توقعت أوساط قضائية في الجزائر إفراجا مرتقبا عن المرشح الرئاسي السابق علي غديري القابع في السجن منذ العام 2019، وذلك في إطار ترتيبات داخل المؤسسة العسكرية تقضي بالتخلص من تركة الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، الذي كان وراء سجن غديري، ويرى المتابعون أن الجناح المتضرر من تداعيات المرحلة السابقة يحاول استغلال المناخ السياسي المضطرب والغامض بغياب الرئيس عبدالمجيد تبون لدواع صحية، لإعادة الاعتبار وفرض نفوذه في المشهد.
تتوقع مصادر قضائية في الجزائر، أن يتم الإفراج عن مرشح الرئاسية السابق علي غديري، في ضوء قبول المحكمة العليا (أعلى جهة قضائية في البلاد)، الطعن الذي تقدم به فريق الدفاع، وخفض التهمة الموجهة إليه من الجناية إلى رتبة جنحة، مع حذف إحباط التخابر مع جهات خارجية.
ويتواجد المرشح الرئاسي المذكور رهن الحبس المؤقت منذ العام 2019، حيث وُجّهت له تهمتا إحباط معنويات الجيش والتخابر مع جهات خارجية، ليكون بذلك واحدا من الرموز التي تم سجنها بإيعاز من قيادة المؤسسة العسكرية السابقة، في إطار ما وصفه فريق الدفاع بـ”تصفية الحسابات”، بين قائد أركان الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وخصومه داخل المؤسسة وفي الدوائر السياسية.
وتقدم علي غديري، الذي تقاعد العام 2015 من المؤسسة العسكرية برتبة جنرال، إلى خوض غمار الانتخابات الرئاسية، المقررة في أبريل 2019، قبل أن ينتفض الشارع الجزائري ضد السلطة القائمة آنذاك، ويسقط طموحها في تمرير الولاية الخامسة لمرشحها آنذاك الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وفصلت المحكمة العليا في غضون هذا الأسبوع في الملف بقبول طعن فريق الدفاع، والمتعلق بتهمة “إحباط الروح المعنوية الجيش”، وقررت إعادة تكييف تهمة إحباط معنويات الجيش من جناية إلى جنحة وإرسال الملف إلى غرفة الاتهام مجددا.
وتتوقع المحامية عويشة بختي، أن تنطق غرفة الاتهام بـ”انتفاء وجه الدعوى” ومن ثمة الإفراج عن علي غديري في أقرب وقت، لكن زميلة لها ترى أن “الاحتمال ضعيف”، ولا تستبعد إرسال الملف إلى محكمة الدار البيضاء لبرمجة جلسة المحاكمة للنظر في القضية، قبل إصدار قرار إفراج مرتقب.
ولا زالت قضية سجن الجنرال المتقاعد والمنافس لبوتفليقة في انتخابات أبريل 2019 الملغاة، تشكل أحد تجليات الصراع بين العصب النافذة داخل هرم السلطة في الجزائر، إذ يعتبر واحدا من ضحايا القوة التي تشكلت في أعقاب تنحي بوتفليقة، الذين ألقي بهم في السجن بتهم متشابهة تتراوح بين الفساد واستغلال الوظيفة والتخابر وإحباط معنويات الجيش.
وظل الرجل الذي كان واثقا من كسب سباق الانتخابات المذكورة، رغم أن المنافس كان هو مرشح السلطة السابقة محسوبا على ما يعرف بـ”الدولة العميقة”، الممثلة في جيوب جهاز الاستخبارات السابق بقيادة الجنرال المثير للجدل محمد مدين (توفيق).
الترتيبات المفتوحة داخل الجيش الجزائري تتجه إلى التخلص من تركة قايد صالح، وإعادة الاعتبار للجناح المتضرر من تداعيات المرحلة السابقة
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الإفراج المرتقب عن علي غديري، سيكون جولة جديدة من صراع العصب النافذة، وأحد مؤشرات نهاية حقبة قائد الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، كمسار وكتوجّه داخل الجيش وداخل مؤسسات الدولة.
وبات الأمر جليا منذ إطلاق سراح الجنرال السابق حسين بن حديد، الذي تعرض للسجن عدة مرات خلال سطوة قايد صالح على مفاصل الدولة، بسبب خصومة قديمة بين الرجلين، فضلا عن الاعترافات التي أدلى بها الرجل حول “ضلوع بعض أفراد وضباط الجيش في المجازر الجماعية التي وقعت خلال العشرية الدموية (1990- 2000)”.
ويتواجد العديد من ضباط المؤسسة العسكرية السابقين بين حالة فرار أو في السجن العسكري بالبليدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الدفاع السابق في حقبة التسعينات الجنرال خالد نزار، والجنرالات الحبيب شنتوف، سعيد باي، عثمان بلميلود.. وغيرهم، حيث استغل قايد صالح، فرصة شحنة الكوكايين المحجوزة في مايو 2018، لإدخال تعديلات واسعة وعميقة في صفوف قادة المؤسسة.
ويستنج متابعون أن التوازنات أخذت منحى عكسيا منذ وفاة الرجل في ديسمبر 2019، حيث أزاحت القيادة الجديدة العديد من الضباط السامين والجنرالات المحسوبين عليه، وأبرزهم مدير الأمن الداخلي السابق الجنرال واسيني بوعزة، الأمر الذي وضع المؤسسة تحت طائلة وضع غير مستقر، وفي فوهة تصفية حسابات وصفت بـ”الخطيرة”.
ويذكر مراقبون أن رحيل قايد صالح، في أعقاب انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر 2019، سمح بعودة قوية ومثيرة لجناح جهاز الاستخبارات السابق، حيث تبوأ العديد من الضباط المحسوبين عليه، مواقع مهمة في عدد من المؤسسات، على غرار الجنرال عبدالعزيز مجاهد، الذي عين مستشارا عسكريا وأمنيا في رئاسة الجمهورية، ثم مديرا للمركز الوطني للدراسات الإستراتجية، كما تجري إعادة الاعتبار تدريجيا لضباط سابقين كما هو الشأن للجنرال حسين بن حديد، والإفراج المرتقب عن الجنرال المتقاعد والمرشح الرئاسي السابق علي غديري.
ويبدو أن الترتيبات المفتوحة داخل الجيش والمؤسسات الثقيلة، تتجه إلى التخلص من تركة قايد صالح، وإعادة الاعتبار للجناح المتضرر من تداعيات المرحلة السابقة، الأمر الذي يكرس شرعية مطالب تمدين الدولة المرفوعة في الشارع الجزائري منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير 2019.
وهو ما علّق عليه الناشط السياسي المعارض كريم طابو، في ندوة صحافية عقدها في غضون هذا الأسبوع بالقول “مكان الجيش في الحدود وفي أمن وسلامة التراب الوطني، وليس إدارة الحياة السياسية من وراء الستار، لأن المخرج من الأزمة هو مدنية الدولة”.