ما أشبه الأمس باليوم… حركة عدمية الأهداف تمتلك الفراغ وتسوق الأوهام
مع مرور الأيام، تثبت جبهة “بوليساريو” أنها تسير بخطى متسارعة إلى الخلف، إذ يؤكد واقع حالها أنها تهوي بسرعة إلى مربع سحيق، شبيه بعشية تأسيسها على الأراضي الموريتانية، مطلع سبعينات القرن الماضي، تحت الرعاية الليبية الجزائرية.
وحتى إن اختلف التاريخ والظروف، فالوضع متشابه، بل ومتطابق، بأركانه الداخلية والخارجية، فعندما نستحضر معالم “بوليساريو”، الوليدة حديثا، بما للكلمة من حمولة جيوسياسية، سنجد أنها أنشئت خارج حدود إقليم الصحراء، لدوافع إقليمية لتتقاذفها، بعد ذلك، أمواج أهواء جنرالات الجزائر ومناوراتهم مع الدول الدائرة آنذاك في فلك المعسكر الشرقي، التي أدت إلى اختطاف شرعية تمثيل سكان الصحراء لدى المجتمع الدولي، الذي استثمرت فيه “بوليساريو” ردحا من الزمن، دون أي سند قانوني صريح، قبل أن تأخذ أطروحتها في الأفول تدريجيا مع سقوط جدار برلين وغياب الدعم من قبل أي قوة دولية مؤثرة.
جاءت بعد ذلك الضربة القاصمة، من خلال الطفرة الديمقراطية التي عرفها المغرب، التي أضفت مصداقية دولية على الانتخابات المنظمة بإقليم الصحراء، ومكنت المنتخبين من فرض أنفسهم طرفا أساسيا في البحث عن أي حل للنزاع، من خلال مشاركتهم الفعالة في المفاوضات، بصفتهم ممثلين للسكان من خلال اقتراع ديمقراطي لا مجال لمقارنته بمسرحيات مؤتمرات “بوليساريو”، المقتبسة من تجربة نظام القذافي البائد.
إذا ما وضعنا قضية الصحراء على مشرحة القرارات الدولية الأخيرة، بصفة محايدة، ودون قراءة سطحية، سنتوصل إلى أن من حشر “بوليساريو” في الزاوية، وكبدها الهزائم المتتابعة هو ضعف حججها القانونية وملل المنتظم الدولي من الأكاذيب والتدليسات التي تقدمها الخارجية الجزائرية، وبعض قيادات الجبهة بخصوص الأوضاع داخل المخيمات، وما يسمى “المناطق المحررة”، التي حاول جنرالات الجزائر أن يجعلوا منها منصة متقدمة لخدمة أجنداتهم الجهوية، خصوصا ما يتعلق بإعاقة المد المغربي بإفريقيا.
كما دفعهم تهورهم لتوظيف “بوليساريو” من أجل إغلاق ممر الكركرات، في تحد سافر لقرارات مجلس الأمن، وبيانات الأمين العام للأمم المتحدة، اللذين ردا للجزائر وصنيعتها “بوليساريو” الصاع صاعين، إذ لم يعر المجتمع الدولي أي اهتمام لعويل الجبهة وحاضنتها بعد تدخل القوات المغربية، التي وضعت حدا لشطحاتهما بهذه المنطقة، بصفة نهائية، بعدما أدخلتها في نطاق الجدار العازل، وهو أمر يعكس المقاربة الجديدة في التعامل مع قضية الصحراء، التي تنبني على الواقعية. كما تجسد ذلك التطورات المتسارعة فوق الأرض، ولعل أبرزها اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء وإعلانها فتح قنصلية بالداخلة إلى جانب أكثر من 20 دولة أخرى.
الوضع الداخلي، المحصور والمحشور بين عوارض الوضع الخارجي للجبهة، زادته قضية الكركرات وعواقبها تأزما، وجرت عصابة الرابوني إلى نفق مسدود بعد تسرعها في الإعلان عن نقضها لاتفاق وقف إطلاق النار، وإعلان التطوع في صفوف الجيش، من خلال تجمعات خطابية حماسية، قبل أن تعلم أنها تلف حبل المشنقة حول رقبتها، إذ لم تجد ما تقدمه لسكان المخيمات، الذين أججت مشاعرهم، غير بيانات عسكرية جوفاء تتحدث عن “أقصاف” خيالية، لا تجد صدى لها إلا بالإعلام الجزائري الرسمي والخاص، والذي وجد في قضية الصحراء وسيلة جديدة للتقرب من ماسكي زمام الأمور بثكنة بن عكنون، الذين نزلوا بكل ثقلهم بالمخيمات لتفادي خروج الأمر عن سيطرة عصابة إبراهيم غالي، الذي يواجه معارضة مفتوحة من قبل “رقيبات الشرق” وسخطا عارما لسكان ضاقوا ذرعا بالتجاوزات والقمع الذي تمارسه عساكر الجبهة، برعاية الأمن الجزائري، وسرقة المساعدات الإنسانية، وتحويل مسارها، بالإضافة إلى الزج بشباب المخيم في أتون الجماعات الإرهابية وتهريب السلاح، وغيرها من الأنشطة الإجرامية.