تعتقد الزوجة المتخاصمة مع زوجها أن مغادرة المنزل واللجوء إلى بيت أهلها هما الحل المناسب لحل الأزمة بينهما، وتتخذ هذه الوسيلة لجعل زوجها يخضع لمطالبها بسبب عدم تحمله لبعدها عنه، إلا أن النتيجة غالبا تأتي عكسية وتؤدي إلى تفاقم المشكلات وقد يتعنت الزوج أمام هذا التصرف ويرفض عودتها إلى المنزل من جديد وتكون النتيجة هي الانفصال.
ترى الكثير من الزوجات إن لم يكن أغلبهن أن مغادرة المنزل بعد الخلافات الزوجية هو أمر حتمي ويعتبرنه وسيلة ضغط يستعملنه ضد الأزواج، إلا أن هذه الوسيلة قد تكون نتائجها وخيمة وعواقبها سلبية بسبب التصعيد الذي تشهده العلاقة بعد تدخل الأهل في هذه الخلافات.
ويرى البعض أن الزوجة التي تهجر بيتها بعد الخلافات مع زوجها وتذهب إلى بيت أهلها هي زوجة فاشلة في تدبير أمورها الأسرية، وفي مقابل ذلك تتمالك بعض الزوجات أنفسهن ويقررن عدم الخروج من المنزل باعتباره مكانهن الطبيعي ومملكتهن الخاصة، وباتخاذ هذا القرار تصبح الزوجة في موقف قوة لا ضعف يمكنها من القدرة على حل مشكلاتها الزوجية بنفسها دون طلب المساعدة من أطراف خارجية قد تكون مضار تدخلاتها أكثر من منافعها.
وأكد استشاريو العلاقات الأسرية أن عدم ترك الزوجة لمنزلها بعد أي خلاف مع زوجها وإصرارها على البقاء خاصة في وجود أبناء لا يعتبر ضعفا منها وخضوعا بل هو على العكس من ذلك يضعها في مركز قوة ويمكنها من الحفاظ على حقوقها في منزل ساهمت في تأسيسه وضحت من أجله كثيرا وتعتبر فيه الركيزة الأساسية.
ظاهرة غير صحية
وقال أحمد ، متزوج منذ أكثر من 20 سنة وله 3 أطفال، إنه اتفق مع زوجته منذ ارتباطهما بألا تغادر المنزل مهما بلغت حدة الخلافات بينهما، حيث أنه يرى أن هذا التصرف سوف يفاقم الخلافات بينهما نظرا إلى تدخل أطراف أخرى فيها.
وأضاف أن خروج المرأة من منزلها سيجعلها تعتاد على الأمر، مشيرا إلى أنه لا ضير أن يبقى الزوجان على خلاف فترة من الزمن في منزلهما، لأنه في النهاية سيحل هذا الخلاف دون أن تتوسع المشكلة وتأخذ منحى تصاعديا.
وأفادت أحلام ، متزوجة وأم لطفلين، أنها في بداية حياتها الزوجية وبعد أول خلاف بينها وبين زوجها قررت مغادرة المنزل والذهاب إلى بيت أهلها الذين شجعوها على عدم العودة وفي المقابل رفض زوجها المجيء لإعادتها إلى المنزل وواجهت الكثير من الضغوط النفسية، ولولا نصيحة إحدى قريباتها بضرورة العودة لمنزلها لكان الانفصال نتيجة طبيعية لغضبها.
وأشارت موضحة أنها منذ ذلك الوقت تغير أسلوبها في فض خلافاتها مع زوجها وأصبحت لا تفكر أبدا في ترك المنزل بعد كل خلاف، كما أنها باتت ترى أن المنزل من حقها، وإن كان هناك طرف يجب أن يغادر المنزل فهو زوجها، ووجدت أن اتباع هذا الأسلوب جعل فض الخلافات بينها وبين زوجها أيسر.
ونبه المختصون إلى أن عادة ترك المنزل بعد الخلافات الزوجية متبعة من قبل الكثير من النساء وأقلية منهن من تقرر عدم الخروج من منزلها مهما بلغت حدة هذه الخلافات. وأكدوا أن مغادرة المنزل بعد الخلاف مع الزوج تكاد تكون مقتصرة في المجتمعات العربية على النساء، حيث أنه من المتعارف عليه أن المرأة هي التي تغضب وتذهب إلى بيت أهلها لأن البيت ليس ملكا لها في أغلب الأحيان.
ويرى الدكتور مجدي أنور اختصاصي الاستشارات الأسرية وتعديل السلوك أن نتائج مغادرة الزوجة المنزل بعد خلافها مع زوجها تتوقف على شخصية الزوج.
وأوضح قائلا “ترك الزوجة لمنزلها بعد خلافها معه قد يكون حلا مناسبا لأن الزوج في بعض الأوقات يكون متسلطا ويحتاج إلى بعدها عنه فيقدر قيمة وجودها إلى جانبه، إلا أنه في أحيان أخرى يزيد من المشكلة وقد يؤدي إلى طريق مسدود ويوصد جميع أبواب الصلح”.
ويتفق أخصائيو العلاقات الأسرية على أن هذا الأسلوب المتبع من قبل الكثير من الزوجات يعتبر ظاهرة غير صحية على الإطلاق خاصة عند تدخل الأهل بشكل سلبي، مما يزيد الأمر سوءا نظرا إلى أنهم يدينون الزوج في أغلب الأوقات، مشددين على ضرورة أن يكون حل المشكلات الزوجية داخل البيت.
سلوك تنفيسي
وقال الدكتور الطيب الطويلي المختص في علم الاجتماع “تعتبر الخلافات والخصومات الزوجية أمرا عاديا ومتواترا داخل مختلف الأسر، ولكن يتخذ الخلاف أشكالا خطيرة عندما يتطور إلى استخدام شتى أشكال العنف الرمزي أو اللفظي وخاصة عندما يتم استعمال العنف المادي ضد المرأة”.
وأكد الطويلي أن فترة الحجر الصحي التي فرضها تفشي فايروس كورونا كشفت تضاعف حالات العنف الأسري لما يقارب ثماني مرات في أقل من شهرين، وهو ما عاود طرح الإشكاليات العويصة التي تعيشها الأسر تحت سقف واحد، والتي تلقي بكاهلها على التنشئة الاجتماعية للأطفال.
وتابع موضحا أن السلوك العدواني الممارس من الذكر تجاه الأنثى يرجع إلى الموروث الثقافي بكل عناصره ومضامينه والذي يشجع المرأة على الرضوخ إلى العنف، وعلى قبول أفضلية الذكر وسطوته، ويؤسس للهيمنة الذكورية.
وأضاف أن هذه الهيمنة لا تقوم على العنف المادي فحسب، وإنما على العنف الرمزي الذي يقوم على الرمز والثقافة ووسائل التواصل. وتساهم في إعادة إنتاج التصورات الموروثة عن الأنثى عبر الأجيال ويؤسس للتمييز الرمزي بين الذكر والأنثى.
وأفاد أن الزوجة تعتمد غالبا مغادرة بيت الزوجية كوسيلة للتعبير عن أن العيش مع شريك الحياة صار مستحيلا، وكشكل من أشكال الرفض لعلاقتها الزوجية، وهو إعلان من طرفها وإشهار بأنها استوفت كل الحلول داخل أسرتها وترغب في إخراج المشكلة من الإطار الضيق إلى إطار عائلي ومجتمعي أوسع.
وختم قائلا “لعل مغادرة الزوجة لبيتها تزيد من تفاقم المشكلة”، مشددا على “ضرورة إرساء فكرة أن منزل الزوجية هو أساسا منزل الزوجة وهي عماده الأساسي، وأن مغادرتها له لا تكون إلا إذا كان بقاؤها رفقة زوجها من شأنه أن يمثل خطرا عليها أو يلحق ضررا بها نتيجة الاعتداء عليها بالعنف الجسدي”.
النساء يلجأن للغضب كسلوك نفسي تنفيسي من فترة إلى أخرى، دون أن يلجأن إلى تصعيد الأمر حتى يتجاوز الخطوط الحمراء ويقع الطلاق
وأكد الدكتور إبراهيم الصعيدي أستاذ علم الاجتماع أن النساء يلجأن للغضب كسلوك نفسي تنفيسي من فترة إلى أخرى، دون أن يلجأن إلى تصعيد الأمر حتى يتجاوز الخطوط الحمراء ويقع الطلاق، منبها إلى أن المرأة التي تغادر المنزل عدة مرات في السنة، إنما تقوم في الواقع بعملية تنفيس مقننة لعلاقة زوجية تشوبها الأزمات والاضطرابات.
ولا تنصح خبيرة العلاقات الأسرية لانا محيي أي زوجة بترك بيتها عند خلافها مع الزوج والذهاب لبيت أهلها لأن ذلك القرار يجعلها تندم لعدم توفر سبل الراحة إلا في بيتها الذي يعد مملكتها التي يمكنها أن تعيش فيها بحرية، ودون ضغوط حتى وإن كانت تواجه توترا في علاقتها بشريك حياتها.
وأوضحت أنه على الزوجة أن تبقى في بيتها وتمارس حياتها بشكل طبيعي ويمكن أن يتبع كل من الزوجين أسلوبا مختلفا عن العادة في المعاملة دون اللجوء لمغادرة المنزل، مبينة أنه إن استدعى الأمر فالزوجة هي التي من حقها أن تبقى مع أبنائها وإن أراد الزوج مغادرة المنزل فله ذلك، مؤكدة أن ترك الزوجة لبيتها يعرضها لمضايقات، ويجبرها على تقديم تنازلات للزوج إن قررت العودة وهي في غنى عن ذلك.
وتقول محيي عن تأثير مغادرة الزوجة لمنزلها على رد فعل الزوج إن الأمر في النهاية يتوقف على شخصية كل رجل، فمنهم الرجل ذو الشخصية العنيدة التي ترفض عودتها مرة أخرى طالما أنها خرجت من المنزل، ومنهم من ينظر إلى الأمر على أنه يمس من كرامته، ويصر على عدم السعي لإعادة زوجته للمنزل فكما قررت الذهاب فلها أن تتخذ قرار الرجوع، ومنهم الشخصية العاطفية التي تتراجع عن موقفها ولا تريد وصول الأمر لهذا الحد.
وأضافت أنه في النهاية أكثر الرجال لا يقبلون خروج الزوجة من بيتها، مما يجعل رد فعلهم أقوى مما تتوقعه.
ولفت الخبراء إلى أن هذا التصرف في الأساس مصدره التنشئة الاجتماعية الخاطئة في فترة الطفولة، خصوصا إذا رأى الأبناء أمهم تترك المنزل، فيبقى ذلك عالقا في ذهن الفتاة خصوصا، معتبرة أنه سلوك صحيح.
وأشاروا إلى أن الغضب خارج البيت ليس وسيلة عقاب أو تأديب، وله عواقب سيئة ويزيد من حدة المشكلة ويعطي الفرصة للكثير من الدخلاء الذين يزيدون من تعقيد الخلافات في أغلب الأحيان، منبهين إلى أن الابتعاد عن المشكلة لن يحلها على الإطلاق، كما أنه سيؤدي إلى بيئة غير آمنة ينشأ فيها الأبناء، بالإضافة إلى توسع الخلافات بين العائلات المتصاهرة.