في وقت لم يكن ينتظره أحد ظهر الرئيس عبدالمجيد تبون في تسجيل قصير فاجأ به الجميع، من المعارضة مرورا بالإعلام العمومي والخاص ووصولا إلى جزء من السلطة.
لم يعلن عن ذلك الخروج الإعلامي على الإطلاق كما كانت تجري العادة في كل مرة يتحدث فيها أو يتحرك.
وبعد غياب ما يقارب الشهرين، كما يقول هو نفسه، وبعد الجدل الذي خلفه ذلك الغياب والغموض والتواصل الرديء حول طبيعة مرضه، يعود تبون ليخاطب الجزائريين عبر وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، دون المرور عبر التلفزيون الرسمي الجزائري وكأن شيئا لم يكن.
وعلى الرغم من الصور الكئيبة المهينة التي تحتفظ بها ذاكرة الجزائريين عن رئيسهم المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، جاء رئيسهم الحالي ليذكرهم بأن لا شيء تغير ويخرج عليهم بشكل أقل ما يقال عنه أنه غير مناسب لمنصب رئيس الجمهورية. كيف يمكن أن يخرج الرئيس في فيديو ضعيف التصوير في أقل من 5 دقائق ومُقطّع بطريقة هواة؟
لماذا فضل رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية والشعبية التوجه إلى الجزائريين في لباس شبه رياضي وعبر كاميرا هاتف نقال واحدة بدل كاميرات التلفزيون الاحترافية؟ وما هي الاستنتاجات التي يمكن التوصل إليها من خلال تحليل تدخل الرئيس تبون شكلا ومضمونا، طبيا وسياسيا؟
لقد خاطب الجزائريين من مكان ما في ألمانيا، لا أحد يعرف أين بالضبط، فكأنه يختفي عن الأنظار لسبب ما. وهو ما فهمه البعض من اختياره عدم استدعاء فريق تلفزيوني من الجزائر لتسجيل خطابه، واللجوء إلى التواصل عبر حسابه الشخصي على تويتر.
أما البعض الآخر فقد فسّر ذلك بوجود فتور بينه وبين القيادة العسكرية التي بدأت منذ مدة في البحث عن بديل له، كما هو متداول في بعض المنابر الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي.
هل شعر الرئيس تبون بشيء ما، أو أبلغ بأمر فأسرع في الرد المضاد مسجلا حضوره ليقول لخصومه المحتملين إنه لا يزال حيا ورئيسا للجزائر، ولاستبعاد أي تطبيق محتمل للمادة 102 من الدستور الجزائري الخاصة بإعلان الشغور في منصب رئيس الجمهورية، والتي بدأ الحديث عنها منذ مدة؟
وعموما وبغض النظر عن سطحية التدخل الذي كان عبارة عن جمل سطحية مبعثرة غير محكمة، يرى كثيرون أن هذا الخطاب المتسرع المرتجل، الذي تزامن مع ذكرى مرور سنة على انتخابه، هو رسالة جماعة تبون المباغتة إلى خصومهم مفادها أن خارطة الطريق المرسومة هي التي تستمر كما كانت قبل مرضه، وأنه لا مجال للبحث عن مسارات أخرى خارج “جزائره الجديدة”، رغم فشل الاستفتاء حول التعديل الدستوري ومقاطعة الجزائريين له.
وبكلمة واحدة ظهر تبون ليرفض الرحيل وليخلط أوراق المطالبين بعزله، وربما ليوقف إجراءات كانت في طريقها إلى التنفيذ، ومن هنا جاء التسرع في نشر الفيديو بهذا المستوى التقني الرديء.
أما من الناحية الصحية فقد ظهر تبون متعبا، هزيلا، فاقدا للحركة تقريبا. كان جالسا لأنه لا يستطيع أن يقف بسبب الفترة الطويلة التي قضاها في الإنعاش الذي أجهده وأدى إلى ما يسمى بضمور العضلات. كما أن صوته ظهر مرتجفا وضعيفا جراء التنفس الاصطناعي الذي خضع له. وتحدث أطباء عن وجود شق بالقصبة الهوائية، لذلك تمت تغطية رقبته بسترة رغم وجود التدفئة في الغرفة. وسبب ذلك حسب أطباء كثيرين المحافظة على الفم والحنجرة والحبال الصوتية وإدخال الأجهزة الطبية مباشرة منها دون المرور على الفم.
ولاحظ الأطباء أيضا أن عين الرئيس اليسرى جافة وتومض بشكل يدل على أن التخدير قد أضر بجسده كثيرا.
يتساءل الجزائريون اليوم عن قدرة تبون على مواصلة مشواره الرئاسي ويعتبر الكثير منهم أنه من المستحيل أن يعود إلى حالته الصحية السابقة، وبين هذا وذاك تبقى بلدهم في صحة غير جيدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. ولم يكن ظهور تبون مطمئنا بل كان مقلقا أكثر. والخوف أن تدشن فترة تجاذبات واضطرابات جديدة في وقت أشد ما تحتاج إليه الجزائر هو الوضوح والشفافية.