ارتياح فرنسي للدعم السعودي والإماراتي في مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي
بالرغم من أنها تعرضت إلى حملة كبيرة في الشارع العربي والإسلامي مدعومة بدعوات من الإسلاميين، إلا أن فرنسا تشعر بارتياح كبير في خضم معركتها ضد تيارات الإسلام السياسي بعد أن وجدت دعما كافيا من الإمارات والسعودية اللتين كانتا أول من بادر بتصنيف هذه الجماعات تنظيمات إرهابية.
تواصل فرنسا حملتها ضد جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الموالية لها، وذلك بعد أن حصلت على دعم كاف من العديد من الدول العربية والإسلامية أبرزها الإمارات والسعودية، ما هيّأ لباريس الظروف المواتية للقيام بحملتها.
وبالفعل، تشعر باريس بارتياح في حملتها بعد أن ضمنت دعما سعوديا وإماراتيا لها، والذي تجسد من خلال دعوة هذين البلدين إلى إسلام وسطي معتدل تسيطر عليه الدولة لا جماعات أخرى سياسية يمكن أن تطوعه حسب مصالحها الخاصة.
وتقود فرنسا منذ أيام حملة كبيرة تستهدف 74 مسجدا في سياق محاولاتها لتجفيف منابع التطرف التي تدعمها تنظيمات الإسلام السياسي.
ضغط إماراتي وسعودي
أعادت الهجمات التي عاشت على وقعها فرنسا منذ فترة إلى الواجهة التساؤلات بشأن نشاط جماعات الإسلام السياسي التي نجحت في التسلل إلى قلب أوروبا تحت غطاء جمعياتي وغيره.
ومنذ اغتيال المدرس الفرنسي صامويل باتي في أكتوبر الماضي، دشنت باريس حملتها الكبيرة والتي أدت إلى حظر العديد من المنظمات المدعومة من قبل جهات تؤيد وتوفر دعما ماديا وسياسيا لهذه المنظمات، على غرار تركيا التي تلقت ضربة موجعة بحظر باريس منظمة الذئاب الرمادية.
وذكر جيمس دورسي، الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن هناك ’’بصمة إماراتية في الحملة الفرنسية خاصة أن أبوظبي تتمتع بمزيج من القوة الدينية الناعمة والنفوذ التجاري والاقتصادي، وأبدت أيضا تحمسا كبيرا في سياق مواجهة الإسلام السياسي‘‘.
جيمس دورسي: منحت الإمارات والسعودية ماكرون الضوء الأخضر لمواجهة الإسلاميين
ويرى مراقبون أن الإمارات والسعودية كانتا تضغطان من أجل اتباع فرنسا لسياسة أكثر صرامة تجاه الإسلام السياسي، قبل الحملة التي بدأها الرئيس إيمانويل ماكرون في أعقاب القتل البشع لباتي والهجمات التي أعقبته بما في ذلك الهجوم على كنيسة في نيس.
وتتماشى رؤى باريس مع مواقف أبوظبي والرياض في أكثر من ملف، لاسيما مواجهة الإسلام السياسي المدعوم من تركيا والتي تتعارض مصالحها مع فرنسا في أكثر منطقة على غرار ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
وقال دورسي ’’في الواقع، منحت الإمارات والسعودية ماكرون الضوء الأخضر لفتح مواجهة شاملة ضد تنظيمات الإسلام السياسي وتركيا قبل أكثر من ستة أشهر من الهجمات التي وقعت هذا الخريف‘‘ في الوقت الذي يستعد فيه لانتخابات عام 2022 التي تشارك فيها مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف المعادي للهجرة.
وفي حديثه في مدينة ميلوز الفرنسية في فبراير، وضع الرئيس الفرنسي استراتيجيته لمحاربة الإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان المسلمون والسلفيون الذين يصرون، وفقاً لتصريحاته، على أن تحل الشريعة الإسلامية محل قوانين الجمهورية الفرنسية من أجل تعزيز “الانفصالية الإسلامية” و”التفوق الإسلامي”.
ويبدو أن ماكرون قد اختار بدقة المدينة التي سيعلن من خلالها استراتيجيته لمواجهة ’’الانفصالية الإسلامية‘‘ حيث تمول الكويت وقطر بناء مركز ديني وثقافي إسلامي في ميلوز.
وتقاطع الإمارات والسعودية إلى جانب البحرين ومصر قطر اقتصاديًا ودبلوماسيًا منذ عام 2017، حيث تتهمها هذه الدول بأنها داعمة رئيسية للجماعات الإسلامية.
وبالفعل، تدعم الدوحة جماعات الإسلام السياسي وتوفر لهم حاضنة، كذلك من خلال استضافة يوسف القرضاوي الذي يُعتبر أحد أبرز المؤثرين في جماعة الإخوان المسلمين، وهو الأب الروحي للعديد من الجماعات الإسلامية التي تتصارع في ما بينها.
وقد أعلنت كل من الإمارات والسعودية ومصر تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
ومن جهتها، دخلت النمسا الشهر الماضي على خط المواجهة مع الإسلام السياسي وذلك في أعقاب إطلاق نار في قلب عاصمتها فيينا قتل فيه أربعة أشخاص.
وقال ماكرون في وقت سابق “في الجمهورية لا يمكننا ببساطة تقبل عدم مصافحة مرأة لأنها امرأة. في الجمهورية، لا يمكننا ببساطة تقبل رفض أن يعامل أو يتعلم شخص على يد شخص آخر لمجرد أنها امرأة. في الجمهورية، لا يمكن تقبل ترك المدرسة لأسباب دينية أو عقائدية. في الجمهورية، لا يمكن طلب شهادات عذرية للزواج”.
سياسة إدماج
بالرغم من الطابع الأمني الذي اتخذته مواجهة فرنسا مع جماعات الإسلام السياسي، إلا أن باريس لا تزال تعول على سياسة إدماج المسلمين مدعومة في ذلك أيضا بتأييد إماراتي وسعودي لسياساتها.
وفي هذا الصدد، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في نوفمبر الماضي “الرئيس ماكرون لا يريد أن يرى المسلمين منعزلين في الغرب وهو على حق. يجب أن يتم دمجهم بشكل أفضل في المجتمع. إن الدولة الفرنسية لها الحق في استكشاف سبل من أجل تحقيق ذلك”.
وأشار قرقاش إلى أن الرئيس الفرنسي كان يحث نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، بشكل ودي للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأضاف “لكن على ما يبدو يستعد الرئيس التركي لعقد المفاوضات فقط عندما يرى الخط الأحمر”.
ومن جانبه، أصر محمد العيسى، رئيس رابطة العالم الإسلامي ومقرها السعودية، الشهر الماضي، على أن القانون سيدافع عن العلمانية الفرنسية ضد التطرف الإسلامي.
وفي حديث له في وقت سابق في مؤتمر عن الأديان تم عقده في باريس واستضافته الرابطة، شدد العيسى على أن الدين بحاجة إلى الحماية من الاستغلال السياسي لحماية الشباب من الجماعات المتطرفة.
ويبدو أن الكثير من أفكار ماكرون قد استمدها من المسلمين الفرنسيين الذين يحافظون على اتصال وثيق مع الحكومتين الفرنسية والإماراتية.
ودافع حكيم القروي، المولود في فرنسا وهو ابن عالم أنثروبولوجيا الشريعة الإسلامية وابن شقيق رئيس وزراء تونسي سابق، منذ فترة طويلة عن مفاهيم الإسلام الفرنسي التي تنعكس في تفكير ماكرون.
ويتضمن ذلك وجهة نظر مختلفة عن الإسلام السياسي، وفكرة أن الإسلاميين انفصاليون، والاعتقاد بأن تمويل الشرق الأوسط للتلاعب السياسي بالدين بدلاً من تمويل العوامل المحلية والاقتصادية يشجعان في المقام الأول لدعم الإسلام السياسي.
ويرى القروي وهو مستشار سابق لرئيس الوزراء الفرنسي جان بيير رافاران، ومحاضر جامعي، ومصرفي استثماري، وجغرافي ومؤلف للعديد من التقارير عن الإسلام في فرنسا، الإمارات كنموذج لأفضل الممارسات في مواجهة الإسلام السياسي وتعزيز شكل معتدل للدين.
وترى الإمارات أنه من الضروري إرساء دين إسلامي معتدل تسيطر عليه الدولة درءا لمخاطر التطرف التي قد تتجلى مظاهرها في تسلل منظمات متطرفة وسيطرتها على المساجد وغيرها.
وقال القروي في حوار مع صحيفة إماراتية في عام 2018 “أعتقد أنه يجب على فرنسا والإمارات التعاون بشكل أكبر في الحوار الديني. موقف المسلمين المعتدلين في فرنسا يمكن أن يكون قريباً من موقف هؤلاء في الإمارات”.
وفي تطور موازٍ، رفضت الحكومة البلجيكية، بناءً على نصيحة الأجهزة الأمنية، هذا الشهر طلبًا للاعتراف بالمسجد الكبير الذي كانت تسيطر عليه رابطة العالم الإسلامي في وسط بروكسل كمجتمع ديني.
وقال وزير العدل، فينسينت فان كويكنبورن، إن الطلب رُفض لأن عملاء المخابرات المغربية، المتنافسين على مِلكية تعريف الشكل المعتدل للإسلام في أوروبا وغرب أفريقيا، سيطروا على المسجد في 2018.
وأضاف فان كويكنبورن، مرددًا نهج ماكرون “لا يمكنني ولن أقبل أن الأنظمة الأجنبية تسيطر على الإسلام لدوافع أيديولوجية أو سياسية، وأن تحاول اتخاذ القرار وأن تمنع المسلمين في بلدنا من تطوير إسلامهم التقدمي”.
إلى ذلك، لا تتوقف فرنسا، التي حثت الأوروبيين على مكافحة ’’التطرف الإسلامي‘‘ مرارا، عن طرح مقاربات أخرى لتطويق المتطرفين على غرار الحلول الأمنية.
وتتضمن حملة ماكرون فرض رقابة قانونية أكثر صرامة على المنظمات الإسلامية وتهدف إلى مركزية تشكيل واعتماد القادة المسلمين في البلاد.
ويتهم المنتقدون، بمن فيهم خبراء الأمم المتحدة، قانون الأمن الجديد الذي تم تقديمه في البرلمان بأنه يقوض الحريات الديمقراطية من خلال استهداف المسلمين بشكل ضمني، وأنه يفرض حظراً على التعليم المنزلي وضوابط صارمة على الجمعيات الدينية والرياضية والثقافية، وأنه يدخل درجات من المراقبة والقيود على حرية التعبير.