الجزائر ساحة صراع متصاعد بين فرنسا وتركيا

صابر بليدي

الجزائر أصبحت ساحة جديدة لصراع النفوذ بين فرنسا وتركيا حيث يتسابق البلدان إلى دعم أجندة الرئيس عبدالمجيد تبون لاسيما في الظرف الراهن الذي برزت فيه بوادر معارضة للرجل من داخل النظام الجزائري إثر تغيبه بسبب إصابته بفايروس كورونا، وهو ما أتاح لباريس وأنقرة فرصة لإبراز تحمّسهما لـ»التغيير» الذي يقوده تبون بغية كسب ودّه وودّ بلاده.

تدفع مستجدات الصراع بين فرنسا وتركيا إلى نقل معركتهما إلى الجزائر، عبر تنافس يشتد تدريجيا بين الطرفين من أجل الاستئثار بها كحليف مهم في المنطقة، حيث تعتبرها باريس مستعمرتها القديمة التي تفتح لها أبواب الاطمئنان على نفوذها في القارة السمراء، بينما تسعى تركيا إلى الاستفادة من أمجاد الماضي العثماني، لتجسيد طموحات القيادة الجديدة في أنقرة للتمدد خارج حدودها ومزاحمة الفرنسيين في معسكرهم التاريخي.

وتلقى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في مقر إقامته لقضاء فترة النقاهة بألمانيا، اتصالا هاتفيا من طرف نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عبر له فيه عن “سعادته بتماثله للشفاء”، وعن أمنيته بـ”العودة القريبة إلى بلاده”، كما أبلغه رغبته في “الاطمئنان على صحته، وعلى استعداد تركيا لمرافقة الجزائر في إرساء قواعد مشروعه الجديد”.

وجاء اتصال الرئيس التركي بنظيره الجزائري في مقر قضاء فترة النقاهة، في أعقاب الاتصال الذي جرى بين تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ثالث اتصال يتلقاه الرئيس الجزائري بعد تماثله للشفاء، حيث كان الرئيس التونسي قيس سعيد، أول المتصلين به.

وحمل تزامن اتصالي الرئيسين ماكرون وأردوغان، دلالات سياسية تنطوي على اشتداد الصراع بين البلدين في إطار المعركة المشتعلة بينهما، من أجل الاستئثار بالجزائر، كحليف استراتيجي في المنطقة، رغم المطبات التي تعتري علاقات كليهما مع الجزائر بسبب ملفات ثنائية متراكمة.

وشكلت مفردة “دعم مشروع الجزائر الجديدة”، التي تمثل العمود الفقري لبرنامج الرئيس تبون، المنتخب في نهاية العام 2019، نقطة تقاطع في محتوى الاتصالين الذين أجراهما ماكرون وأردوغان، مما يؤكد حرص باريس وأنقرة، على ضرورة التفرد بالجزائر كحليف في المنطقة.

ويعتبر تبون، هو المستفيد الأول من الاتصالات الدبلوماسية للعواصم الإقليمية، للرد على خصومه في السلطة، الذين بدأوا يتحركون خلال الأسابيع في اتجاه تفعيل الشغور الرئاسي والذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة، بعدما غاب الرجل لنحو شهرين عن مهامه الدستورية بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به.

ويكون بذلك ماكرون وأردوغان، قد قدما خدمة جليلة لتبون، من أجل الرد على خصومه في السلطة، والتأكيد لهم على أنه “هو الرئيس المنتخب”، و”لا يزال قادرا على أداء مهامه، وعلى سمعته الدبلوماسية الإقليمية والدولية”، لكنّ ذلك يبقى مرتبط بمدى قدرة تبون، على المناورة والاستفادة من تنافس الطرفين على موقع ودور بلاده.

مفردة “دعم مشروع الجزائر الجديدة”، التي تمثل العمود الفقري لبرنامج تبون، شكلت نقطة تقاطع في اتصالي ماكرون وأردوغان

ويتجلى ذلك في التجاوز الذي مارسته كل من باريس وأنقرة، على الدور الجزائري في الملفات الإقليمية المشتركة، كما هو الشأن بالنسبة لمخارج الأزمة الليبية، ومستقبل المصالح الجزائرية في ضوء التمدد التركي على الحدود الجزائرية، فضلا عن الأعباء الثقيلة التي خلفتها المواقف الفرنسية على الجزائر، في قضية صوفي بترونين بمالي، والمسألة الصحراوية وليبيا أيضا.

وكانت باريس قد أمالت الكفة لمصالحها في الملفات المذكورة، دون مراعاة مصالح شريكتها في المنطقة (الجزائر)، وهو ما خلق حالة من التوتر المستجد، خاصة بعد صفقة “صوفي برتونين” في مالي، مما يتعارض مع رسائل الدعم التي أطلقها في وقت سابق الرئيس إيمانويل ماكرون، عبر مجلة “جون أفريك”، التي عبر فيها عن “دعمه للرئيس تبون، في قيادة المرحلة الانتقالية بالجزائر”.

وفي خطوة تنطوي على رغبة فرنسية لاحتواء التوتر الأخير، بادر نهاية هذا الأسبوع، الرئيس الفرنسي المصاب هو الآخر بداء كورونا، بالاتصال بالرئيس الجزائري في مقر إقامته بألمانيا أين يقضي فترة نقاهة، ليجدد له مواقف قصر الإليزي الداعمة له في مسار قيادة الجزائر والاستعداد للتعاون بين الطرفين.

وذكر بيان للرئاسة الفرنسية، أن “الرئيسين اطمئنا على صحة كل منهما وتبادلا الأمنيات بالشفاء العاجل، وتناولا في حديثهما العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، واتفقا على الحديث مجدداً خلال وقت قريب حول هذه المواضيع”.

أما الرئاسة الجزائرية، فقد ذكرت في بيانها بأن “الرئيس تبون، قدّم شكره الجزيل للرئيس ماكرون على اهتمامه بوضعه الصحي، منذ نقله للعلاج في ألمانيا، وتناولا الوضع السائد في ليبيا ومالي والصحراء”.

أما في الجانب الثنائي، فقد أبلغ ماكرون نظيره الجزائري، بأن “تقرير ملف الذاكرة الذي يشرف عليه بنجامان ستورا، من الجانب الفرنسي، وعبدالحميد شيخي، من الجانب الجزائري، سيكون جاهزا في شهر جانفي”، وهو الملف الذي ظل طيلة العقود الماضية يلقي بظلاله على العلاقات الثنائية بين البلدين.

وتحاول تركيا الاستثمار في ملف الذاكرة بين الطرفين، في تصفية حساباتها السياسية مع فرنسا في إطار المعركة المشتعلة بينهما. وكثيرا ما شكل الماضي الاستعماري للفرنسيين في الجزائر، محور تصريحات ومواقف مسؤولين أتراك ضد فرنسا، لإدانتها والرد عليها بشأن التهم التي تكيلها باريس لأنقرة حول ماضيها في أرمينيا.

كما أنكر الرئيس الفرنسي، في تصريح أخير له، بأن “تكون بلاده قد دفعت فدية لتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، مقابل الإفراج عن رعايا غربيين”، بغية التخفيف من وطأة الغضب الجزائري مما عرف بـ”صفقة صوفي برتونين”، خاصة بعد حصولها على إفادات من إرهابيين جزائريين استفادوا من الصفقة، ذكروا فيها تضارب الأرقام المتداولة حول الفدية بين 10 و30 مليون دولار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: