لم يجد أنصار المسار السلطوي في الجزائر شيئا يضمنونه لحصيلة عام من حكم الرئيس عبدالمجيد تبون سوى تدوير أسطوانات مشروخة كسيرورة واستمرار لمؤسسات الدولة بعد الفراغ الذي أحدثه تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة قبل أكثر من عام، وهي المؤسسات التي أصابها العطل مجددا، في ظل الجدل القائم حول تأثير غياب تبون عن قصر المرادية وعن المشهد العام بشكل أوسع.
وفشل ظهور الرئيس تبون في إنهاء حالة الجدل حول مصير البلاد ومستقبلها، في ظل عجزه عن إقناع الجزائريين باستعادته لقواه الصحية وموعد عودته لأداء مهامه ، فالتسجيل الذي بث على حسابه الشخصي في تويتر لأكثر من أربع دقائق لا يزال يثير العديد من التكهنات والتخمينات.
وبغض النظر عن مضمون ما ورد على لسان الرجل، والشكل الذي ظهر به، وإمكانية دخول التركيب والتدقيق، فإن توقيت ظهوره نفسه وتعمد استعمال حسابه الخاص على شبكات التواصل الاجتماعي بدل وسائل الإعلام الحكومية، طرح استفهامات وتكهنات جديدة، حول الرسائل الحقيقية التي أرادها الرئيس الجزائري من ظهوره المقتضب.
وإذ تزامن مع مرور عام على انتخابه للجزائر في الـ12 من ديسمبر الماضي، فإن الرئيس الذي انتخب في ظروف استثنائية، يعتبر أسوأ رؤساء الجزائر حظا، فعلاوة على غياب الإجماع على شخصه سواء من طرف دوائر نافذة في السلطة أو من الحراك الشعبي، فقد جاء إلى قصر المرادية وخزائن الدولة فارغة وجائحة كورونا تعصف بالبلاد ، وفوق ذلك ألمّت به وعكة صحية خطيرة بحسب ما ظهر عليه الرجل في التسجيل الأخير.
ولسوء حظ الرجل، فإنه لم يهنأ في منصبه إلا لأشهر قليلة فقط قبل أن تدخل جائحة كورونا على الخط، وتكبد الاقتصادي المتهاوي ورصيد النقد الأجنبي المتآكل خسائر معتبرة. وفي شهر أكتوبر الماضي أصيب بوعكة صحية استدعت نقله إلى مستشفى ألماني بمدينة كولونيا، حيث لا يزال يتواجد هناك إلى غاية الآن.
وشكّل الجدل القائم في البلاد حول مستقبل البلاد ومصيرها، في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة وفي غياب الرئيس، وتأثير كل ذلك على أداء مؤسسات الدولة، مادة دسمة لسيناريوهات متضاربة تجمع على أن “الجزائر مريضة بمرض رؤسائها”، وأن “سيناريو بوتفليقة يعيد نفسه مع تبون مع فوارق لافتة تميزها التحديات الداخلية والخارجية للبلاد في الظرف الراهن، بينما كان سلفه على أريحية ملحوظة اقتصاديا وإقليميا”.
بدل التفرغ لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بمؤسسات قوية، تعاني الجزائر من شلل متجدد سببه مرض الرئيس
وصرحت المحامية والناشطة الحقوقية المعارضة زبيدة عسول بأن “ظهور تبون لم يكن بغرض طمأنة الجزائريين، وإنما كان لدوائر معينة، أراد أن يقول لها إنه مستمر في منصبه وقادر على أداء مهامه ومتابع لشؤون الدولة”.
وألمحت المتحدثة إلى “دوائر في السلطة تدفع باتجاه تفعيل بند الفراغ الرئاسي من أجل الذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة”، وهو ما ترجمته التسريبات التي تحدثت عن اتصالات في هرم السلطة مع قوى سياسية وشخصيات مستقلة من أجل بلورة خارطة طريق تنهي المأزق المستجد بسبب غياب الرئيس.
وهي الجهات التي يكون الرئيس قد قصدها في ظهوره المقتضب من أجل إحباط خططها المعارضة لاستمراره على رأس السلطة، خاصة بعد دخولها في حملة تهويل للتطورات الإقليمية المستجدة في المنطقة، والتي تطلب في تلميحاتها رئيسا في كامل قواه الجسدية والذهنيةويبدو أن المسار الذي رسمته قيادة الجيش السابقة للخروج من مأزق الشرعية والأزمة التي أحدثتها احتجاجات الحراك الشعبي، والدفع بتبون كرئيس للدولة في آخر اللحظات التي سبقت الاستحقاق الرئاسي، بعدما كان قطاع عريض من المسؤولين المدنيين وكبار ضباط المؤسسة العسكرية، يدفع بالمرشح الشاب عزالدين ميهوبي ليكون مرشح السلطة، لم يغادر مربع الصفر، بعد تكرار أطوار أزمة فجرت الشارع في فبراير 2019، ولا يستبعد تكرار نفس السيناريو مع بقاء نفس الأسباب واستمرار جذوة الاحتجاجات السياسية.
وحاول حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم تبييض حصيلة الرئيس تبون بذكره في بيانه الأخير الذي أعرب فيه عن “دعمه للمسار السياسي المنتهج في البلاد من أجل إرساء قواعد ما أسماه بـ’الجزائر الجديدة’، وتكريس دولة الحق والقانون تحت قيادة الرئيس تبون”.
غير أن الشارع وقطاعا عريضا من الطبقة السياسية والنخب الناشطة له رأي معاكس تماما قياسا بما تصفه بـ”فشل المسار الذي انتهجه العسكر لإخراج البلاد من أزمة الحراك الشعبي، حيث أدى فرض الخيارات على إرادة الشارع إلى نتائج عكسية تجسدت في ترهل مؤسسات الدولة، وتفاقم النتائج الوخيمة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة، وتوسع دائرة الأزمة الاقتصادية”.
ويرى الناشط السياسي والخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، أن “الثقة الغائبة بين الشارع والسلطة والشرعية المهزوزة للمؤسسات القائمة لا يمكن أن تحققا نتائج إيجابية لبلد يتخبط في أزمة معقدة ومتشابكة وفي مختلف القطاعات، وذلك هو الأخطر على وحدة البلاد وتماسكها خاصة في الظروف الراهنة”.
واستنتج بالقول “هاهي نتائج الخيارات الخاطئة للمسار الذي انتهجته قيادة العسكر في إدارة الأزمة السياسية، تضع البلاد في مربع الصفر وتهدد بتكرار سيناريو بوتفليقة، فبدل التفرغ لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بمؤسسات شرعية وقوية، تعاني الجزائر من شلل متجدد بسبب رئيس مريض لا أحد يدري كيف يكون مسار الدولة معه؟”.