قبل أن تستفيق البوليساريو من الإعلان الأميركي الداعم لمغربية الصحراء، جاء الإعلان الفرنسي عن اعتبار “خطة الحكم الذاتي المغربية أساسا لمحادثات جادة وذات مصداقية” ليزيد من عزلة الجبهة الانفصالية وداعمتها الجزائر.
وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول بأن فرنسا “تؤيد حلا سياسيا عادلا ودائما ومقبولا من الطرفين، ومتوافقا مع قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة”.
وقالت المتحدثة الفرنسية إنه “على ضوء هذا الرؤية، تعتبر فرنسا خطة الحكم الذاتي المغربية أساسا لمحادثات جادة وذات مصداقية”.
ومن شأن الموقف الفرنسي القوي أن يربك البوليساريو التي باتت في وضع صعب على ضوء التغييرات في المواقع الدولية الداعمة للمغرب.
وقالت مصادر سياسية إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء ينسف كافة السيناريوهات في الجزائر بخصوص أي فرصة لإنشاء دويلة البوليساريو في الجنوب.
وأشارت إلى أن القرار الأميركي ينقل حل القضية من بعده الإقليمي البعيد عن الأضواء إلى بعده الدولي الواسع، وهو ما قد يسرّع دائرة الاعتراف بمغربية الصحراء لتشمل دولا أخرى ذات وزن دولي.
وفيما باتت مقاربة الحل المغربي هي الأكثر مقبولية دوليا، بعد فتح سلسلة من القنصليات في الأقاليم الجنوبية، ستجد جبهة البوليساريو الانفصالية نفسها في مأزق أكبر خاصة مع التأثير الكبير الذي سيُحْدثه الاعتراف الأميركي في الدعم الجزائري.
وفقدت الجزائر تأثيرها داخل الاتحاد الأفريقي بسبب قضية الصحراء بعد أن نجح المغرب في حشد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، وكانت آخر الضربات التي تلقاها الموقف الجزائري من جنوب أفريقيا الذي رفض محاولات سحب الملف من الأمم المتحدة وإعادته إلى الاتحاد الأفريقي.
ومن شأن الفشل الدبلوماسي الجزائري في ملف الصحراء أن يزيد الضغوط على المؤسسة العسكرية في الجزائر التي تمسك بالملف وترفض الانتقادات الموجهة لها بسببه، خاصة أن البلاد تعيش على وقع أزمة اقتصادية حادة في ظل تراجع أسعار النفط ومخلفات أزمة كورونا.
ويقول مراقبون إن الدعم الأميركي لموقف المغرب كشف حجم الورطة في الجزائر، فملف البوليساريو سيتحول إلى ورقة ضغط داخلي؛ ذلك أنه ملف فساد كبير تتربح منه دوائر متنفذة في البلاد وفي الحركة الانفصالية التي تعيش عناصرها في بذخ على عكس مخيمات تندوف.
في المقابل يعيش الجزائريون على وقع أزمة اجتماعية مع تراجع الإنفاق الحكومي على توفير الرفاه الذي تعودوا عليه، لكن السلطات تستمر في الإنفاق على البوليساريو وعلى شراء الأسلحة، وهو أمر كان بالإمكان تجنبه لو رفعت البلاد يدها عن الجبهة الانفصالية وتوقفت عن الانخراط في صراع خاسر مسبقا.
ويشير المراقبون إلى أن مخيمات تندوف صارت قضية بلا بداية أو نهاية بالنسبة إلى الجزائر، فلا هي قادرة على الاستمرار في الإنفاق على سكان المخيمات وتوفير الضروريات مثل المواد الغذائية والخدمات الصحية، ولا هي قادرة على وقف احتجازهم رهينة لشعارات الجبهة الانفصالية.
وتحولت المخيمات في السنوات الأخيرة إلى نقطة مرور للتهريب والإرهاب، وهو ما بات يهدد أمن الجزائر مثلما يهدد أمن دول جنوب الصحراء.
وقالت مصادر دبلوماسية مغربية إن افتتاح الولايات المتحدة قنصلية بمدينة الداخلة سيكون مدخلا لتوسيع الدور الأميركي الداعم للمغرب ليشمل الاستثمارات والمشاريع التي تعتزم واشنطن إقامتها في الأقاليم الجنوبية، وتأكيدا ميدانيا على السيادة القانونية والسياسية المغربية على كافة التراب الوطني.
وبعد انقضاء ثلاثة عقود على سريان الهدنة بين المغرب والبوليساريو، عزز الجيش المغربي قواته وقدراته التكنولوجية بمساعدة أميركية. وهو يتفاوض الآن مع واشنطن بشأن شراء طائرات مسيرة جديدة.
وشدد محمد بودن، الأكاديمي والمحلل السياسي المغربي، في تصريح لـه ، على أن قرار واشنطن يضع جبهة البوليساريو وداعمتها الجزائر في عزلة دولية، خاصة بعد تغير المواقف عربيا ودوليا إزاء قضية الصحراء، بينما سيراكم المغرب، الذي يعتمد على نهج دبلوماسي ومنظم، المزيد من الانتصارات في قضيته الأولى.
ومن جهته أكد هشام معتضد، المحلل السياسي المغربي المقيم بكندا، في تصريح لـه أن الموقف الأميركي الداعم للمغرب سيقود إلى انهيار الأطروحة المفبركة لأيديولوجيا جبهة البوليساريو التي كانت وما زالت تسوّق لمغالطات تاريخية بخصوص الملف.
وأربك قرار ترامب جبهة البوليساريو التي أصدرت بيان تنديد اعتبرت فيه أن القرار “لا يغير في أي شيء من الطبيعة القانونية للقضية”، وأنه يعتبر “خرقا سافرا لميثاق الأمم المتحدة (…) ويعرقل مجهودات المجتمع الدولي الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع”.