نهاية خرافة “استئناف الحرب” جعلت قيادة الجبهة في بطالة مفتوحة ومسلوبة الإرادة
يبدو أن جنرالات الجزائر لا يخرجون من مطب، إلا ووقعوا في آخر. فبعد فشل محاولة اغتيال تبون، من قبل جناح التجديد، بقيادة اللواء عمر تلمساني، وفضيحة نتائج استفتاء الدستور المدوية، رغم عملية حشو صناديق الاقتراع، بعد إغلاق مكاتب التصويت، تحولت عملية دفع عناصر «بوليساريو» باتجاه الكركرات إلى فشل ذريع، بعد العملية الأمنية المغربية، التي غيرت معالم اللعبة، وقضت على أحلام عسكريي الجزائر، الذين حاولوا التغطية على فشلهم، باللجوء إلى حرب «فيسبوكية»، تروج لقصف افتراضي، منذ أكثر من شهرين، قبل أن يمنوا بهزيمة، أشد قسوة، إذ كانت النتيجة عكسية، ولم ينجم عن هرطقاتهم، سوى تحرير عقول صحراويي المخيمات من وهم التعبئة الشاملة، والجاهزية التامة لخوض الحرب المصيرية، وليتأكد سكان المخيم أنهم مجرد دمى في مشهد درامي مأساوي تديره الجزائر صاحبة الكلمة الفصل.
وبما أن عسكر المرادية راهن على خرافة «استئناف الحرب بالصحراء» لتصدير أزمة الجزائر الداخلية، وتحويل أنظار رأيها العام خارج الحدود، نزل بكل ثقله بالرابوني، حيث استقرت به إطارات أمنية جزائرية تعمل ليل نهار على تسيير المخيم، بدءا من توزيع قارورات الغاز، وانتهاء بحراسة الأحزمة الرملية المضروبة على كل مخيم، تفاديا لأي ردة فعل من قبل السكان، بعد انكشاف مزحة استئناف الحرب، رغم التدليس الإعلامي المكشوف، الذي لم ينجح في الحقيقة إلا في تعرية ضعف منظومة الجنرالات على جميع المستويات، وفقدانها أي مصداقية لدى سكان المخيمات، التي عاد فيها كل شي إلى ما كان عليه قبل هزيمة الكركرات، فسيارات النقل استأنفت نشاطها، وحركة التجارة والتهريب هي الأخرى وجدت طريقها إلى العودة من جديد لسابق عهدها، بعدما منعت المظاهرات التعبوية واندثرت نداءات الالتحاق بالجيش الصحراوي.
ولعل ظهور تبون الأخير له تأثير مباشر على هذا الملف الذي أراد الحرس القديم، بزعامة شنقريحة، أن يستثمر فيه، إذ ارتفعت أصوات الخصوم للمطالبة بإقالة تبون لعدم أهليته، وهو ما لم يكن جناح الورثة الشرعيين لقايد صالح يفكر فيه، على الأقل في هذه اللحظات العصيبة، التي تمر بها الجزائر، بل كانت خطة هؤلاء هي النفخ في حرب «بوليساريو»، ولو إعلاميا، من خلال مرافقة لصيقة للجبهة، وتمرير صفقة تعيين شنقريحة نائبا لوزير الدفاع، حتى تتسنى له تصفية خصومه المنتمين لجماعة التوفيق وطرطاق، اللذين أقبراه لمدة عشرين سنة بقطاع تندوف، إلى أن انتشله قايد صالح، غير أن تنحية عجرود وتلمساني من طريقه لن تكون بالأمر الهين، لأنهما مدعومان من شريحة واسعة من الضباط الجدد الذين قذفت بهم الأحداث الأخيرة والتصفيات الواسعة التي قام بها قايد صالح وخليفته إلى الواجهة من أمثال محمد قايدي والمقال كمال الدين رميلي، وغيرهما ممن يرفضون تسلط ورثة قايد صالح، خصوصا بعد ظهور معالم عودة الحرس القديم، المتجلية في قبول محكمة النقض لطعن الجنرال التوفيق، ورجوع الجنرال خالد نزار، الذي وجد في انتظاره بمطار هواري بومدين سيارة تابعة لقصر المرادية، وهو المبحوث عنه من قبل القضاء الجزائري.
التطاحن الحاصل في شمال الجزائر ألقى بظلاله على جنوبها، وتحديدا تندوف وضواحيها، فوجدت قيادة «بوليساريو» نفسها في بطالة مفتوحة، ومسلوبة الإرادة بشكل مكشوف وجلي، حتى من استصدار رخص الخروج من المخيم، التي أصبحت في يد الرائد فاروق مكي وغيره من ضباط المخابرات الجزائرية.
والمفارقة أن سيارة زعيم الجبهة وقيادات الأمن لا تغادر الرابوني إلا بإذن مسبق من فاروق ورفاقه، وسيارات غوث اللاجئين هي الأخرى تحولت حمايتها من «الوكالة الصحراوية للتأمين»، المملوكة لـ «كريكاو»، إلى مدير مكتب تأمين والي ولاية تندوف، محيوت يوسف، الذي يباشر بنفسه، هذه الأيام، توزيع النصيب الشهري للمساعدات الإنسانية بدل يحيى بوحبيني، الذي دخل عالم التغريد على «تويتر»، أخيرا، بسبب البطالة التي بات يعانيها، وباقي قيادات الجبهة، التي لم تعد تقوم بأي عمل وظيفي يذكر، عدا تبادل روابط الأخبار والفيديوهات الوردية على تطبيق «واتساب».
مع الوقت، يظهر بكل وضوح أن جبهة «بوليساريو»، وكل أطرها، هم بيادق جزائرية، تمويلا وتنفيذا، ولم يعد بإمكانهم إنكار ذلك، فالشهادات والأحداث الأخيرة لا يمكن القفز عليها، وهي التي أظهرت للعيان حقيقة كانت تحاول دائما إخفاءها على الأقل بالمخيمات، وهي أن «بوليساريو» ليست سوى تنظيم جزائري يتم توظيفه وإدارته كباقي الأحزاب العتيدة التي يديرها «الكبرانات» من مكاتبهم بزرلدة وسيدي موسى.