تجنيد 3500 من شباب تندوف واللواء إسماعلي يشكل حكومته العسكرية
بقلم: الفاضل الرقيبي
لم يعد تسارع الأحداث في المنطقة، منذ إعادة فتح معبر الكركرات، يوم 13 نونبر الماضي، يتيح للجزائر مزيدا من الوقت لترتيب الوضع الداخلي في المخيمات، التي جرها غالي وزبانيته إلى مربع أحرج الدولة الحاضنة، وأدخلها في أتون صراع الأجنحة. فكل المؤشرات تؤكد أن شنقريحة عازم على مباشرة الأمور بنفسه، تفاديا لانفلات الأمور من بين يدي الجزائر، التي أنفقت الأموال الطائلة، وباتت مصالحها على كف عفريت، وهي التي لا تزال تصارع تداعيات الحراك الشعبي الذي عصف بكل مخططات الالتفاف على إرادته. فالمخابرات الجزائرية لم تكن تعتقد أن الانقسامات في صفوف قيادات “بوليساريو” ستصل إلى مستوى من التناحر أدى إلى تشكل جبهات معارضة للقرارات والتعليمات التي تصدر عن الجهات العليا المكلفة بإدارة الملف الصحراوي في الجزائر، مثل الـDSS وقطاع استعلامات الناحية الثالثة، الذي نشر عناصره في المخيمات الخمسة، وأعلن حالة من الطوارئ القصوى ظهرت جليا في الرابوني، الذي تم تقسيمه إلى ثلاثة قطاعات، تتحكم في كل منها مجموعة من الأمن الجزائري.
وهكذا، بات القطاع الشرقي، الذي يضم مقر زعيم الجبهة، والتلفزيون، والإذاعة، ومركز إقامة الأجانب، المعروف باسم (التشريفات)، تحت أعين ذراع من المخابرات الجزائرية، التي نشرت سيارات بنية اللون تحمل ترقيم 17، وهي سيارات تابعة لسرية مقر القيادة العامة لقطاع العمليات بتندوف. أما القطاع الشمالي، الذي يضم ما يسمى الداخلية، والدفاع، ومعسكرات الناحية السادسة، والهلال الأحمر، ومخازن غوث اللاجئين، فقد وضع تحت سيطرة سيارت “تويوتا” التابعة لمكتب الاتصالات “السكتور”، بينما تنتشر سيارات الصحة العسكرية الجزائرية في القطاع الغربي، وهي سيارات كانت في محيط المستشفى الميداني، الذي تم تشييده منتصف أبريل، غرب الربواني، بدعوى محاربة وباء كورونا، قبل أن يتحول إلى قاعدة استعلامات وإسناد لمركز “الغزواني”، الذي كانت تتمركز فيه عناصر من الأمن العسكري الجزائري، منذ سنوات، حين كان “ولد اعكيك” يتولى أمن المخيمات.
كما باشرت السلطات العسكرية بتندوف منع إصدار أذونات الخروج من المخيمات باتجاه باقي الولايات الجزائرية، ونشرت عناصر الأمن العسكري بشكل واضح للعيان بمحيط مقر قيادة الرابوني، وبعض المراكز الحيوية في المخيم، كمقر الأمن والدفاع و”الوزارة الأولى”، التي تبعد عن الرابوني بحوالي ثلاثة كيلومترات جنوبا.
ولتعزيز قبضتها على المخيمات، وبسط سيطرتها على كل ما يدور بالمنطقة العازلة من الصحراء، عمد جنرالات الجزائر إلى تجنيد حوالي 3500 شاب من المخيمات، خصوصا بعض الجامعيين، إذ يعكفون على تدريبهم، منذ مطلع هذا الشهر، بقواعدها العسكرية، بعد أن تم تقسيمهم على وحدات مختلفة التخصصات في أفق خلق ذراع مسلح مستعد لتنفيذ تعليمات وأجندات ضباط بن عكنون في المخيم، مستلهمين ذلك من تجربة محمد حمدان حميتي، قائد ميليشيا الدعم السريع بالسودان.
ويشاع أن هؤلاء الشباب سيتبعون مباشرة للواء إسماعلي، قائد الناحية العسكرية الثالثة الجزائرية، وسيتكفل بدفع أجورهم وامتيازات أخرى، إذ سيعاملون تماما كجنود جزائريين، وهو ما يفسر التهافت من قبل شباب المخيمات على الالتحاق بمراكز التدريب العسكري للهروب من شبح البطالة، والفقر الضارب في مخيمات تندوف.
تأتي كل هذه الإجراءات إثر فشل زعيم الجبهة في لم شمل الإخوة الأعداء على طاولة مكتب الأمانة، والذين تعمقت الصراعات بينهم بسبب تغول بعضهم، وإمعانهم في نهب المساعدات الإنسانية والتنافس على المواقع، التي رسخت منطق الترضيات والريع، خصوصا أن “غويلي” وجد فيها مخرجا عبر تكثير التمثيليات والمناصب، من أجل إسكات المتصارعين حوله. ولعل ذهاب عبد الله لحبيب البلال والبطيل إلى الجزائر لدق ناقوس الخطر، واستقبالهما ببن عكنون، جعل المخابرات العسكرية تتدخل لفرض عقد جلسة عاجلة لأمانة التنظيم، إذ كُلف المصطفى سيد البشير بإحضار البشير مصطفى السيد من منطقة وين تركت، بينما تكفل عبد الله لحبيب بإقناع محمد الوالي أعكيك وولد البوهالي بحضور الجلسة، التي يبدو أن الجزائر تحتاجها إعلاميا، لتسويق صورة التوافق والإجماع بين فرقاء الصف الأول من قيادة الجبهة، قبل أن تفرض “حكومة” جديدة، بمعايير ومقاسات جزائرية خالصة، يكون عدد أعضائها محدودا، ليسهل ضبط مجريات الأمور بطريقة تجنب شنقريحة أي انفلات غير مطلوب في هذا الوقت الحساس وتمكنه من إعادة “بوليساريو” إلى المسار الذي أنشئت لأجله، بعد سنوات من التيه والفساد السياسي والإداري والعسكري.
أما المخيمات الخمسة، التي يوجد بها المدنيون، فقد باتت تحت رحمة وحدات حرس الحدود الجزائري، التي تقف على مشارفها، وتضبط المرور في ما بينها، مع وجود دوريات راجلة في الليل. يبقى أن شرطة “بوليساريو” لاتزال تدير الأمن داخل كل مخيم، على حدة، بتنسيق مباشر مع المخابرات الجزائرية، بعد أن سوقت الجبهة، عبر دعايتها الداخلية، أن القوات الجزائرية توجد في الأماكن المحاذية للمخيم، نظرا لوجود معلومات عن نية المغرب استهدافه خلال الأيام المقبلة. وهو أمر عززته أجهزة الجبهة الأمنية، من خلال تسريب إشاعات حول حرق بعض الخيام، ورمي الأعلام المغربية بين جنبات مخيم السمارة وأوسرد، لتسويق دعاية وجود خلايا مغربية مندسة بين سكان المخيم، استعدادا لشن حملة شعواء ضد كل من تسول له نفسه انتقادها، في هذه المرحلة المفصلية التي يمر منها ملف الصحراء، في ظل الضربة القاصمة التي تلقتها “بوليساريو” وراعيتها، بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، وتأكيدها أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والأوحد. فالجزائر لا تريد أن تخرج من نزاع الصحراء بخفي حنين، وهو ما يبرر مسارعتها إلى التحكم في هياكل الجبهة وتسييرها بشكل مباشر، بعدما أدركت أن تطورات الملف تسير في اتجاه الحسم ضد مصالحها.