يعتبر النقل الطبي من النقاط السوداء في المنظومة الصحية بالمغرب، بشهادة الجميع؛ وذلكبالرغم من حرص الوزارة الوصية على تفعيل خدمة جديدة(SAMU) لنقل المرضى على متنمروحيات وسيارات إسعاف مجهزة بلوجيستيك الدعم والمواكبة، وطاقم طبي وتمريضيمتخصص في طب المستعجلات والكوارث.
فجر الدكتور جمال معتوق، فضيحة من العيار الثقيل، حول وفاة الإعلامي صلاح الدين الغماري في تصريح لاحدى الإذاعات الوطنية.
وطالب جمال معتوق، رفع دعوة قضائية على وزارة الصحة بتهمة الإهمال و القتل الغير العمد، مصرحا أن المرحوم «جاه ضيق تنفس و أزمةقلبية طاح مغمى عليه ، لكن تدخل طبيب جاره دار ليه الإسعافات الأولية للتنفس massage cardiaque القلب بقا خدام في انتظار سيارةالإسعاف لي تعطلت ساعة كاملة، فاش جات سيارة الإسعاف لقاو القرعة خاوية من الأوكسجين و السيد کيموت خصو الأوكسجين ، تسناوسيارة إسعاف ثانية و قتاش جات الثانية لقاو في القرعة الاوكسجين فيها غا شوية ، رغم دالك طلعوه و دارو ليه هداك الشوية و داوه لأحدىالمصحات.
وبين بلاغات وزارة الصحة المشيدة بتدخلات أطرها والواقع المعيش بمستشفيات المملكةضاعت أرواح بشرية ووصلت أخرى متأخرة إلى مراكز الاستقبال؛ وذلك في ظل غيابإستراتيجية واضحة لتقنين هذه العملية وجعلها مرتبطة بقانون واضح يحدد شروط وظروفالعملية، وكذا هوية وتخصص المرافق الطبي حسب حالة كل مريض وما يستدعيه وضعهالصحي.
ويشكل النقل الصحي أو توجيه المرضى من مراكز استشفائية إلى مستشفيات أكثر تجهيزا حدثا غير عاد بالنسبة للكثيرين ممن عاشواالمحنة، إذ يصبح البحث عن سيارة إسعاف كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، فلازال العديد من المواطنين المغاربة يئنون تحت وطأة آلامالمرض..منهم من لقي حتفه ومنهم من ينتظر..هم أقلية في نظر وزارة الصحة، لكنهم كثر على أرض الواقع، قادهم المرض إلى خوض تجاربقاسية خلف نسب عجز متفاوتة، وذاكرة حبلى بساعات من المعاناة، ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في الوقت والمكان الخطأ.
مشاكل كبرى وفوضى عارمة تلك التي يعيشها النقل الصحي بالمغرب، وتتأرجح بين غياب سيارة الإسعاف وافتقارها للعتاد اللوجستيكي،ومحدودية الخدمات المقدمة من طرف الأطر التي تؤمن هذه العملية، مع ضيق الطرقات ووُعورة فِجاجِها، في انتظار رحمة تنزل من السماء.
أسطول “الموت“
“أسطول وزارة الصحة بحاجة إلى من يعالجه أولا، قبل أن يكون وسيلة لنقل مرضى وإنقاذ الأرواح“، يقول عبد الله، ممرض مختص فيالتخدير والإنعاش ..سيارات بحيز صغير أشبه بحافلة للنقل المزدوج، تفتقر لأبسط مقومات النقل الصحي، ولا سبيل للتوجه صوب مراكزالعلاج، صيفا وشتاء، سواها، وقد تحضر كما قد تغيب بحكم كثرة رحلاتها، وقد تحتاج لوساطة وإجراء مكالمات على أعلى مستوى قصدالظفر بخدماتها “العليلة“.
وشدد الإطار الصحي ذاته، على أن “عملية نقل المرضى من المستشفيات تشوبها معوقات ومشاكل لا حصر لها“، مشيرا إلى أن محطةانطلاق هذا “الكابوس” تكون مشفى محليا أو مستشفيات القرب عموما، بحكم افتقارها لتخصصات طبية معينة وتوفرها على تجهيزاتتحسب على أصابع اليد الواحدة، وأضاف أن “غياب الأطقم والأطر الطبية بهذه المراكز يحتم توجيه المرضى صوب مراكز استشفائيةتستجيب للمعايير التي تستدعيها الحالة المستعصية؛ وذلك اتباعا لإستراتيجية وزارة الصحة التي حددت مسار التحويلات وخلقت مراكزالتنظيم والتكفل بالمرضى“.
لكن الواقع غير ذلك، يؤكد السايسي، “فبمجرد اتخاذ قرار التحويل، أو التوجيه، تبدأ عملية التنقيب عن سيارة الإسعاف واللوجيستك والمواردالبشرية لمرافقة المريض، في غياب تام لأي برنامج استعجالي أو مصلحة متخصصة كما تنص عليه التوصيات العالمية والعلمية التي تحثعلى وجود فريق طبي متكامل، من طبيب ومنسق ومنظم للعمليات وممرضين، إضافة إلى سيارات إسعاف مجهزة وأخرى للحالاتالاستعجالية التي تتطلب معدات بيوطبية متقدمة“، مستحضرا في هذا السياق الضغط الكبير الذي يحمله على عاتقه الممرض في سبيلإنجاح هذه المهمة الكبيرة.
وأكد المتحدث ذاته أن أغلب المستشفيات المحلية تقوم بتحويل أكثر من عشر حالات يوميا إلى المستشفيات الجهوية والجامعية في ظروفوصفها بـ“غير الإنسانية“، طلبا لعلاجات متقدمة. وتساءل السايسي: “كيف يتم تحميل الممرض أكثر من طاقته؟ وكيف يتم تكليفه بمهمة نقلمريض عجز مشفى بكل أطقمه عن علاجه؟“.
وعاب المتحدث أسطول سيارات الإسعاف الخاص بوزارة الصحة بجل المستشفيات، وافتقاره للمعدات والتجهيزات، زيادة على صعوبةالطرق ومشاكل الطقس، خصوصا خلال التساقطات المطرية والثلجية التي تزيد من صعوبة مرور سيارة الإسعاف، وتجعل السكان في عزلةتامة.
واستحضر الإطار المختص في التخدير والإنعاش حوادث تعطل سيارات الإسعاف خلال أداء مهمتها، وغياب الصيانة والمراقبة الميكانيكيةللعربات، إلى جانب رفض أسر تأدية ثمن الغازوال، وهي الأمور التي اعتبرها حواجز تعرقل وصول المريض إلى العلاج في الوقت المناسب.
وأبرز ضمن التصريح ذاته أن الواقع المعيش يقر بوجود خلل عميق، حسب شكايات وملاحظات توصلت بها الجمعية المغربية لممرضيالتخدير والإنعاش، متهما إدارة المستشفيات بنهج سياسة العرف والعادة، وزاد: “يبقى الاجتهاد سيد الموقف، فكل مشفى يوزع المهام حسبالحالة، ومن المراكز التي سنت وعينت ممرض التخدير مسؤولا عن النقل الصحي، والمولدة أو القابلة مسؤولة عن نقل الحوامل، متحججةبالخصاص في الموارد البشرية..خلافا للقطاع الخاص وشركات التأمين التي تشترط وجود طبيب وممرض، وفي بعض الحالات الخطيرةتشترط تواجد طبيب التخدير والإنعاش وإشرافه المباشر لنجاح المهمة“.
من جانبه اعتبر خالد ، الإطار الصحي بمشفى بني ملال، أن “الحديث عن النقل الصحي يرتبط في مخيلته بمرارة الخوف والتضحية وفراغكبير على المستوى العلمي العملي والتنظيمي، حيث الوجهة غير مضبوطة وغير مضمونة، ببساطة لأن العملية في جل الأوقات تتم بطريقةفوضوية وترقيعية“، على حد قوله.
وأضاف خالد، أن العملية من أولها إلى آخرها تشوبها مجموعة من الهفوات، تتمثل في معايير اتخاذ قرار تنقيل المريض ودرجة الخطورةوالأسباب الحقيقية، إلى جانب معايير تحديد الطاقم المرافق للمريض التي تطرح جدلا واسعا بحكم غياب قانون يؤطر ويحمي العاملين منالخصاص المهول في الأطر الصحية بكل تخصصاتها.
واستنكر المتحدث غياب التنسيق بين المستشفيات من أجل استقبال الحالة والاستعداد لذلك؛ فكم مرة قصد مشفى إقليميا وأكمل المسار إلىمستشفى جهوي، ثم تابع إلى مركز استشفائي جامعي، “في صراع لا يخلو من احتكاكات ومشاحنات مع مسؤولي المشفى المضيف منأجل توفير مكان للمريض، الذي يصبح مثل أم تبحث عن فراش آمن لطفلها“، حسب تعبيره.
واستحضر حالات كثيرة اضطر إلى معها إلى نقل مريضين على متن سيارة إسعاف واحدة، فيتوفى أحدهما ويحار بين التوقف وسلكالإجراءات الإدارية الخاصة بالتبليغ وتأكيد الوفاة أو إكمال السير بالحالة الثانية التي قد تسلم الروح إلى بارئها إذا دخل في متاهةالإجراءات المعقدة والمتعلقة بإخطار مصالح الدرك الملكي والأمن الوطني وإيداع الجثة بمستودع الجثامين.
واعتبر المتحدث أن المريض والممرض يعتبران الحلقة الأضعف في هذه العملية، مشيرا إلى كون التعويضات عن خدمات النقل الصحيبالنسبة للأطر الصحية لا تتجاوز 120 درهما نظير مئات الكيلومترات وساعات من السفر.
مجهودات واقتراحات
تعمل وزارة الصحة حاليا على وضع مشروع قانون لتنظيم النقل الصحي للمرضى في القطاع الخاص، خاصة بعد ما وصف بـ“الاختلال” الذي عرفه مؤخرا، والذي جرى تداوله على نطاق واسع من خلال فيديو يوثق لقصد مريض لشباك بنكي.
القانون الجديد الذي من المنتظر أن يفعل قريبا ينص على أن إصدار التراخيص ورصد ومراقبة النقل الخاص بالمرضى سيكون منمسؤوليات وزارة الصحة وليس من اختصاص الجماعات الترابية.
وسيفرض القانون على المشتغلين في هذا القطاع شروطا صارمة تتعلق بالحالة الميكانيكية لسيارات الإسعاف وتزويدها بالمعدات الطبيةالحيوية الكافية والموارد البشرية المؤهلة للتدخل ولإنقاذ المرضى المنقولين.
وكانت وزارة الصحة أشارت في بيان لها بعد الفيديو المثير للجدل، والذي يظهر مريضا محمولا على نقالة وهو يحاول سحب النقود من شباكبنكي أوتوماتيكي في طنجة، إلى أن المركبة غير تابعة لأسطول وزارة الصحة.
وفي هذا الصدد اعتبر عبد الإله “إصلاح قطاع النقل الصحي رهينا بإصلاح نقط الولوج والاستقبال ووضع مخطط استعجالي للتكفل بكلالحالات بمصلحة خاصة بالنقل، مجهزة بموارد بشرية وأطر طبية مختصة وتمريضية“. واقترح عضو جمعية ممرضي “البنج” فتح ماسترمختص في النقل الصحي والعلاجات المتقدمة، داعيا إلى إشراك كل الفاعلين في القطاع والجمعيات المهنية المتخصصة لإنعاش هذا القطاعالحيوي من أجل صحة المواطن، وتقديم العلاجات اللازمة بالمكان قبل النقل المباشر؛ وذلك بهدف الحد من نزيف الطرقات وضياع الأرواح.