التطبيع امتداد لعلاقة قديمة بين المغرب ويهوده

الحبيب الاسود

على عكس النظرة الضيقة من أن التقارب الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل سينهي دعم الرباط للقضية الفلسطينية، فإن لدى بعض المراقبين قناعة بأن هذه الخطوة هي امتداد لعلاقة وطيدة رسخها المغرب منذ القدم ضمن سياسة التعايش السلمي، وأنها ستفتح أبواب السلام في المنطقة، وسيكون لليهود من أصول مغربية دور فاعل خاصة وأنهم من أكثر الفاعلين في المشهد السياسي الإسرائيلي.

تونس- لم يجانب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الحقيقة عندما قال في مقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية إن “للمغرب تاريخا مهما مع الطائفة اليهودية.. تاريخا خاصا في العالم العربي، فالملك محمد السادس والملوك السابقون، بينهم الملك الحسن الثاني، كانوا يحترمون اليهود ويحمونهم والعلاقات بين المغرب واليهود كانت علاقات مميزة لا يمكن إيجاد مثيل لها في أي بلد عربي آخر”.

هذا الكلام أشار إليه الحاخام الإسرائيلي من أصول مغربية شلومو ميارا في كتابه “ملوك الفضيلة والرحمة”، الذي ينقل فيه للعالم طريقة المغرب في التعاطي مع اليهود، مع نقل نماذج للتعايش الذي اعتبره سلوكا لا يخضع لقوانين وإنما قرار داخلي نابع من طبيعة الشخصية المغربية، التي احتضنت الوجود اليهودي منذ ثلاثة آلاف سنة، مؤكدا أنه ككل اليهود المغاربة “جسدهم في إسرائيل وقلبهم في المغرب”.

وفي الوقت الذي شدد فيه الملك محمد السادس على أن موقف بلاده ثابت من القضية الفلسطينية وأنها تدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، يرى مراقبون أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل قادر على فتح طريق السلام نظرا للطبيعة الرمزية للرباط لدى اليهود المنحدرين منها والذين يحتلون مكانة مهمة في سلم القرار السياسي والأمني والاستراتيجي في إسرائيل.

جذور تاريخية

الحاخام الإسرائيلي من أصول مغربية شلومو ميارا نقل في كتابه «ملوك الفضيلة والرحمة» طريقة المغرب في التعاطي مع اليهود إذ اعتبرها سلوكا لا يخضع لقوانين، بل قرار نابع من طبيعة الدولة التي احتضنتهم منذ ثلاثة آلاف سنة

الخميس الماضي، أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس في بيان عن عزم بلاده تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب بعد وقت وجيز من إعلان الولايات المتحدة التوصل لعقد اتفاق بين إسرائيل والمغرب لتطبيع علاقاتهما، ما يجعل المغرب رابع دولة عربية تنحي جانبا معاداة إسرائيل خلال الأشهر الأربعة الماضية.

ولم تكن هذه الخطوة إلا انسجاما مع الاستراتيجية الأميركية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنها في نفس الوقت تعطي دفعا قويا للرباط من أجل إبراز دورها في تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين واليهود في البلاد على امتداد قرون متتالية.

وباستعراض أكثر من 40 ألف وثيقة تتضمن صورا ورسائل وشهادات باللغة العبرية والفرنسية والعربية تؤرخ لدور سلاطين المغرب في توفير الحماية لليهود ونشر فكر السلام والتعايش، أصدر ميارا كتابه، وأهدى منه نسخة للملك محمد السادس خلال زيارته في يناير الماضي إلى بيت الذاكرة بمدينة الصويرة.

وبيت الذاكرة عبارة عن متحف يهودي تم تأسيسه ضمن المبادرات الملكية لتوثيق التراث اليهودي وترميم مقابر أو أحياء “ملاحات” يهودية تاريخية، انسجاما مع ما ينص عليه الدستور المغربي المعدل سنة 2011 من أن المكون العبري ضمن روافد الهوية الوطنية.

وكان أندريه أزولاي، وهو مستشار الملك محمد السادس والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة -موكادور، قد أكد أن دار الذاكرة “تشهد على فترة عاش فيها الإسلام واليهودية في ظل تقارب وانسجام استثنائيين وأردنا أن نستنطق تراثنا ونحمي ما كان يمثل مظاهر فن العيش المشترك في إطار الاحترام المتبادل”.

وينظر اليهود المغاربة أو من أصل مغربي باحترام كبير للملوك العلويين، ومن بينهم الملك الراحل محمد الخامس، الذي كان له موقف شجاع إزاء قوانين حكومة فيشي، ما ساهم في إنقاذ حياة نحو 250 ألف يهودي مغربي من اضطهاد وهمجية ألمانيا النازية.

اليهود المنحدرين من أصول مغربية والذين هاجروا إلى دول أخرى مثل فرنسا وكندا والولايات المتحدة وإسبانيا لا يزالون على صلة وطيدة ثقافيا وروحيا واجتماعيا بالمغرب

ويؤكد الكاتب الفرنسي غيوم جوبان على الموقف الثابت للملك محمد السادس ضد القوانين المعادية للسامية والعنصرية التي سعى نظام فيشي الذي كان آنذاك خاضعا للاحتلال النازي، تطبيقها بالمغرب إبان فترة الحماية، ورفضه لكل أشكال التمييز والتفرقة بين رعاياه، بصرف النظر عن عقيدتهم أو ديانتهم.

وما يعزز ذلك أن بيت الذاكرة أبرم في نوفمبر الماضي، اتفاق شراكة بين كل من وزارة التعليم ومركز الدراسات والأبحاث حول القانون العبري في المغرب وجمعية الصويرة- موكادور، بهدف تعزيز قيم التسامح والتعايش في المدارس والجامعات المغربية.

وقبل ذلك، بعث سام بنشريتي رئيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة في يناير العام الماضي، برسالة إلى وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، يطالبها فيها بالكف عن محاولات استخلاص أموال من المغرب بدعوى “طرد اليهود والاحتفاظ بممتلكاتهم”، ووصف ادعاءات طرد اليهود من المغرب والاستيلاء على ممتلكاتهم بأنها غير صحيحة.

محرك مهم للسلام

مليون إسرائيلي ونصف حكومة نتنياهو من أصول مغربية

يعتقد الكثير من المراقبين أن بإمكان يهود المغرب أن يساهموا بدور كبير في إرساء السلام بمنطقة الشرق الأوسط، خصوصا إذا تم إقناعهم بهذا الدور، مثلهم مثل يهود الدول العربية الأخرى ممن باتوا يمثلون مكونا مهما داخل إسرائيل، لاسيما في حالة إعادة إدماجهم ثقافيا على الأقل في مجتمعاتهم الأصلية.

ويعمل المغرب، التي زارها خلال العام الماضي ما لا يقل عن خمسين ألف يهودي، وهذا الرقم يرجح أن يتضاعف عدة مرات بعد فتح خطوط مباشرة للطيران بين البلدين، بالفعل على هذه النقطة من أجل تحقيقها.

وبعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوصل إلى اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والمغرب، رحب وزير الدفاع بيني غانتس بالخطوة، قائلا إنها “فرصة لترسيخ علاقة لسنوات عديدة، وشراكة تاريخية ثرية ومجيدة بين الشعبين، والتي ستصبح الآن رسمية”.

ورغم أنه لم يعد هناك بالمغرب إلا قرابة 4 آلاف يهودي من بينهم 3 آلاف في الدار البيضاء وحدها، لكن اليهود المنحدرين من أصول مغربية والذين هاجروا إلى دول أخرى مثل فرنسا وكندا والولايات المتحدة وإسبانيا لا يزالون على صلة وطيدة ثقافيا وروحيا واجتماعيا بالمغرب.

ينظر اليهود المغاربة أو من أصل مغربي باحترام كبير للملوك العلويين، ومن بينهم الملك الراحل محمد الخامس، الذي كان له موقف شجاع إزاء قوانين حكومة فيشي

ويوجد حاليا داخل إسرائيل نحو مليون يهودي من أصول مغربية، حيث أنه بين كل تسعة إسرائيليين يوجد مغربي على الأقل، وفق بعض الإحصائيات، ويعد اليهود من أصول مغربية من أكثر الفاعلين في المشهد السياسي الإسرائيلي ما جعل ثلث أعضاء الحكومة الإسرائيلية مغاربة.

ومن بين هؤلاء وزير الداخلية آرييه مخلوف درعي ورئيس حزب شاس وهو من مواليد مدينة مكناس، وقد علق عقب إعلان تطبيع العلاقات “نحن الذين ولدنا في المغرب، نحن وشعب المغرب في جميع أنحاء العالم، ننتظر هذا اليوم طويلا”.

كما أن ميراف كوهين عضو في الكنيست عن حزب أزرق أبيض، مولدة في القدس من أبويين مغربيين تتقلد منصب وزيرة المساواة الاجتماعية في حكومة نتنياهو، فضلا عن وزيرة المواصلات ميري ريغيف، التي غردت على تويتر تقول “لقد حلمت أجيال من اليهود المغاربة بالسلام مع البلد الذي ولدوا فيه وحيث جذورنا الثقافية متأصلة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: