أكذوبة التدخل الخارجي في الجزائر

حميد زناز

كانت فكرة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر فزّاعة سهلة الاستعمال يرفعها النظام دائما كستار للتغطية على الوضعية السيئة العامة التي يعيشها الجزائريون، جراء غياب دولة القانون والمساواة والتنمية الحقيقية.

منذ استقلال الجزائر عام 1962 وهي، إن صدقنا الخطاب الرسمي، مستهدفة من قوى الشر العالمي المتمثلة في الإمبريالية، والاستعمار الجديد، والرأسمالية المتوحشة وغيرها من الغيلان. فكأن لا أمر يشغل الآخر في الخارج، حسب ذلك الخطاب الدعائي المتواصل، سوى التربص بالجزائر والوقوف أمام تقدمها وتحرّرها.

وفي وقت أصبح كل شيء فيه مكشوفا من خلال شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتدفق المعلومات وسهولة البحث والتدقيق، لا تزال السلطة في الجزائر تمارس نفس الدعاية والتضليل والمراوغة، من خلال صحفها وقنواتها العمومية والخاصة ومواقعها الإلكترونية المتكاثرة، والتي تشكل في النهاية إعلاما واحدا برؤوس متعددة.

تدرك السلطة وأحزابها ومنظماتها في الجزائر كل هذا، ولكنها تستغل عواطف الناس الوطنية الصادقة من أجل حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم الأساسية

القرار الطارئ، غير الملزم، الذي تبناه  البرلمان الأوروبي مؤخرا وانتقد فيه نواب أوروبيون تدهور حقوق الإنسان في الجزائر، استثار الإعلام الرسمي وكتبت وكالة الأنباء الجزائرية مقالا مطولا، لم تقدم فيه مضمون الخبر، بل اكتفت بمهاجمة البرلمان الأوروبي تحت عنوان “لائحة البرلمان الأوروبي: إدانة التدخل السافر في الشؤون الداخلية”.

وكما هو متوقع جمعت الوكالة آراء رؤساء الأحزاب السياسية الموالية للسلطة ليهاجموا الإدانة البرلمانية الأوروبية، بدل مناقشة الوضع الحقوقي الجزائري المزري الذي كان سبب تلك الإدانة.

وردّد الجميع نفس الأسطوانة، التي ملّ الجزائريون سماعها “التدخل السافر في الشؤون الداخلية للجزائر، ممارسات هجينة تهدف إلى خلق الفتنة والفوضى، الخوض في مواضيع سيادية لا تخص سوى الجزائريين الاستفزاز الصارخ للشعب الجزائري، رفض الشعب لكل الأجندات الخارجية والتمسك دوما بهويته وثوابته، تحامل لوبيات حاقدة على الجزائر..”.

وكما يقول المثل الجزائري “المندبة كبيرة والميت فأر”، فهل يتحامل نواب البرلمان الأوروبي على الجزائر حينما يتبنون للمرة الثانية في غضون سنة قرارا طارئا ينتقد تدهور حقوق الإنسان في هذا البلد؟ هل يعبث البرلمانيون الأوروبيون بمصداقيتهم وهم يمثلون ضمير الشعوب الأوروبية؟ ينبغي أن يكون المرء جاهلا بالمواثيق الدولية، وبأمور البرلمان الأوروبي، وعقود الشراكة بين الدول والهيئات، لكي يؤمن بما يردّده مروجو نظرية المؤامرة والاستعداء. ما هي النجاحات التي حققتها الجزائر كي يتآمر عليها الغير؟ ألا يتفق معظم الجزائريين على أن لا شيء يسير على ما يرام في بلدهم؟

من يستطيع أن ينكر اليوم أن في الجزائر تشديدا على حرية التعبير، وفرضا للرقابة على البرامج التلفزيونية والإذاعية، واعتقالا ومضايقة للصحافيين وللمسؤولين الإعلاميين والمتظاهرين، ومن يعبّرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي؟

كيف يمكن نكران ما يحدث وفي أقل من أسبوع من صدور القرار حجبت السلطات مجموعة من المواقع الإخبارية الإلكترونية، ثم عادت ورفعت الحجب عنها في اليوم التالي؟ ألا يدل ذلك على تسيير عبثي ارتجالي للمجال الإعلامي؟

أدان القرار، الذي جرت المصادقة عليه من قبل 669 نائبا ومعارضة 3 نواب فقط، أي بالأغلبية الساحقة لأعضاء البرلمان الأوروبي، قمع نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين، وتشديد الخناق الأمني على الحريات. واقترحت القرار  ست مجموعات سياسية من أصل سبع، وفي هذا إشارة واضحة إلى اتفاق برلماني أوروبي واسع.

لا تزال السلطة في الجزائر تمارس نفس الدعاية والتضليل والمراوغة، من خلال صحفها وقنواتها العمومية والخاصة ومواقعها الإلكترونية المتكاثرة

وليس هذا فحسب، بل اعتبرت 16 منظمة من منظمات المجتمع المدني الوطني والدولي القرار خطوة ضرورية جاءت في وقتها المناسب، لمواجهة حملة القمع المتصاعدة ضد المجتمع المدني والنشطاء السلميين والصحافيين والفنانين. ومن بين تلك المنظمات، منظمة العمل من أجل التغيير والديمقراطية في الجزائر، ومنظمة العفو الدولية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، والكنفيدرالية العامة المستقلة للعمال في الجزائر…

تناسى ناقدو اللائحة أنه بموجب المادتين 3.5 و21.1 من معاهدة الاتحاد الأوروبي والمادة 2 من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء وضع حقوق الإنسان، بما تتضمنه من احترام للاتفاقيات الدولية، في قلب تعاونهم الجماعي والثنائي مع الجزائر، التي صادقت على اتفاقية الشراكة المذكورة يوم 30 أبريل 2005. وهي آلية تعاقدية تلزم الجزائر بالسماح للاتحاد بمراقبة وضع حقوق الإنسان فيها. كما أن هناك آليات غير تعاقدية ملزمة للدولة إذا تعلق الأمر بحقوق الإنسان بمجرد أن تكون عضوا في الأمم المتحدة.

تدرك السلطة وأحزابها ومنظماتها في الجزائر كل هذا، ولكنها تستغل عواطف الناس الوطنية الصادقة من أجل حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم الأساسية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: