جدل الحلال والحرام للقاحات كورونا يشوّش على المسلمين

فتيحة مورشيد

في الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو زيادة توزيع اللقاحات الفعّالة في علاج فايروس كورونا، ينشغل متشددون، في بعض الدول الإسلامية، بإثارة قضية الحلال والحرام بسبب الحديث عن احتواء اللقاح في أحد مكوناته على مادة الجيلاتين في قفز واضح على القاعدة الفقهية “الضرورات تبيح المحظورات”.

وحاولت دوائر دينية إسلامية في جنوب شرق آسيا أن تشغل الناس بهذه الجزئية دون التفات كبير لحجم الأضرار الواقعة على الناس نتيجة رفض تلقي اللقاحات الجديدة، بذريعة احتوائها على مدخلات من لحم الخنزير.

وقياسا على تجارب لقاحات سابقة، من المرجح أن ينتقل الجدل من جنوب شرق آسيا إلى المنطقة العربية عندما تتزايد المعلومات حول مكونات اللقاحات الجديدة الخاصة بفايروس كورونا.

خالد منتصر: هل نتخلى عن الأنسولين ونترك المرضى يموتون لأن بعض مكوناته من الخنزير

وأعادت وكالة أسوشيتد برس إثارة الجدل عن موضوع المكونات الحلال في لقاحات كورونا ودخول رجال دين مسلمين في إندونيسيا على خط التوجهات الحكومية لاستيراد اللقاحات من الصين، وعما إذا كان اللقاح يتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا.

وطالب عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، دول العالم الإسلامي بالتحرر من هيمنة الفتاوى الدينية بشأن ما يرتبط بالعلم والطب.

وقال هندي، في تصريح لـه ، إن هناك قاعدة شرعية واضحة، ألا وهي “الضرورات تبيح المحظورات”، وهذا متفق عليه في كل البلدان العربية والإسلامية، شريطة عدم الرضوخ لتوجهات المتشددين.

وأشار إلى أنه يفترض في هذا العصر ألا تكون صحة الإنسان مدعاة للفتوى، وأن العالم الإسلامي أصبح بحاجة ماسة إلى علماء عصريين لديهم إلمام بكل العلوم الدينية والإنسانية والطبية.

ويثير استثمار المتشددين في قضية الحلال والحرام مخاوف بشأن احتمال تعطيل استعمال اللقاحات على نطاق واسع في العالم الإسلامي. وتم استخدام الجيلاتين المشتق من لحم الخنزير كعامل استقرار لضمان بقاء اللقاحات آمنة وفعالة أثناء التخزين والنقل.

وأشار الكاتب والطبيب خالد منتصر إلى أن مشكلة النبش في خلفيات اللقاحات الطبية وعلاقتها بالخنازير، ليست جديدة على العالم الإسلامي، فمازال مرض شلل الأطفال وكذلك مرض الجدري منتشرين في باكستان وأفغانستان ونيجيريا، جراء الخوف من ارتباط العلاج بمكونات مشتقة من لحم الخنزير.

وذكر منتصر،أن التيارات المتطرفة هي من زرعت المخاوف في عقول الناس وحولتها إلى هوس، مشيرا إلى أن مسألة الخنزير صنعت مشكلة في الماضي لجراح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب، وتم اتهامه باستخدام صمامات القلب المأخوذة من الخنزير، وقدمت ضده بلاغات.

وتساءل منتصر “ألا يعرف هؤلاء المتشددون أن الأنسولين، مثلا، مستخرج في بعض مكوناته من الخنزير الذي يعد من أقرب الكائنات إلى الخارطة الوراثية للإنسان، فهل نتخلى عنه ونترك الآلاف يموتون؟”.

وقال سلمان وقار، الأمين العام لجمعية “الطب الإسلامي البريطاني”، إن عناصر مثل كثرة الطلب، والتكلفة، والعمر الافتراضي الأقصر للقاحات التي لا تحتوي على جيلاتين الخنازير، ترجح أن يستمر استخدام المكون المشتق من لحم الخنزير في غالبية اللقاحات لسنوات.

وسعى متحدثون باسم شركات “فايزر” و”موديرنا” و”أسترازينيكا”، إلى تبديد مخاوف المسلمين، والتأكيد على أن منتجات لحم الخنزير ليست جزءا من لقاحات كورونا الخاصة بهم.

لكن محدودية العرض والصفقات الموقعة مسبقا التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات مع شركات أخرى توحي بأن بعض الدول التي بها عدد كبير من المسلمين، مثل إندونيسيا، ستتلقى لقاحات لم يتم اعتمادها بعد على أنها خالية من الجيلاتين.

عبدالغني هندي: على العالم الإسلامي التحرر من هيمنة الفتاوى الدينية بشأن ما يرتبط بالعلم والطب

ولسنوات، عملت بعض الشركات على تطوير لقاحات خالية من لحم الخنزير، ومن ذلك أن شركة الأدوية السويسرية “نوفارتس” أنتجت لقاحا خاليا من لحم الخنزير ضد التهاب السحايا، في حين تعمل شركة “إي جي فارما” في السعودية وماليزيا حاليا على إنتاج لقاح خاص بها.

ولفت هارونور راشد، الأستاذ المساعد في جامعة سيدني، إلى أن الإجماع في الآراء من المناقشات السابقة حول استخدام جيلاتين الخنزير في اللقاحات، هو أنه مسموح به بموجب الشريعة الإسلامية، حيث قد يحدث “ضرر أكبر” إذا لم يتم تناول اللقاح.

وهناك تقييم مشابه للزعماء الدينيين في المجتمع اليهودي أيضا، حيث قال الحاخام ديفيد ستاف، رئيس منظمة “تزوهار الحاخامية” في إسرائيل، “وفقًا للتعاليم اليهودية، فإن أكل لحم الخنزير أو استخدامه محظوران فقط عندما يكون ذلك عن طريق أكله في صورته الطبيعية، وإذا تم حقنه في الجسم، وليس أكله عن طريق الفم، فليس هناك مانع ولا مشكلة، خاصة عندما نشعر بالقلق من المرض”.

ورغم الفتاوى التي تعتمد على القاعدة الفقهية “الضرورات تبيح المحظورات” لإجازة الأدوية التي تضم ضمن مكوناتها عناصر من الخنزير، فقد أصدر مجلس العلماء الإندونيسي منذ عامين، وهو هيئة دينية إسلامية، قرارا بأن لقاحات الحصبة حرام بسبب الجيلاتين، وبدأ القادة الدينيون في حث الآباء على عدم السماح بتلقيح أطفالهم.

وقالت راشيل هوارد، مديرة مجموعة أبحاث سوق الرعاية الصحية، إن حالات الإصابة بالحصبة ارتفعت بعد ذلك، ما جعل إندونيسيا ثالث أعلى معدل للحصبة في العالم.

وصدرت فتوى عن هيئة رجال الدين المسلمين نصت على جواز تلقي اللقاح، كما أجازت بعض الدول رسميا هذه اللقاحات، لكن البعض من المسلمين لا يزالون يشعرون بعدم الارتياح لقبول هذه التطعيمات.

واتخذت الحكومات خطوات لمعالجة هذه القضية، ففي ماليزيا تم سن قوانين أكثر صرامة بحيث يجب على الآباء تطعيم أطفالهم أو مواجهة الغرامات والسجن، وفي باكستان، حيث تضاءلت الثقة في اللقاح لأسباب دينية وسياسية، تم سجن بعض الآباء لرفضهم تطعيم أطفالهم ضد شلل الأطفال.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: