مفكر مغربي: الإسلام ليس في أزمة بل مشروع ماكرون
محمد بندريس: قال المفكر المغربي محمد طلابي، إن “الإسلام ليس في أزمة كما ادعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعاني أزمة في بنيته المعرفية وفي مشروعه السياسي”.
وأضاف طلابي، أن ماكرون “فشل داخليا في تحقيق التنمية الاقتصادية وخارجيا في صراعه مع تركيا القوية”.
ومطلع الشهر الماضي قال ماكرون في خطاب، إن “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم”، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.
ماكرون يجهل الإسلام
وأوضح طلابي، أن “ماكرون ينتمي لجيل المقاولين وليس المثقفين”.
وأضاف أن الرئيس الفرنسي “أظهر أن ليس لديه رصيد معرفي وثقافي حول الشعوب خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
وأردف طلابي ” لذلك فإن ماكرون يتصرف دون أن يكون له ولاء فكري عميق يستطيع أن يزن به كلماته، وهو على جهل تام بالإسلام كوحي”.
وتابع أن “الإسلام كوحي ليس في أزمة، بالعكس فهو يمتلك كل المقومات والمفاهيم والقيم القادرة على حل مغالق الحضارة العالمية وليس الحضارة الإسلامية فقط، لأنه دين عقل وآدمية وعدل وفطرة وغيرها”.
واعتبر طلابي، أن “ماكرون يجهل تاريخ الإسلام الذي أنتج حضارة إسلامية قادت العالم لأكثر من ثمانية قرون، وأدت إلى توافق تام بين الأعراق والجنسيات، فلم نر صراعا بين مكونات الأمة رغم الاختلاف، لأن الجنسية الأعلى كانت هي الأخوة في الدين”.
وفي 16 أكتوبر الماضي، أعلنت الشرطة الفرنسية أنها قتلت بالرصاص رجلا قالت إنه شيشاني قتل معلما عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه و سلم، في مدرسة بإحدى ضواحي العاصمة باريس.
وردا على الحادث شهدت فرنسا، نشر صور ورسوم أخرى مسيئة للرسول، على واجهات بعض المباني الحكومية، كما زادت الضغوط والمداهمات التي تستهدف منظمات المجتمع المدني الإسلامية بالبلاد، للسبب ذاته.
وفي 21 أكتوبر الماضي قال ماكرون في تصريحات صحفية، إن فرنسا لن تتخلى عن “الرسوم الكاريكاتورية” (المسيئة)، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.
المسلمون والعلمانية في فرنسا
وقال طلابي إن “الإسلام ليس في أزمة، لكن لا يمكن أن نخفي أن المسلمين في أزمة بسبب مدرستين عقديتين انتشرتا وسيطرتا على العالم الإسلامي في القرن العشرين”.
وأوضح أن المدرستين هما ” السلفية الوهابية مع وصول آل سعود للسلطة، والشيعية مع الثورة الإيرانية”.
وأضاف طلابي، أن “هاتين المدرستين المتطرفتين عقيديا وفكريا تعتبران وجه الأزمة لدى المسلمين”، معتبرا أنهما “المصدران الأساسيان لكل التطرف والإرهاب، و الإرهاب المضاد في المنطقة”.
وأشار إلى أن “المدرستين انتشرتا بسرعة بسبب إرهاب الغرب الذي شن علينا (المسلمين) إرهابا أدى إلى إسقاط الخلافة وتفكيك المنطقة، وغرس كيان غريب في البوابة الشرقية وهو الكيان الصهيوني (إسرائيل)، ومازال يشن علينا موجات من العدوان كما حصل في العراق وأفغانستان وفي بقاع أخرى”.
ولفت طلابي، إلى أن “قيم الجمهورية الفرنسية ليست في أزمة، لأن العلمانية التي جاءت بها الثورة الفرنسية أقامت نظاما سياسيا ديمقراطيا أصيلا دون أن تمس الأديان وتركت للناس شعائرهم ودياناتهم”.
وتابع قائلا: “لذلك الأزمة في تقديري تتجلى في عقلية ماكرون نفسه لأنه يريد إعادة تعريف العلمانية بشكل متطرف ومتشدد، عكس العلمانية التي جاءت بها الثورة الفرنسية التي آمنت بالديمقراطية والتعددية الفكرية والدينية وغيرها”.
مشروع ماكرون
واعتبر طلابي، أن “الأزمة الحقيقية تتجلى في المشروع السياسي لماكرون الذي لم يحدث لا تنمية ولا عدل ولا إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين الفرنسيين”.
وقال إن “الدليل هو هزيمته (ماكرون) في الانتخابات البلدية الأخيرة”.
وأضاف طلابي “الأزمة لدى ماكرون لا تتجلى في مشروعه السياسي الداخلي وحده، بل حتى على مستوى العلاقات الدولية”.
واستطرد أن ماكرون “هزم أمام تركيا في شرق المتوسط وليبيا، وفي كثير من الملفات الأخرى، وبالتالي فإن مشروعه السياسي الداخلي والخارجي في أزمة كبيرة”.
خوف ماكرون من تركيا
وحول دواعي حملة ماكرون ضد الإسلام قال طلابي، إن “الهدف منها واضح وهو أنه بعدما خسر الانتخابات المحلية، ومعركته مع تركيا القادمة بقوة بدأ يتملق للتيار المتطرف والفاشي داخل فرنسا لعله يكسب مساحة في الانتخابات المقبلة تبقيه كرئيس دولة”.
وأضاف أن “ماكرون والغرب بشكل عام بدأوا يخافون من عودة الإسلام بثوب ديمقراطي، وهو ما تكرسه تركيا اليوم والتي أصبحت قوة إسلامية كبرى”.
وأردف طلابي “تركيا التي تعود بقوة تحت غطاء أخلاقي إسلامي والتي تستطيع أن تشكل حلفا إسلاميا كبيرا مع باكستان وإندونيسيا وماليزيا تشكل مصدر خوف لفرنسا”.
وتابع، أن “الدليل على ذلك هزيمة فرنسا في الحرب الإلكترونية وفي شرق المتوسط، وتحقيق التقنية العسكرية التركية انتصارات ساحقة في سوريا وليبيا وأذربيجان”.
وشدد طلابي، على أن ” تركيا التي جاءت هذه المرة ملفوفة بحجاب حداثي وهو الديمقراطية الغربية أغضبت ماكرون وأخافته ما قاده إلى غضب غير عاقل، وانتهى به المطاف إلى ارتكاب تلك الأخطاء الفادحة في التعامل مع المسلمين”.
سلاح المقاطعة الاقتصادية
وحول دعوات المقاطعة الاقتصادية لفرنسا في العالم الإسلامي، ضم طلابي صوته لتلك الدعوات قائلا ” إنها سلاح فعال لمواجهة ماكرون”.
وبعد الإساءة الفرنسية للإسلام، أُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.
واعتبر طلابي، أن “تصريحات اكرون الأخيرة لقناة (الجزيرة) القطرية جاء نتيجة الضغط القوي الذي أحدثته موجة المقاطعة الشاملة من جاكارتا في المحيط الهادئ إلى الرباط في المحيط الأطلسي”.
وأضاف “أتمنى أن تكون بداية خروجه من الغضب غير العاقل إلى الرشد السياسي في التعامل مع المسلمين داخل فرنسا ومع رموز الإسلام على الصعيد الدولي”.
وشدد طلابي، على أنه “لا يمكن قبول جرح كرامتنا في نبينا، الرجل العظيم الذي قال عنه أكبر فلاسفة الغرب إنه لو كان في القرن العشرين لحل كل معضلات القرن”.
وأعرب ماكرون، في تصريحات لقناة الجزيرة أخيرا، عن “تفهمه” لمشاعر المسلمين إزاء الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (ص)، دون أن يعلن صراحة رفضه الإساءة للإسلام.
وأضاف ماكرون: “أعتقد أن ردود الفعل (تجاه الإساءة الفرنسية للإسلام) كان مردها أكاذيب وتحريف كلامي، ولأن الناس فهموا أنني مؤيد للرسوم الكاريكاتورية”.
موقف المغرب حازم
وتعليقا على الموقف المغربي من الإساءة الفرنسية للإسلام، قال طلابي “أشيد بموقف الخارجية المغربية الذي جاء قويا جدا ويتوافق مع نبض الشارع المغربي والإسلامي”.
وأضاف طلابي “موقف المغرب كان قويا وحازما ومهما جدا إلى جانب مواقف تركيا وباكستان وماليزيا”.
وفي 25 أكتوبر، أدان المغرب، “الإمعان” في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام وللرسول و”التي تعكس غياب النضج لدى مقترفيها”.
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية، اعتبر أنه “لا يمكن لحرية التعبير، لأي سبب من الأسباب، أن تبرر الاستفزاز والتهجم المسيء للديانة الإسلامية التي يدين بها أكثر من ملياري شخص في العالم”.
يذكر أن طلابي هو الآن عضو في حركة (التوحيد والإصلاح) الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) بعد أن تخلى عن عضوية مكتبها التنفيذي ليفرغ للعمل الفكري.
كما تقلد طلابي مهاما عديدة منها مدير تحرير مجلة “الفرقان” المغربية، وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان (منظمة مدنية)، وعضو المؤتمر القومي الإسلامي وعضو المكتب الدائم للمنتدى العالمي للوسطية.
ولطلابي عدة مؤلفات من بينها “تقرير في نقد العقل السياسي المغربي الرسمي والمعارض”و، و”معشر الاشتراكيين مهلاً (مصارحة بقصد المصالحة)”.