تعكس تصريحات رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد، التي عبر فيها عن قلق بلاده الكبير من تواصل تحويل مبالغ مالية كبيرة للإرهابيين على حدود بلاده، حجم الشرخ الذي أحدثته صفقة الرعية الفرنسية صوفي بترونين في العلاقات الجزائرية – الفرنسية.
وجراد ليس أول مسؤول سام في الدولة الجزائرية ينتقد هذه الصفقة، حيث سبقه في ذلك قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة الذي كان قد استنكر في وقت سابق الصفقة الفرنسية في مالي، والتي كرست نظام الفدية الذي ترفضه الجزائر بدعوى توفير مصادر تمويل للجماعات الجهادية في المنطقة.
واستنكر جراد في كلمة له أمام الدورة الاستثنائية الـ14 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي حول مبادرة “إسكات البنادق” هذه الصفقة التي أفضت إلى انتشار العشرات من الإرهابيين على الشريط الحدودي الجنوبي، ومنهم جزائريون سلموا أنفسهم للسلطات المختصة.
وهذا الموقف كان محل إجماع بين المؤسسات الرسمية وقوى سياسية، خاصة منها الموالية للسلطة على غرار الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، وحركة البناء الوطني الإخوانية التي شاركت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمرشحها عبدالقادر بن قرينة، الذي حذر في تصريح له مما أسماه بـ”التداعيات الخطيرة للصفقة”.
ورغم التقارب الدبلوماسي المسجل في العلاقات الجزائرية – الفرنسية، خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن إبرام باريس للصفقة المذكورة بعيدا عن رأي الجزائر، ألحق ضررا كبيرا، ولا يستبعد أن يتسبب في فتور جديد، في ظل موجة الانتقادات الرسمية والسياسية الجزائرية لفرنسا بسببها.
وتعمل الدبلوماسية الجزائرية منذ سنوات في المحافل الدولية على تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، باعتبارها إحدى الأوراق الرابحة في يد الجهاديين لضمان مصادر تمويل يتم من خلالها تعزيز قدراتهم والتزود بأسلحة جديدة، تتحول في نهاية المطاف إلى آلات موت للأبرياء.
رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد قلق من تواصل تحويل مبالغ كبيرة للإرهابيين على حدود بلاده
غير أن صفقة صوفي بترونين، التي تتضارب الروايات بشأن قيمتها المالية، بين من يقول عشرة ملايين دولار ومن يقول ثلاثين مليون دولار، بحسب إفادة قدمها عضو ممن أطلق سراحهم رفقة 200 آخرين من العناصر الجهادية مقابل إطلاق خمسة رعايا وسياسي من جنسية مالية، لا زالت تلقي بظلالها على علاقات التعاون بين الجزائر وفرنسا خاصة في المجالين الأمني والعسكري.
وتسعى باريس منذ سنوات إلى سحب البساط من تحت أقدام الجزائر في المنطقة، حيث تؤدي دورا اتسم بتنافيه مع المصالح الجزائرية في عمقها الجنوبي، كتشكيل قوة أفريقية لمحاربة الإرهاب في الساحل والصحراء دون إشراك الجزائر في الملف، رغم دورها ومكانتها الإستراتيجية ورصيدها في مجال الحرب على الإرهاب.
وتَجسد انزعاج الجزائر في تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش ورئيس الوزراء، في أكثر من مناسبة، حول استنكار وتنديد بلادهما بالصفقة التي توجت بدفع فدية ستكون بمثابة ثروة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة إياد غالي، كما تسمح للعناصر المستفيدة من الإفراج بالعودة إلى النشاط على الشريط الحدودي بين الجزائر ومالي.
وتبذل الجزائر جهودا مضنية في الحرب على الإرهاب، لاسيما على الحدود، التي باتت مصدر قلق حقيقي نظرا لطولها (حوالي ستة آلاف كيلومتر)، ووجود توترات أمنية في ليبيا ومالي، يمكن أن تتسلل إلى ترابها، وهو ما كلفها حشد إمكانيات ضخمة لفائدة وزارة الدفاع الوطني خلال السنوات الأخيرة وصلت إلى حد رصد مبلغ 17 مليار دولار العام 2013، وهو رقم غير متاح حاليا بسبب الأزمة الاقتصادية وتلبية حاجيات الجيش بالوسائل والمعدات المتطورة لرصد الحركة على الأرض.
ورغم نفي باريس على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، في تصريحه الأخير لمجلة “جون أفريك” دفع أي فدية للجماعة الإرهابية المذكورة، في إطار ما يروج له في بعض الدوائر حول صفقة صوفي بترونين، إلا أن الإفادات التي أدلت بها عناصر إرهابية تحمل الجنسية الجزائرية حول تضارب الروايات حول مبلغ الصفقة، تؤكد أن فرنسا قد دفعت ولو عبر وسطاء لدرء الشبهات حسب متابعين للملف.