تكشف تحليلات الخبراء الجزائريين أن محاولات بلادهم في معالجة احتواء الأزمة المالية باءت بالفشل، خصوصا بعدما أقرّ مسؤولون حكوميون بصعوبة تنفيذ البرنامج الاقتصادي الذي وضعته السلطة بفعل العديد من التحديات القائمة.
وواجه البلد العضو في منظمة أوبك منذ أن تولّى عبدالمجيد تبون الرئاسة ثلاث جبهات صعبة ومعقدة، تتضمن تركة من الاختلالات المتراكمة التي تفاقمت في العام الماضي وورشات ضخمة لإعادة بناء القطاعات وأزمة صحية طارئة كبحت مسار برنامج اقتصادي طموح.
وإذا كانت الجبهتان الأوليتان متوقعتين حيث غالبا ما تفتح ورشاتهما في السنة الأولى التي تلي الانتخابات الرئاسية، وقد انكبت الحكومة الجديدة مباشرة بعد تنصيبها مطلع العام الحالي في خوضها ومنها ورشات الحكومة عن طريق الفصل بين المال والسياسة، إلا أن بروز جبهة ثالثة غير متوقعة وهي وباء كورونا عقّد إلى حدّ بعيد من مأمورية الجهاز التنفيذي.
وفي ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي نجم عن الوباء في جميع دول العالم، حاولت الحكومة الحفاظ على توازنات الخزينة العامة وأساسيات الاقتصاد الكلي فضلا عن دعم الفئات الهشة دون إغفال الحرب القضائية ضد فلول الفساد وناهبي المال العام.
ويرى الخبير الاقتصادي عبدالرحمن بن خالفة أنه إذا كانت 2019 “سنة سياسية” توجت بتنظيم الانتخابات الرئاسية، فإن مردودها على الصعيد الاقتصادي كان “متواضعا”، تراكمت خلالها اختلالات تأجل حلها إلى عهدة تبون.
واعتبر الوزير الأسبق للمالية والمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي في مقابلة مع الوكالة الجزائرية الرسمية أن الوصفة التي قدمها تبون أثناء حملته الانتخابية والتي تضمنت 54 التزاما كانت “طموحة”، لكن ومع بروز جبهة ثالثة طارئة تتمثل في الجائحة أدّت إلى انكماش الإيرادات ووجدت الحكومة نفسها أمام أعباء ثقيلة تضاف إلى تركة سابقة من الاختلالات.
وكان رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد قد اعترف في أغسطس الماضي بأن البلاد تعيش وضعا اقتصاديا صعبا غير مسبوق، ناتجا عن أزمة هيكلية للحكومات السابقة، إضافة إلى انهيار أسعار البترول وأزمة كورونا.
ويعتمد أكبر اقتصاد في منطقة المغرب العربي على عائدات النفط، ما يعرضه لتقلبات الأسعار، بسبب عدم تنويع الموارد، فضلا عن كون الخطط الحكومية لا تتناسب مع الظروف الراهنة رغم حالة التفاؤل التي يبثها المسؤولون بين الفينة والأخرى.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سوف يشهد الاقتصاد الجزائري انكماشا نسبته 5.2 في المئة هذا العام مع عجز في الميزانية هو الأعلى في المنطقة.
وتواجه الجزائر أزمة سيولة غير مسبوقة كشفها بوضوح اضطرار مكاتب بريد في العديد من المناطق، إلى دفع مستحقات زبائنها بواسطة النقود من فئة 50 و100 و200 دينار نتيجة افتقادها للسيولة المالية والنقص الحاد للأوراق المالية.
وقد أثارت الندرة اللافتة للسيولة المالية في مراكز البريد وعدد من البنوك التجارية، جدلا محتدما حول الأسباب والخلفيات الحقيقية للظاهرة التي حملت نذر انفجار اجتماعي، ما حمل الحكومة على عقد لقاء طارئ لشرح تلك الوضعية للمواطنين.