تراجع المداخيل يدفع الجزائر إلى الاستدانة الخارجية

Belbazi

تفرض الأزمة الاقتصادية الحادة على الجزائر مراجعة قناعاتها ودخول المحظور حيث بات فتح باب الاقتراض الخارجي حسب خبراء أمرا حتميا في ظل تحديات انهيار أسعار النفط وتبعات كورونا وتلاشي كافة هوامش التحرك بما فيها طباعة النقود.

قوّض تهاوي أسعار النفط وتبعات كورونا قدرة الجزائر على التحكم في انفلات التوازنات المالية حيث تقلصت الإيرادات وتآكل احتياطي النقد الأجنبي ما يجبر البلد على الاقتراض الخارجي.

وأدى تراجع عائدات النفط والغاز إلى تقلّص احتياطات النقد الأجنبي للجزائر، ما قد يعرّض اقتصادها الذي يعاني أصلا للخطر وقد يجبرها على اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.

وبحسب الخبير الاقتصادي منصور قديدير، الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد في وهران، فإن الجزائريين “يشعرون بمرارة” بتباطؤ النشاط الاقتصادي والتجاري من خلال فقدان الوظائف وإغلاق المحال التجارية وتراجع دخل الأسر.

ويعاني أول اقتصاد في المغرب العربي من قلة التنوع واعتماده على ريع النفط بأكثر من 90 في المئة من عائداته الخارجية، ما يجعله معرضا بشكل كبير للتقلبات في أسعار الأسواق العالمية التي تشهد انخفاضا منذ عام 2014.

وبسبب الأزمة الصحية، من المتوقع أن تشهد الجزائر ركودا بنسبة 5.2 في المئة في عام 2020، فضلاً عن عجز في الموازنة من بين أعلى المعدلات في المنطقة، حسب صندوق النقد الدولي.

وفي قانون المالية لعام 2021، قدّرت الحكومة الجزائرية العجز عند 2700 مليار دينار (17.6 مليار يورو)، مقابل 2380 مليار دينار في 2020، أو ما يقرب من 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار قديدير إلى أنه “من خلال رسم صورة قاتمة لمالية الدولة، لم يتمكن وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن من تقديم آفاق للخروج من الأزمة، وهذا أمر مقلق”.

وبالنسبة له فإن “الوضع لا يتطلب خطة إنعاش، لكن خطة إنقاذ للاقتصاد”.

منصور قديدير: الإجراءات الحكومية تؤخر بروز الأزمة ولا تعالجها هيكليا

وقال “لا يمكن لأي مبادرة النجاح دون خلق مناخ من الثقة ورفع كل المعوقات”.

وينص قانون المالية لعام 2021 الذي لم يوقعه الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يتعافي في ألمانيا من إصابته بفايروس كورونا المستجد على انخفاض احتياطات النقد الأجنبي إلى أقل من 47 مليار دولار في عام 2021، قبل الارتفاع التدريجي على مدار العامين التاليين.

وبين 2014 و2019، تقلّصت هذه الاحتياطيات بنحو 65 في المئة حسب البنك المركزي. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 75 في المئة في عام 2021.

وقال منصور قديدير “كالعادة سوف نكرر نفس الممارسات. تخفيضات في الموازنة وقيود على الاستيراد وتجميد المشاريع الكبرى”.

وأضاف أنّ هذه الإجراءات “يمكن في أحسن الأحوال أن تؤخر بروز الأزمة، ولكن لبعض الوقت فقط. ولن يكون لها تأثير دون إصلاح هيكلي للاقتصاد”.

واستبعد الرئيس تبون بشكل قاطع اللجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي باسم “السيادة الوطنية”، مذكرا بالتجربة السيئة للبلد الذي كان مديونا للصندوق في عام 1994.

ولكن الجزائر استنفدت الآن كل الاحتمالات المتاحة لتمويل العجز، بما في ذلك طباعة النقود.

وحذّر الخبير الاقتصادي محفوظ الكوابي في مقابلة مع صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، بأن اللجوء إلى التمويل الخارجي سيكون “حتميا خلال 18 شهرا”.

وقام وفد من صندوق النقد الدولي بمهمة “افتراضية” في نوفمبر “لتحيين إطار الاقتصاد الكلي ومناقشة الآفاق والأولويات بالنسبة للجزائر”، حسب وزارة المالية الجزائرية.

وبحث الطرفان “الوسائل التي يتوجب اعتمادها من أجل احتواء العجز في الميزانية وتحفيز النمو وترقية تنويع الاقتصاد الوطني”.

ومن أجل خفض الإنفاق العام في الموازنة، اضطرت شركة النفط العملاقة “سوناطراك” إلى “تقليص نفقاتها واستثماراتها من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار من أجل الحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي”، كما أوضح الخبير الاقتصادي رابح رغيس.

وقال إنه “نتيجة لذلك، تم تأجيل العديد من المشاريع وتأثر نشاط الحفر”، الأمر الذي قد يجبر سوناطراك على تحمل الديون لإنهاء العام وامتصاص العجز.

وأكد مصدر في وزارة الطاقة أن “تجميد” المشاريع وخفض مصاريف التشغيل والصيانة للمنشآت وخفض اليد العاملة بسبب الوباء، له تأثير سلبي على الإنتاج.

ورأى قديدير أن “أغرب شيء في السياسة الحالية هو أننا ما زلنا نعتمد على ارتفاع أسعار النفط لتمويل الموازنة في حين أن مستوى إنتاج المحروقات آخذ في الانخفاض”.

وفي مناسبات عديدة أكد مسؤولون جزائريون أن بلادهم لن تلجأ إلى فتح نافذة الاقتراض رغم الصعوبات الاقتصادية.

ويرى خبراء أن السياسيين يحاولون تبديد مخاوف الأوساط السياسية والاقتصادية الجزائرية، التي ترفض اللجوء إلى التداين خلال الوقت الحالي في ظل حراك سياسي مستمر يراقب خيارات الدولة.

وتشير التقديرات إلى أن الدين الخارجي للبلد النفطي العضو في أوبك يبلغ نحو 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 62 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهو مرشح للتقلص إلى نحو 40 مليار دولار بنهاية 2020، مقابل نحو 197 مليار دولار مع بداية الأزمة النفطية منتصف 2014.

واعترف وزير المالية أيمن عبدالرحمن خلال عرضه لمشروع قانون الموازنة الجديد بأنه “جاء في ظروف استثنائية تخللتها الأزمة النفطية وجائحة كورونا اللتان ألحقتا أضرارا بالغة بمداخيل الخزينة العمومية، وأدتا إلى انكماش غير مسبوق للوتيرة الاقتصادية”.

وقال حينها “لا ملاذ أمام الحكومة التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من التغيير، إلا باللجوء مجددا إلى رصيد النقد الأجنبي ليشهد المزيد من التآكل في المستقبل القريب، الأمر الذي سيرهن سيادة البلاد ومستقبلها”.

ومازالت الجزائر تراهن على الثروات الباطنية لمواجهة حاجياتها الاقتصادية، على غرار النفط والغاز والمناجم، التي خصتها بأهمية قصوى في برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي أطلقه عبدالمجيد تبون، خلال الصائفة الماضية للنهوض بالاقتصاد المتهالك.

وتتجه الحكومة إلى تحقيق برنامج تنموي يتضمن 37 بندا، تشمل عدة قطاعات كالطاقة والمالية والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، عبر تكثيف وتيرة الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في المناطق الشمالية والبحر، في خطوة تستهدف تغطية الاستهلاك الداخلي المتصاعد، وتعويض الآبار الصحراوية التي بلغت مرحلة الشيخوخة، مما أدى إلى تراجع إنتاج البلاد إلى حدود المليون برميل يوميا بعدما وصلت ذروتها في بداية العشرية الأخيرة (1.5 مليون برميل)، كما قررت الحكومة وقف استيراد النوع الممتاز من البنزين بداية من مطلع العام 2021.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: