النائب الثاني لرئيس الحكومة الإسبانية، بابلو إغليسياس، لن يسافر أخيرًا مع رئيس حكومة بلاده، بيدرو سانشيز، إلى القمة الثنائية في المغرب، المقررة في الـ17 ديسمبر الجاري، والتي ستكون محدودة أكثر من المناسبات الأخرى بسبب وباء فيروس «كورونا». وعلى الرغم من أن مصادر مقربة من إغليسياس قد أكدت أن نائب الرئيس سيكون جزءًا من الوفد الإسباني الذي سيسافر إلى الرباط، فإن مصادر من الحكومة أشارت إلى أنه من غير المتوقع أن يحضر القمة، حسب ما تناقلته وسائل إعلام إسبانية.
عذر واهٍ
إغليسياس، زعيم حزب «بوديموس» الذي يوصف بكونه مزعجًا للمغرب بسبب موقفه الداعم لجبهة البوليساريو، سيعوّض في الوفد الإسباني بالقمة المذكورة برفيقته في الحزب، وزيرة العمل، يولاندا دياز.
المصادر الإسبانية أوضحت أنه بسبب الإجراءات الاحترازية المفروضة من قبل السلطات المغربية، سيكون الوفد الإسباني أقل عددًا مما كان عليه في الاجتماعات السابقة رفيعة المستوى.
وتقول الصحافية الإسبانية صونيا مورينو إن «دور بابلو إغليسياس داخلي، وبصفته نائب رئيس الحكومة الإسبانية، يمكنه السفر إلى الخارج ليحل محل الرئيس بيدرو سانشيز، كما فعل لأول مرة برفقة الملك فيليب السادس ووزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا، في حفل تنصيب لويس ارسي رئيسًا لبوليفيا».
وهي ترى أن «التعليل في الوضع الوبائي الذي خفض بسببه الوفد الإسباني من عدد الوزراء الذين سيرافقون سانشيز، عذر واهٍ لا معنى له».
وتشير إلى أن تقدم وزيرة العمل لائحة الوفد المرافق لسانشيز مرده أنه «يتعين عليها رفقة نظيرها المغربي إغلاق العديد من الاتفاقيات؛ كتلك المتعلقة بالعمال المعينين في البلد الأصل، كما هو الحال بالنسبة للعاملات الموسميات في حقول هويلبا».
«لا يبدو سفر إغليسياس ضمن الوفد الإسباني إلى الرباط هو السيناريو الأنسب لإنجاح القمة، وفق ما تراه المتحدثة، لأن كلاً من إغليسياس وحزبه السياسي، لا يحبهما المغرب بسبب سلسلة من القضايا التي يدافعون عنها، والتي تخص برنامجهم السياسي، مثل الدفاع عن إجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء المغربية».
على وجه التحديد، تقول المصادر، إن الوزراء الذين سيوقعون سلسلة من الاتفاقيات مع نظرائهم المغاربة هم الذين سيرافقون سانشيز فقط، وأن النائب الثاني للرئيس لن يكون من بينهم. في هذا السياق، ستكون وزيرة العمل جزءًا من الوفد الذي يرأسه سانشيز.
إغليسياس متشبث بموقف مثير للجدل بشأن الوضع في الصحراء. لكن المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، ماريا خيسوس مونتيرو، تؤكد أن المغرب لم ينقل للحكومة «أي نوع من الانزعاج أو الأسف» بشأن تصريحات إغليسياس. كما سبق لوزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون، أرانشا غونزاليس لايا، أن أكدت أن موقف مملكة إسبانيا من قضية الصحراء «يظل دائمًا دون تغيير» لأن الأمر يتعلق بـ «سياسة دولة» موضحة أن موقف بلادها يتمثل في «الدعم الكامل والمطلق» للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حتى يتمكن من «ضمان الحفاظ على وقف إطلاق النار» في الصحراء، والدفع بـ«المفاوضات السياسية التي تسمح بالتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه، عادل ودائم، طبقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة».
ورغم هذه المواقف، فإن العلاقة بين الرباط ومدريد تعتمد، وفق ما يراه المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق على الدول وليس على رأي الأحزاب «باعتبار أن موقف الدولة الرسمي هو الذي يُعتد به، أما موقف الأحزاب المشكّلة للحكومة فيبقى موقفها في إطار حرية تعبيرها، لكن المغرب كدولة يعتمد على قرار الدولة الإسبانية».
وبخصوص موقف «بوديموس» من قضية الصحراء، يعتبر لزرق أن «الحزب اليساري يناصر البوليساريو، نظراً لاعتبارات أيديولوجية التي تجمعهما، أكثر من الاعتبارات التي تركز على واقع الحال». ويضيف أستاذ القانون الدستوري في جامعة «ابن طفيل» في مدينة القنيطرة المغربية، أن هذه الحركات «ما زالت رهينة لتكييفات قانونية ولّى عليها الزمن وخضعت لمجموعة من المتغيرات؛ فحق تقرير المصير لا يعني حاليًا الانفصال، فهو يعني تقرير المصير الاقتصادي والديموقراطي، وحتى البيئة الدولية تسعى للاندماج والتكامل بدل الانفصال».
ولا تستبعد الحكومة الإسبانية أن يستقبل العاهل المغربي محمد السادس، رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، وهو أمر لا يظهر على جدول الأعمال في الوقت الحالي.وسيلتقي سانشيز ورئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني في الرباط، مع عدد من وزرائهما، في وقت تتزايد فيه ضغوط الهجرة غير النظامية على جزر الكناري كواحدة من القضايا ذات الأولوية، وذلك بعد مرور أكثر من خمس سنوات دون تنظيم قمة ثنائية بين الرباط ومدريد.
ورغم أهمية هذه القمة بالنسبة للبلدين، فإن غياب زعيم حزب «بوديموس» سرق الأضواء وأخذ حيزًا كبيرًا في لدى وسائل الإعلام، التي ذهب بعضها إلى اعتبار الغياب «تضحية من سانشيز بحليفه في الحكومة ارضاءً للرباط».
وفي تعليقه على عدم حضور بابلو إغليسياس إلى القمة المغربية الإسبانية، يؤكد الكاتب الصحافي إغناسيو ثيمبريرو، أنه «قبل أسبوع كان من المقرر أن يتوجه بابلو إغليسياس إلى القمة السابعة عشرة في المغرب، والآن تم تقليص حجم الوفد الإسباني الذي يسافر إلى الرباط ولم يعد إغليسياس جزءًا منه». ويشير إلى أن هذه هي «الرواية الرسمية التي يتم تقديمها في مدريد» مضيفًا: «لمرة واحدة، أصدّق ذلك».
ثيمبريرو، الخبير الإسباني في قضايا المغرب ومؤلف كتاب «الجيران البعيدون.. أسرار الأزمة بين أسبانيا والمغرب» يرى أنه لو رافق بابلو إغليسياس رئيس حكومة بلاده إلى الرباط، لكانت السلطات المغربية ستعاملهم معاملة حسنة؛ ولكان سيتوقف عن الإدلاء بتصريحات مزعجة للمغرب.
العلاقة بين مدريد والرباط
العلاقات بين إسبانيا والمغرب تعززت منذ أن أطلقت الرباط العنان للأزمة في جزيرة «ليلى» (بيريجيل) عام 2002 ومنذ عام 2012 أصبحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للرباط، كما يعتبر المغرب أول زبون لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ويشكل المغاربة أكبر مجموعة من الأجانب المقيمين في إسبانيا، حيث يبلغ عددهم ما يقرب من مليون شخص، إذا ما تم أخذ الجنسية المزدوجة في الاعتبار، كما يوجد في المغرب أكبر شبكة لمعهد «سرفانتيس».
كما أن هناك نوعين من التوصيلات البحرية التي تربط الشبكات الكهربائية لكلا البلدين. وأثناء زيارة الدولة التي قام بها قادة إسبانيا إلى الرباط، تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتركيب «كابل» ثالث. وكما هو الحال في جميع مذكرات التفاهم، لا يوجد التزام قانوني يلتزم به أي من الطرفين، لكن الذين وقعوا الاتفاقية في ذلك الوقت يقدرون أنه في غضون خمس سنوات سيكون «الكابل» الثالث حقيقة واقعية.
كما أن السياح الإسبان هم الأكثر عددًا في المغرب، بعد الفرنسيين فقط، وسافر 900 ألف سائح مغربي في 2018 إلى إسبانيا، مقارنة بـ700 ألف إسباني وصلوا إلى المغرب.
وقبل عام 2018 اعتادت حوالي 5000 امرأة مغربية عبور المضيق للعمل موقتًا في حصاد الفراولة والفواكه الحمراء؛ لمدة عامين، وزاد عددهن حتى وصل إلى 15 ألفًا في السنة. وفي عام 1988 تم توقيع اتفاقية صيد الأسماك بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والتي يتم تمديدها منذ ذلك الحين. وتم الاتفاق على التمديد الأخير العام الماضي، وسيكون ساري المفعول حتى عام 2023 وهو ما تستفيد منه حوالي ثلاثين سفينة صيد إسبانية.
وفيما يتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب، عادة ما تكون المعلومات شديدة السيولة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالهجرة غير النظامية، كانت هناك دائمًا تقلبات، فمن وقت لآخر، يزداد التدفق من الساحل المغربي. وتطالب إسبانيا بمزيد من التعاون، فيما يطالب المغرب بمزيد من الدعم من لدن الاتحاد الأوروبي لاحتواء تدفقات المهاجرين.
مذكرة تفاهم
وتعمل الحكومة الإسبانية بدورها كمتحدثة باسم المصالح المغربية في بروكسل، ولكن توقف تدفق الوافدين بأعداد كبيرة لا يتوقف سوى بضعة أشهر حتى يزيد مرة أخرى، وفق الأرقام الرسمية. وفي الوقت الحالي، تعتبر قضية الهجرة غير النظامية هي القضية المعلقة بين البلدين، والتي تؤثر بشكل كبير على إسبانيا، تحديدًا جزر الكناري، فأكثر من نصف الـ20 ألف مهاجر الذين وصلوا إلى الأرخبيل الكناري هذا العام؛ هم مغاربة. ولمكافحة الهجرة غير النظامية، تتفاوض الحكومتان للتوقيع في القمة الثنائية المقبلة على مذكرة تفاهم بشأن إدماج المهاجرين في البلدان المضيفة، وأخرى بشأن حركات الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية.
كما تشكل سبتة ومليلية دائمًا أساس الحسابات المعلقة الخاصة بالبلدين؛ فالمغرب لا يتطرق رسميًا إلى ما تسمّيه الصحافة المغربية دائمًا بـ«الثغور المحتلة» أو «المدن المحتلة» وفي الوقت الحالي، ليستا على جدول الأعمال، ولكن الدبلوماسية الإسبانية حريصة للغاية على تجنب أي بادرة قد تثير رد فعل سيئ في الرباط. وهكذا، يلاحظ ـ مثلًا ـ أن سبتة ومليلية استُثنيتا من الزيارات الملكية الإسبانية التي نُظّمتْ إلى المدن المتمتعة بالحكم الذاتي لدعم السكان الإسبان في خضم جائحة كورونا.