استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب يُربِك البيت الداخلي لحزب «العدالة والتنمية»

أيت لكتاوي

لم تهدأ بعد الزوبعة التي أثارها قرار حزب «العدالة والتنمية» المغربي تأجيل عقد مجلس وطني استثنائي كان مخصصاً لمناقشة أداء الحزب بخصوص «التطورات السياسية المرتبطة بالقضية الوطنية الأولى وهي الصحراء المغربية ومستجدات القضية الفلسطينية».

الاجتماع تأزيم للوضع

وتعليقاً على هذا القرار، قال البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، عزيز الكرماط، إن الخطوة كانت صائبة، على اعتبار أن مخرجات الاجتماع لم تكن لتُسهِم في الحل، بقدر ما كانت ستُعمِّق من مأزق الحزب.
«اليوم، وبعد تدبير «البيجيدي» للشأن العام وترؤسه الحكومة لولايتين متتاليتين، أصبح واضحاً لديه الهوة الشاسعة التي قد تكون بين الشعارات والممارسة» يوضح كرماط : لعل ما كان يطالب به الحزب «بحسن نية»وهو بعيد عن المسؤوليات التدبيرية، وبعد أن ساد الاعتقاد أن الحصول على أكبر فريق نيابي وترؤس الحكومة يمثل الوصفة الأمثل لتحقيق تلك الشعارات، وجد الحزب فيما بعد، أن الأمر أعمق وأعقد من ذلك بكثير.
وأضاف البرلماني السابق أن حزب العدالة والتنمية وبعدما أصبح على رأس الحكومة، كون نظرة عامة ودقيقة حول كيفية إنتاج قرارات الدولة، وعلم بشكل واضح أن هناك من القرارات ما لا يمكنه التدخل فيها، على اعتبار أنها قرارات عابرة للحكومات لأنها تمثل سيادة الدولة واستمراريتها، ونوع آخر من القرارت يلزمه التدافع بشأنها للوصول بها إلى القرار الأكثر صواباً، وهي قرارت من التدبير العادي الذي يجب أن يتحمل فيه «الحزب أو الأحزاب» المدبرة للشأن العام كامل المسؤولية. «الآن بعد وضوح الرؤية، أعتقد أنه إذا كان للمجلس الوطني للحزب أن ينعقد، فيجب أن يكون لنقطة فريدة تهم في تقديري «الأصل» وهي كالتالي: «هل الحزب مُستعد للمشاركة في مؤسسات الدولة في ظل هذا البناء المؤسساتي، وبالطبع تحمل المسؤولية السياسية الكاملة لكل قرارات الدولة، حلوها ومرها، أو عليه التصريح بأنه غير قادر على تحمل الكلفة السياسية لبعض القرارات وهنا لا بد أن يتخذ لنفسه موقعاً آخر خارج التدبير الحكومي» يختم الكرماط كلامه.

توجس من التراجع الانتخابي

في نظر رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، فإن العدالة والتنمية في حاجة لإعادة فكر نسقي في مواجهة الأسلوب السياسي، يتناسب مع الوقت وتهدئة النفوس تمهيداً لحصول تفاهمات بين شيوخ الجماعة (التوحيد والإصلاح) موضحاً: «أظهر الحزب براعة خلال سنوات التدبير في تبرير سياسته عبر نظرية المؤامرة التي تمكنهم من التملص من المسؤولية السياسية، وضرب معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة».
ولفت المتحدث أن هناك توجساً وخوفاً من التراجع الانتخابي، الذي كانوا يواجهونه من خلال تهجّمهم على «جهات» تحاول النّيل من استقراره الدّاخلي في أفق إضعافهِ انتخابياً. وأضاف أن «البيجيديين» لم يستطيعوا تبرير توقيع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والأمين العام للعدالة والتنمية على اتفاقية استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب، وهو ما يرى فيه شيوخ الجماعة ضرباً لأحد أسس بناء مجدهم الانتخابي وهي القضية الفلسطينية والقدس بحمولته الدينية، حيث وجدوا أنفسهم في معادلة تبدو صعبة وهي منطق الدولة ومنطق الدعوة، ما جعلهم في مأزق بين منطق مصالح الوطن ومصالح الحزب.
«لطالما سوَّقوا بكونهم يطلبون السلطة، ليس من أجل السلطة لذاتها بل بغية إعادة صياغتها بما يتوافق مع أيديولوجية الحزب التي يُفترض أنها تقود إلى إقامة دولة إسلامية، ولهذا ضمنت العدالة والتنمية تصويتاً انتخابياً ليس على أساس تدبيري بل على أساس ديني» وفق تعبير الأستاذ الجامعي، متابعاً: «الأمر الذي جعل العدالة والتنمية تعيش حالة من الإرباك ويبدو عليه الخوف من أن يخسر جانباً كبيراً من قواعده التي بدأت بالتآكل بسبب أدائه على امتداد السنوات الماضية».
وجاء قرار التأجيل بعد ثلاثة أيام فقط من صدور بيان للمجلس يعلن عقد دورة استثنائية له، وبعد إعلان عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب، عن تأييده لموقف رئيس الحكومة والأمين العام للحزب العثماني، وانتقاده للتصريحات التي تطالبه بالاستقالة وتدعو إلى محاسبته.
خرجة بن كيران ودعوته لعقد مجلس وطني استثنائي، اعتبرها رشيد لزرق تدخلاً في إطار المناورات والعمل على التنفيس عن القواعد، في ظل وضع سياسي دقيق ومصالح وطنية عليا لا تسمح بالمزايدة، لكون الوضع الدقيق يقتضي من الجميع تغليب مصلحة الوطن العليا.
«المعطيات كلها باتت تشكل هواجس تلازم حزب «العدالة التنمية» وتسبب حالة من التوتر والارتباك غير المسبوقة، خاصة بعد تراجع شعبيته وفي ظل واقع دولي قوامُه الحاجة إلى التغيير» وفق تعبير المتحدث، لافتا إلى أن سعد الدين العثماني يحاول أن يتعامل بروح براغماتية ما بين معادلة البقاء في السلطة والمحافظة على الكتلة الانتخابية.
وفي ظل ما يعرفه الحزب من جدل كبير حيال خطوة البلاد نحو استئناف العلاقات مع إسرائيل، سواء تعلق الأمر بالقياديين أو عبر البيانات والمواقف الصادرة عن «حركة التوحيد والإصلاح». وهو ما يطرح تساؤلاً عن التزام الحزب ومؤسساته بالوضوح حيال ملفات عديدة بينها الملف الإسرائيلي.
ويرى لزرق، أن الحزب يبرر كل شيء ويدعي المظلومية، فضلاً عن صراع داخلي بين جناح العثماني الذي يتسم بالبراغماتية، وجناح عبد الإله ابن كيران، الأمين العام ورئيس الحكومة السابق، الذي يعتمد على المزايدة السياسية، حسب تعبيره.
وتابع المحلل السياسي كلامه بالقول: «يأتي هذا في إطار تكتيك تبادل أدوار محكم ومتفق عليه بشكل مسبق، فالعدالة والتنمية يعمل على تنفيس أحاسيس التناقض، والخوف من فقدان كتلتهم الانتخابية في وقت يضعون نصب أعينهم الاستحقاقات الانتخابية، وإعادة العلاقات مع إسرائيل لطالما شكلت شعاراً أيديولجياً تقتات به كل التنظيمات».
وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن يتفاقم التطاحن مع قرب الإعلان عن الاستحقاقات القادمة، حين تتوضح التقاطبات داخل العدالة والتنمية، غير أن تجاوز هذه الخلافات يوكَل أمره لشيوخ جماعة «التوحيد والإصلاح» للتخفيف من حدتها.
وأبرز لزرق أن توجه العثماني إلى تبرير ازدواجية المواقف من باب جلب المصالح ودرء المفاسد أو قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، محتاج لشرعنتها من قبل شيوخ الجماعة من باب مقاصد الشريعة الإسلامية وهو منع الفعل الضار في جميع صوره قبل وقوعه احترازاً، ومعالجة أثره بعد وقوعه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: