يصدق جزء كبير من سكان العالم المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة حول فايروس كورونا، وساهم نقص المعلومات الموثوقة بشأن اللقاح والدعاية لصالح اللقاح في بعض الدول والدعاية المضادة في دول أخرى، في تفشي الشائعات والأخبار الكاذبة حوله، وهو ما زاد من عدم الثقة في التلقيح.
تصاعدت الشائعات والتلاعب بالمعلومات ونظريات المؤامرة حول لقاح كورونا مع إعلان الحكومات حول العالم تاريخ البدء بتعميمه، وتغذت الأخبار الكاذبة حوله من الخوف من المجهول، باعتبار كوفيد – 19 مرضا جديدا وما تزال الأبحاث العلمية المواكبة له مستمرة، مما يربك الناس ويجعلهم يصدقون أي شيء ينشر بهذا الخصوص.
ومع وصول أول جرعة من اللقاح الصيني إلى المغرب مطلع ديسمبر الجاري، باتت الأخبار الكاذبة أكثر كثافة، وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حملة سخرية وتشكيك في فعالية اللقاح تزعم أن “اللقاح الصيني أثبت عدم نجاعته في بلدان مثل البرازيل” وأن الهدف منه هو “هلاك المواطنين وليس العكس”.
ونفت الحكومة هذه المزاعم، ودعت إلى “التحلي بالحيطة والحذر من انتشار عدد من الأخبار الزائفة مجهولة المصدر، وأن يضع المواطنون الثقة في الجهات الرسمية التي تقدم معلومات مضبوطة”.
وأفاد الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع، أحمد المتمسك، أن المواطن لا يشك في موثوقية اللقاح نفسه، غير أنه يعيش حالة القلق والخوف التي كانت مصاحبة للفايروس منذ البداية. وقال “إنها مسألة تواصل موثوق ومعلومات موثوقة”.
وأكد المتمسك في تصريح لمجلة (BAB) المغربية، أن “المواطن المغربي أصبح تحت رحمة التضليل في عصر الأخبار الكاذبة. ويجب التحقق من جميع المعلومات حتى لا نكون هدفا سهلا للتلاعب. وفي غياب المعلومات الموثوقة، تنتشر الشائعات والأخبار الزائفة لتملأ الفراغ الحاصل”.
ويصدق جزء كبير من سكان العالم المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة حول كوفيد – 19، مما يزيد من عدم الثقة في التلقيح، بحسب دراسة أجرتها مجلة “الجمعية الملكية للعلوم” البريطانية.
وأظهرت الدراسة أن الكثيرين يعتقدون أن هناك صلة واضحة بين الإيمان بنظريات المؤامرة وعدم الثقة في أي لقاح مستقبلي.
ولعبت المصالح السياسية بين الدول دورا كبيرا في تغذية الأخبار الكاذبة منذ بدء انتشار الفايروس، فلم يقتصر التضليل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل انتقل إلى وسائل الإعلام من خلال تصريحات السياسيين والاتهامات المتبادلة بين الدول بالمسؤولية عن انتشار الفايروس، وانخرطت بها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وانحازت دول مؤيدة لهذه الدول وروجت وسائل الإعلام لمواقف الدول الحليفة لحكوماتها بهذا الشأن.
وانسحب الأمر نفسه على اللقاح وباتت المعلومات غير المؤكدة والشائعات أدوات حرب تجارية بين الدول للترويج للقاح الذي تنتجه، ففي أغسطس الماضي قدمت وسائل الإعلام الروسية أخبار إنتاج لقاح محلي على أنها خرق وتقدم كبير في مجال مكافحة فايروس كورونا.
وسلطت التقارير التي بُثّت على التلفزيون العام الرسمي، الضوء على ما وصفته بسلامة “الاختراع الروسي” وركزت على تعليقات تشبّه هذا الإنجاز بوضع الاتحاد السوفييتي سبوتنيك (أول قمر اصطناعي) في مداره في الفضاء.
كما أشارت القنوات التلفزيونية الحكومية إلى شكوك دول الغرب بشأن عدم وجود اختبارات كافية لفعالية وسلامة اللقاح، لكنها سرعان ما رفضت هذه المخاوف ووصمتها بأنها “غيرة” و”هجمات إعلامية” على روسيا.
وتجاهلت وسائل الإعلام الروسية المخاوف التي أبداها العلماء بشأن الطرح المبكر للقاح الروسي، المتعلقة بنقص النتائج المنشورة عن التجارب الروسية بما في ذلك البيانات المتعلقة بالسلامة.
وأكدت دراسات عديدة أن الأخبار الكاذبة، بما فيها المعلومات الخاطئة والنصائح غير السليمة على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تجعل انتشار الأمراض أسوأ.
أحمد المتمسك: في غياب المعلومات الموثوقة، تنتشر الأخبار الزائفة والشائعات لتملأ الفراغ الحاصل، إنها مسألة تواصل موثوق
وفي تحليل لمدى تأثير المعلومات الخاطئة، قال علماء بجامعة إيست أنجليا “يو.إي.أي” البريطانية إن أي جهود تنجح في منع الناس من نشر أخبار كاذبة يمكن أن تسهم في إنقاذ أرواح.
وقال بول هنتر أستاذ الطب بجامعة “يو.إي.أي” وأحد قادة فريق البحث “المعلومات المغلوطة تعني إمكانية انتشار النصائح الخاطئة بسرعة شديدة، وهي يمكن أن تغير السلوك البشري بما يفتح المجال أمام مخاطر أكبر”.
وأضاف “الأخبار الكاذبة تُختلق دون اكتراث بالدقة وتقوم غالبا على نظرية المؤامرة”.
وقد اغتنم معارضو اللقاحات نقص التواصل حول هذا اللقاح الغامض الذي يتم تداول القليل من المعلومات حوله، مما فسح مجالا أمام الشكوك واللّايقين، خصوصا مع اختلاف آراء الأطباء المتخصصين بشأنه.
وبحسب المتمسك، فإن إغراق المواطنين المغاربة بكم هائل من المعلومات يشكل مدخلا أساسيا لإضعافهم، مضيفا أن هذا “التشبع مرتبط بتناقل المعلومات المضللة من قبل أناس يعبرون عن أفكارهم بحرية على شبكات التواصل الاجتماعي، ويقدمون أنفسهم كأساتذة ومتخصصين، دون إعطاء وسائل للتحقق من منشوراتهم”.
وأضاف “مهما كانت الأسباب الكامنة وراء هذا الشك، فإننا مدعوون إلى العمل بشكل عاجل على تقديم اللقاح باعتباره الوسيلة الوحيدة الفعالة للقضاء على هذا الفايروس”.
ومن هذه الزاوية، يرى الباحث في علم الاجتماع أن المغرب لم يستعد بما فيه الكفاية لوصول لقاح محتمل، مؤكدا في الآن نفسه “يجب أن نتواصل، ونوضح الغرض من استخدام هذا اللقاح، ومكوناته، وخصائصه، وتأثيراته المحتملة… وهذا ما يسمى بالتواصل إبان الأزمات، أي جعل الحقيقة تتحدث لإسكات الأكاذيب، وتهدئة النفوس”.
ويدفع نقص التواصل المواطنين إلى البحث عن المعلومات في أماكن أخرى. وأوضح المتمسك “لدينا متخصصون ومؤهلات لتنوير الرأي العام حول هذا الموضوع”، داعيا إلى إنشاء هيئة إعلامية ذات مصداقية.
وأشار إلى أن هذه “الرداءة التواصلية” تهدد بالإضرار بالجهود التي بذلها المغرب منذ تفشي الوباء”.