يدفع غياب الرئيس الجزائري لأكثر من شهر عن قصر المرادية، إلى إلقاء المزيد من التراكمات على كاهل المشهد السياسي الجزائري، بشكل أعاد سيناريو الوضع الذي عاشته البلاد قبل تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بتضارب تصورات الخروج من المأزق السياسي المتجدد في البلاد.
وعبّر المرشح الرئاسي السابق ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة عن رفضه لأي مرحلة انتقالية تعيينية، كمخرج للأزمة المذكورة، في سياق الخيارات المتداولة في مختلف الدوائر السياسية، وأبرزها استغلال الظرف الذي أفرزه غياب الرئيس عبدالمجيد تبون بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به منذ أكثر من شهر.
ويتداول الشارع الجزائري عددا من السيناريوهات، أبرزها الذهاب إلى مرحلة انتقالية، أو العمل بالآليات الدستورية المتوفرة في الدستور الحالي، الذي عدله الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وهو ما يكرس برأي متابعين للشأن الجزائري نهاية حقبة تبون قبل موعدها.
وذكر المرشح الرئاسي السابق عبدالقادر بن قرينة، في تغريدة له على حسابه الخاص في فيسبوك، أنه “يرفض أي مرحلة انتقالية تعيينية”، في إشارة إلى ما يتداول حول تشكيل لجنة عقلاء تضع آليات جديدة للخروج من المأزق السياسي، قبل الذهاب إلى انتخابات جديدة أكثر تمثيلية ونزاهة مقارنة بالاستحقاقات السابقة.
وأضاف “أبقى منخرطا في الرواق الدستوري، لأنه هو الطريق الآمن لا محالة للخروج من المأزق المستجد”، في تلميح للذهاب إلى ما تمليه المادة 102 من الدستور الحالي، من خلال إعلان حالة الشغور في رئاسة الجمهورية، وإسناد المهمة مؤقتا لرئيس الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الأمة)، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في غضون الثلاثة أشهر الموالية.
لكنّ مختصين في القانون الدستوري يذهبون إلى أن كل شيء مرتبط بإرادة السلطة الفعلية في البلاد (المؤسسة العسكرية)، لأن الدستور الحالي لا يتضمن آلية التحرك للمبادرة بإثبات حالة الشغور في قصر المرادية، وعليه فإن الوضع يضع البلاد أمام عدة سيناريوهات، كما ذهب إليه الخبير الدستوري رضا دغبار، لما صرّح بأن “السلطة الفعلية هي صاحبة القرار وكل شيء مرتبط بنواياها، فكما يمكن أن توعز للمجلس الدستوري بمباشرة المهمة، يمكن أن تبقي الوضع على حاله ويتكرر معه سيناريو الرئيس السابق بوتفليقة”.
وكان الحاكم السابق لبنك الجزائر حاج ناصر، المحسوب على التيار الإصلاحي في فترة تسعينات القرن الماضي، قد دعا إلى تشكيل لجنة عقلاء تدير مرحلة انتقالية تتم خلالها مراجعة الملفات العالقة، لاسيما الحوار السياسي الشامل وفتح أبواب التواصل مع المعارضة الراديكالية وقوى الحراك الشعبي.
وذهب متابعون للشأن الجزائري إلى أن التصريح السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمجلة “جون أفريك”، حول “استعداده لمساعدة الرئيس عبدالمجيد في هذه المرحلة الانتقالية”، تمهيد لما يتداول حول اتصالات سرية تكون قد أطلقتها السلطة مع شخصيات سياسية مستقلة، على غرار الرئيس السابق اليامين زروال، ورئيس الحكومة مولود حمروش وغيرهما، من أجل إيجاد مخرج للوضع الذي أفرزه غياب الرئيس عن منصبه.
وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت في منتصف الأسبوع الماضي عن “تماثل تبون للشفاء وخروجه من المستشفى، وتواجده في فترة نقاهة يقضيها في ألمانيا، وأن عودته ستكون خلال الأيام القريبة”، لكن لا شيء تأكد إلى حد الآن، الأمر الذي عمق حالة الترقب والشكوك حول مستقبل ومصير السلطة والبلاد معا في ظل هذا الوضع المستجد.
وتنتظر الرئيس الغائب منذ أكثر من شهر عن البلاد، العديد من الملفات التي تنتظر التصديق عليها وفق المقتضيات التي يخولها إياه دستور البلاد، على غرار التوقيع على قانون المالية قبل نهاية الشهر الجاري، وقبل ذلك التصديق على الوثيقة الدستورية، التي يتوجب تصديقها في مهلة لا تتعدى الـ50 يوما ابتداء من تاريخ الاستفتاء.