سجال متصاعد بين دعاة تنفيذ عقوبة الإعدام ورافضيها في الجزائر

صابر بليدي

تصاعد الجدل الحقوقي في الجزائر بشأن فرضية العودة إلى تنفيذ أحكام الإعدام بذريعة ردع الجريمة المتفاقمة حيث تعمقت الانقسامات حول الآليات الكفيلة بالتوفيق بين محاربة الجريمة واحترام حقوق الإنسان.

وفيما تجاهر الدوائر الرسمية في البلاد تدريجيا بالعودة إلى تنفيذ أحكام الإعدام، لا يتوانى محامون ومنظمات حقوقية في التحذير من التراجع عما تحقق في مجال الحقوق.

وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان المقرب من السلطة بوزيد لزهاري، في ندوة صحافية عقدها الخميس بالعاصمة، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بأنه “لا يوجد أي قانون يمنع من تطبيق حكم الإعدام، وأن بلاده علقت تنفيذ هذا الحكم كالتزام أخلاقي وقعته مع الأمم المتحدة ،لكن ليس هناك أي قانون يمنعها من ذلك”.

يعود توقيف العمل بتنفيذ أحكام الإعدام إلى العام 1993، بعد موجة من الاتهامات المحلية والدولية للسلطة بتوظيف القرار لتصفية معارضين سياسيين لها

وأضاف “هذا الحكم يجب أن يقتصر فقط على الجرائم الخطيرة” وهو ما يعزز موقف الدوائر القانونية والتشريعية الرسمية، التي أزعجها تفاقم الجريمة في المجتمع على غرار الاغتصاب والاختطاف وقتل الأطفال والعنف ضد المرأة، مما يعتبر تمهيدا للعودة إلى تنفيذ الأحكام المعطلة في البلاد منذ العام 1993.

وأخذ الحديث عن العودة لتنفيذ هذه الأحكام البلاد منحى تصاعديا خلال الأسابيع الأخيرة، وبعدا سياسيا بعدما دخلت مؤسسات رسمية وناشطون حقوقيون ومحامون على خط السجال، بين داعم للطرح على خلفية الجرائم المروعة المرتكبة في المجتمع، وبين المدافعين عن حقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي انخرطت فيها الجزائر قبل ذلك.

ودرءا لأي استنكار محتمل لقرار مرتقب في هذا المجال، حاول المتحدث التوفيق بين توجهات السلطة للعودة بالعمل بأحكام الإعدام، وبين التزامات بلاده بالاتفاقيات والمواثيق الدولية، من خلال العودة إلى مضامين الوثيقة الدستورية الجديدة التي تنتظر تصديق الرئيس عبدالمجيد تبون، الغائب عن البلاد منذ الـ28 أكتوبر الماضي بسبب وعكة صحية.

فاروق قسنطيني: من المستبعد تنفيذ الإعدام لأن ذلك سيمس بسمعة الجزائر 

وقال لزهاري “إن التعديل الدستوري تضمن فقرة جديدة في ديباجته تخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر”.

وأضاف “المادة الـ40 في التعديل الدستوري الأخير، مثال في ترقية حقوق الإنسان بالجزائر، حيث  تنص على أن الدولة ملزمة بمكافحة ومحاربة العنف ضد المرأة، والتكفل بالمعنفات منهن، وتوفير لهن الوسائل الصحية والاجتماعية، وتقديم المساعدة القضائية المجانية لهن، فضلا عن إنشاء مراكز لاستقبالهن وعدم تركهن في الشارع، وهو ما يكرس الإرادة السياسية القوية لترقية حقوق الإنسان في الجزائر”.

وشدد لزهاري على أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرحب بمساهمات المجتمع المدني في ترقية حقوق الإنسان والاستعداد لاستقبال الشكاوى والمقترحات حول قوانين يجب تعديلها، وسنكون على استعداد للتحرك وفق ما ينص عليه القانون، وسنطلب من السلطات تعديل هذه القوانين”.

وكان وزير العدل حافظ الأختام بلقاسم زغماتي، قد رافع أمام نواب البرلمان لصالح عودة تنفيذ أحكام الإعدام، من أجل “ردع الجريمة المتفاقمة” في المجتمع، خاصة بعدما أخذت بعدا ترويعيا في المدة الأخيرة، وصار الاختطاف والاغتصاب وقتل الأطفال والعنف ضد المرأة ظاهرة متداولة بكثرة.

وذكر زغماتي حينها “نشرع بعقوبة الإعدام (موجودة في القانون) ولا تتفاجأوا في حال تطبيق هذه العقوبة في المستقبل إذا اقتضى الأمر، لأن هناك نقاشا على المستويين الوطني والدولي بين فريقي التأييد والرفض لعودة تطبيق عقوبة الإعدام”.

وأضاف “الجزائر دولة ذات سيادة وحرة في تطبيق عقوبة الإعدام ولا يوجد أي مانع محلي أو عالمي في ذلك” ما يؤكد عزم السلطة على العودة إليها، رغم المقاومة والرفض المسجل في الدوائر الحقوقية ولدى ناشطين ومحامين.

ولفت المتحدث إلى أن بلاده، “لم توقع أو تصادق على أي اتفاقية دولية تمنع اللجوء إلى تطبيق عقوبة الإعدام، وإذا اقتضى الأمر سيتم تطبيقها”.

تعمق الانقسامات حول الآليات الكفيلة بالتوفيق بين محاربة الجريمة واحترام حقوق الإنسان

ويعود توقيف العمل بتنفيذ أحكام الإعدام إلى العام 1993، بعد موجة من الاتهامات المحلية والدولية للسلطة بتوظيف القرار لتصفية معارضين سياسيين لها، بعدما أصدرت آنذاك محاكم خاصة أحكاما بالإعدام في حق نحو ألف من مناضلي وأنصار جبهة الإنقاذ الإسلامية.

وفي المقابل استبعد المحامي والرئيس السابق للهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان فاروق قسنطيني، أن تتجه الجزائر إلى “إنزال عقوبة السجن المؤبد في حق المتورطين في الجرائم المذكورة، أو تطبيق عقوبة الإعدام على المدانين فيها، لأن ذلك سيمس بسمعة الجزائر أمام المجتمع الدولي، خاصة وأن الدستور الجديد خصص مجالا واسعا لحقوق الإنسان وترقيتها، وفي مقدمتها الحق في الحياة الذي يعد حقا مقدسا”.

واستند المتحدث في قراءته على دعوة الرئيس عبدالمجيد تبون، في أحد مجالس الوزراء، إلى “إصدار تشريع خاص يعالج ظاهرة اختطاف الأشخاص بشكل منعزل عن القوانين السارية المفعول، ويفرض أقصى العقوبات ومنع تخفيفها أو إصدار عفو بشأنها مهما كانت الأسباب والخلفيات”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: