بها.

وتُحاول باريس التأسيس لإسلام فرنسي من خلال منع سيطرة جماعات متطرفة على الخطاب الديني حيث شملت الإجراءات التي أقرتها السلطات الفرنسية في هذا السياق الإشراف على المؤسسات التعليمية الدينية، وإغلاق المؤسسات والجمعيات المتطرفة، وطرد الأئمة الأجانب الذين يحرّضون على العنف والمواطنين مزدوجي الجنسية المتورطين في أنشطة إرهابية والمهاجرين غير الشرعيين، وتشديد المراقبة على الشبكات الاجتماعية، وزيادة الميزانيات والقوى العاملة لعمليات الاستخبارات والمراقبة.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكّد في مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في مطلع نوفمبر أنّ “فرنسا تخوض حربا ضدّ الانفصاليّة الإسلاميّة وليس ضدّ الإسلام”.

وقال في وقت سابق إنّ “في الجمهورية لا يمكننا ببساطة تقبل عدم مصافحة مرأة لأنها امرأة. في الجمهورية، لا يمكننا ببساطة تقبل رفض أن يعامل أو يتعلم شخص على يد شخص آخر لمجرد أنها امرأة. في الجمهورية، لا يمكن تقبل ترك المدرسة لأسباب دينية أو عقائدية. في الجمهورية، لا يمكن طلب شهادات عذرية للزواج”.

وبالرغم من الطابع الأمني الذي اتخذته مواجهة فرنسا مع جماعات الإسلام السياسي، إلا أن باريس لا تزال تعول على سياسة إدماج المسلمين في المجتمع.

وأثارت حملة الرئيس الفرنسي على الانعزالية الإسلامية غضبا لدى أوساط كثيرة، واسترجع بعض منها تاريخ فرنسا الاستعماري وكفاح دول شمال وغرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة من أجل الاستقلال، ناهيك عن تشجيع الهجرة من تلك الدول لتوفير الأيدي العاملة.

وأدى تراجع تلك الصناعات إلى أن يصبح العديد من أسر الطبقة العاملة من أصول مهاجرة عالقين في ضواحي قاتمة ذات مرافق متواضعة وآفاق سيئة.

ويكافح الشباب المسلمون التمييز في سوق العمل وزادت ممارسات الشرطة القاسية والتمييزية من امتعاضهم في كثير من الأحيان.

ورغم أن ماكرون كان قد انتقد بشدة، قبل انتخابه عام 2017 ، أولئك الذين قال إنهم يسيئون استخدام المبادئ العلمانية في البلاد في “محاربة الإسلام”.

لكنه في خطاب بارز ألقاه في أكتوبر في إحدى ضواحي باريس، أعلن أنه يتعين على فرنسا محاربة “الانفصالية الإسلامية” مع تجنب “فخ وصم جميع المسلمين”.

وتعمل باريس على إقرار تدابير لمنع إلحاق الأطفال بالمدارس الدينية غير المعلنة ومنع الكيانات الدينية من الحصول على تمويل من مصادر خارجية مشبوهة أو وقوعها في أيدي متطرفين، فيما قررت إنشاء برنامج تدريب للأئمة وإقرار قيامهم بمهمتهم، كما بدأت حملة منذ ديسمبر لإغلاق 74 مسجدا في سياق محاولاتها لتجفيف منابع التطرف التي تدعمها تنظيمات الإسلام السياسي.

وتركز خطة ماكرون على ما يراه محاولات من قبل الإسلاميين لبناء مجتمع “انفصالي” مواز يعتمد القيم الأصولية في المناطق الحضرية المضطربة التي يأتي منها العديد من السكان من أصول مهاجرة.

ولا تتوقف فرنسا، التي حثت الأوروبيين على مكافحة ’’التطرف الإسلامي‘‘ مرارا، عن طرح مقاربات أخرى لتطويق المتطرفين على غرار الحلول الأمنية.

ويقول حكيم القروي، الذي يبدو أن أبحاثه في معهد مونتين، وهو مركز أبحاث مستقل، ألهمت بعض مقترحات ماكرون ، إن هناك مشكلة حقيقية مع حوالي ربع المسلمين الفرنسيين والكثير منهم من الشباب “الذين يجعلون الإسلام هويتهم، في ظل عنصر سلطوي قوي للغاية”.

ودافع القروي، المولود في فرنسا وهو ابن عالم أنثروبولوجيا الشريعة الإسلامية وابن شقيق رئيس وزراء تونسي سابق، منذ فترة طويلة عن مفاهيم الإسلام الفرنسي التي تنعكس في تفكير ماكرون.

ويضيف أن “النزعة الانفصالية العنيفة تضم  ما بين 50 ألفا إلى 100 ألف شخص، أما فكرة المسلمين أولا /وفرنسا لا تحبنا ويجب أن نؤكد على اختلافنا/ فإن عدد من يتبنوها يناهز المليون”.

لا تراجع عن محاربة الانفصالية الإسلامية

ويقول القروي إنه ليس الإسلام وحده الذي يشهد هذا التحول في التأكيد بقوة على الهويات الدينية، فيمكن رؤية الشيء نفسه بين الجالية اليهودية. كما تنتشر الجماعات المسيحية الإنجيلية بسرعة في المناطق الحضرية المضطربة.

لكن تاريخ “الإرهاب الإسلامي” في البلاد، الذي أودى بحياة أكثر من 230 شخصا في سلسلة من الهجمات في 2016-2015 ، يعني أن ظهور ذلك التحول بين المسلمين أكثر حساسية بكثير.

ويشير الباحث مروان محمد من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أيضا إلى “أنماط للفصل” بين الأديان الأخرى – ولدى الشرائح الأكثر ثراء من السكان “الذين لا يريدون الاختلاط كثيرا ببقية المجتمع”. لكنه أكثر تشككا في فكرة أن هذه الظاهرة تصل في معظم الحالات إلى أي نوع من “العداء لبقية المجتمع” بين المسلمين الفرنسيين، ويقول إن المتعاطفين مع الجهاديين هم “أقلية صغيرة للغاية” ومعزولين عموما عن الجالية المسلمة بشكلها الأوسع.

وقال “نعلم أن المقدسات بالنسبة لأي مؤمن قوي مهمة للغاية بالطبع … ولا يعني هذا أنك ترفض قوانين الجمهورية أو ترفض المكونات الأخرى للمجتمع”.

وكان ماكرون أعلن في فبراير الماضي أنه ينوي “وضع أسس لتنظيم ثاني ديانة في فرنسا” حيث يقدر عدد المسلمين فيها بـ6 ملايين وعدد دور العبادة بـ2500. وفي نهاية يونيو أعلنت الحكومة إطلاق اجتماعات في المناطق ترمي إلى وضع إطار للنشاطات ذات الطابع الإسلامي وسبل تمويلها.

ويجادل كثيرون في فرنسا بأن نهج البلاد تجاه العلمانية يساء فهمه في الخارج، لكن القروي ومحمد لا يشيران كثيرا إلى شكل فرنسا العلماني، بقدر ما يشيران إلى نموذجها في الاندماج.

ويقول القروي إن هذا النموذج يتسم بـ “الانفتاح الكبير” مع مستوى مرتفع من الزيجات المختلطة.

ويضيف أنه أيضا “نموذج أكثر إلحاحا” منه في البلدان الناطقة بالإنجليزية أو ألمانيا، مشيرا إلى أن المجتمع الفرنسي يخبر المهاجرين بأنه “إذا كنت تريد أن تصبح فرنسيا مثل أي شخص آخر فعليك أن تتشبه بالفرنسيين”.

ويقول القروي إن اقتراح ماكرون للتعامل مع الإسلام السياسي محسوب ولا ينبغي أن يسبب الاستياء في حد ذاته، مضيفا أن “الخطر الأكبر هو الخطاب الذي يتماشى معهم”، مشيرا ليس إلى ماكرون، بل إلى العلمانيين المتشددين.

ويذهب محمد إلى أبعد من ذلك ، قائلا إن المسلمين الفرنسيين، بالإضافة إلى معاناتهم من التمييز الحقيقي، لا يشعرون بالراحة بسبب انتشار “خطابات الرفض” – لدرجة أن البعض منهم يشعر أنهم سيكونون أفضل حالا في أماكن أخرى، سواء في بريطانيا أو أميركا الشمالية أو الدول العربية.

ويضيف أن أجزاء من المجتمع الفرنسي لديها “مشكلة تاريخية مع الإسلام” وأن البلاد لديها ثقافة “استيعابية” تنص على أنه من أجل أن تصبح مواطنا كاملا “عليك التخلص من هويتك وممارساتك الدينية أو من أي انتماء واضح للغاية، وأي ارتباط واضح للغاية بدين أو ثقافة “.

ويرى القروي أنه بينما من المهم للإسلام الفرنسي “أن يكون لديه منظمة تعمل بشكل أفضل وأكثر شفافية، ويساعد هذا على الاندماج”، فإن إعادة هيكلة الهيئات الدينية لن تضع نهاية للجهاديين. ويقول إنه يجب مواجهتهم بالعمل على المستوى العملي بشأن التأثيرات الأيديولوجية والدينية.

وكانت فرنسا سارعت في أعقاب جريمة قتل مدرس التاريخ صامويل باتي ذبحا، وتكرر الهجمات الإرهابية إلى حلّ منظمات إسلامية ترى باريس أنها تشكل تهديدا كبيرا لأمنها وكذلك الأمن الأوروبي، ومن بينها “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا”.

وهاجمت المنظمة التي تمّ حلّها لاتهامها بأنها “بؤرة إسلاموية تعمل ضد الجمهورية الفرنسية”، خطاب ماكرون لأنه كان “مصدر إلهام واضح للتطرف”، على حد قولها، و“يدعو إلى التشكيك في مبادئ فرنسا الديمقراطية والحريات الأساسية”.

واستبقت المنظمة قرار حلها وسارعت إلى تصفية كافة نشاطاتها في البلد الأوروبي ونقلها إلى الخارج، الأمر الذي عدّه مراقبون محاولة من جانب التنظيم للانحناء أمام عاصفة دول القارة لمواجهة الإرهاب والتطرف.

ويعتبر “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” إحدى المنظمات المقربة من تجمع مسلمي فرنسا، الفرع الفرنسي لتنظيم الإخوان الذي كان يعرف لسنوات باسم “اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا”.

وقالت المنظمة إن مجلس إدارتها قرر تصفية نشاطها في فرنسا ونقله إلى دولة أخرى، من دون الكشف عن المكان الجديد الذي ستعمل منه، موضحة أنها نقلت “جزءا كبيرا من أنشطتها إلى جمعيات شريكة ستتولى مكافحة الإسلاموفوبيا”.

وجاء ذلك بعد أيام من مصادقة القضاء الإداري على قرار الحكومة الفرنسية بحل منظمة “بركة سيتي” السلفية، بتهم تتعلق بالتطرف ونشر خطاب يدعو إلى الكراهية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: