تصاعدت الأصوات بشأن تحريم لقاحات كورونا في وقت أظهرت فيه الدول الإسلامية أنها بأمس الحاجة إليها من أجل حماية شعوبها وإعادة تنشيط اقتصاداتها الهشة، فيما يروج رجال دين متطرفون أفكارا متشددة تجاه التطعيم، في محاولة لجعل الرأي العام الإسلامي يلتف حولهم.
ترفع مجاميع سياسية ودينية إسلامية أصواتها مبكرا، في محاولة لتسويغ فكرة مفادها أن اللقاحات الطبية تدخل ضمن المواد المحرمة، نظرا لاحتواتها على مكونات تحرمها الشريعة الإسلامية.
ويثار تحريم بعض اللقاحات من قبل حلقات دينية متشددة ومغالية، بينما تتسابق المراكز الطبية العالمية على إنتاج لقاحات لوباء كوفيد – 19 الذي اجتاح العالم وقتل الملايين وعطل دوران عجلة الاقتصاد.
وسبق أن طالب جوكو ويدودو، رئيس إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بلاده بألا تندفع في الموافقة على استخدام لقاحات فايروس كورونا، مشددا على ضرورة توعية المواطنين بكل تفاصيلها بما في ذلك ما إذا كانت حلالا.
ويدخل تصريح رئيس إندونيسيا اللقاحات التي يترقبها العالم بشدة في “دوامة” الحلال والحرام، رغم أن الأولوية المطلقة للمختبرات العالمية إنقاذ الأرواح والحفاظ على صحة البشر.
وتكمن أهمية تصريح الرئيس الإندونيسي في كونه يرأس أكبر دولة إسلامية، الأمر الذي يشجع الأحزاب الدينية والمنظمات على عدّه وثيقة للاستناد عليها وإثارة اللغط بشأن تحريم اللقاحات.
وقال ويدودو قبل عقد اجتماع مغلق “أطلب ألا يكون هناك اندفاع وراء هذا اللقاح لأن الأمر معقد للغاية”.
وأضاف “أريد ضمان أن يكون هناك استعداد طيب للتواصل مع الجماهير خاصة في ما يتعلق بالحلال والحرام والسعر والجودة”.
ولم يكن تصريح الرئيس الإندونيسي سابقة في هذا الموضوع، فقد سبق وأن أثير الجدل من قبل منظمات إسلامية وجميعات ورجال دين متشددين بشأن الأدوية واللقاحات وتحريمها بالمطلق.
وأثيرت العام الماضي ضجة في بريطانيا بعد منع مجاميع من الأسر المسلمة تلقيح أطفالهم ضد نزلات البرد (الإنفلونزا) في بداية كل عام دراسي لحمايتهم من هذا المرض المعدي الذي ينتشر بكثرة في فصل الشتاء.
إلا أن رفض بعض العائلات المسلمة هذا اللقاح الذي وصفوه بـ”غير الحلال” أثار مخاوف هيئة الصحة في إنجلترا من ارتفاع حالات الإصابة بالإنفلونزا بين أبناء المسلمين الرافضين لهذا اللقاح.
ويتم إعطاء هذا اللقاح عن طريق الأنف على شكل رذاذ للأطفال في المدارس مجاناً ولكبار السن ولكل شخص يرغب في الوقاية من الإنفلونزا عن طريق الحقن.
وزعم بعض الأهالي استنادا إلى فتوى من جمعية إسلامية، أن مكونات هذا اللقاح تحتوي على مادة الجيلاتين المشتقة من الخنزير، مما أثار جدلاً واسعاً بين المسلمين وأوقف بعضهم تلقيح أطفالهم لهذا السبب.
ونشرت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية تقريراً قالت فيه إن المجلس الإسلامي في بريطانيا أصدر بياناً جاء فيه أن “مجموعة من رجال الدين الإسلامي ترى أن اللقاحات التي تدخل فيها مواد مصدرها الخنزير محرمة إلا في حالات الضرورة القصوى التي تنعدم فيها البدائل”.
إلا أن المجلس الإسلامي نفى ذلك، وقال “إن الصحيفة نقلت عن المجلس معلومات مغلوطة، وأن المجلس لم يصدر فتوى في هذا الشأن لأن ذلك من اختصاص رجال الدين الإسلامي”.
ونشر المجلس في موقعه الإلكتروني آراء مجموعة من علماء الدين الذين قالوا “إن اللقاح يحتوي على مادة بورسين، وهي محرمة في الإسلام ويُفضل عدم أخذه ما لم تكن صحة الشخص في خطر ولا توجد بدائل له”.
وأوضح رجال الدين بحسب ما جاء في موقع المجلس “إنهم لم يدعوا إلى رفض اللقاح بشكل تلقائي دون سبب، فالاهتمام بالصحة من أولوياتهم، لكنهم نصحوا المسلمين الذين ينوون أخذه استشارة جهة طبية واتخاذ القرار المناسب لهم”.
وعندما أثير هذا الأمر في أسكتلندا، شمالي المملكة المتحدة، تعاملت الجهات الصحية مع الأمر “بمرونة” ووافقت على تقديم لقاح بديل عن طريق الحقن للأطفال الذين لم يرغب آباؤهم في إعطاء أبنائهم رذاذ الأنف.
وتقدم هيئة الصحة في إنجلترا اللقاح عن طريق الحقن فقط للأطفال المعرضين للخطر، وليس للأصحاء منهم.
واستثمرت دول إسلامية الجدل المتصاعد بشأن تحريم اللقاحات لإنتاج لقاحات حلال.
وأبدت شركات في إندونيسيا وماليزيا استعدادها لإنتاج لقاحات “حلال” لتلبية احتياجات المسلمين الذين يرفضون اللقاحات المصنعة في الدول الأجنبية.
ويُقصد باللقاح “الحلال” الخالي من جيلاتين مصدره الخنزير واستبداله بجيلاتين مصدره البقر على سبيل المثال.
لكن الأطباء يقولون إن ذلك قد يستغرق الكثير من الوقت ويفتح الأبواب أمام مشاكل جديدة.
وبدأت مبادرة في هذا الشأن في إندونيسيا وماليزيا منذ بضع سنوات بعد أن رفض الملايين من الآباء تطعيم أطفالهم بلقاح الحصبة الألمانية الضروري للأطفال بسبب وجود الجيلاتين فيه رغم إصدار هيئة العلماء المسلمين في جاكرتا فتوى تجيز وتحلل استخدام اللقاح بحسب المصادر الإندونيسية المحلية.
وتخطط شركة الأدوية الإندونيسية المملوكة للدولة للعمل مع مجلس علماء إندونيسيا في تطوير لقاح خالٍ من الخنزير لحماية الأطفال.
ويعزو أطباء وباحثون تطفّل رجال الدين والجمعيات على المسائل الطبية وتحريم بعض الأدوية واللقاحات، إلى مصالح تجارية وسياسية.
اللقاح “الحلال” يُقصد به الخالي من جيلاتين مصدره الخنزير واستبداله بجيلاتين مصدره البقر على سبيل المثال
ويذكر الأطباء في هذا الشأن أن المحاذير الصحية والقيم الأخلاقية تدخل في إنتاج أي دواء، ولا يمكن السماح باستخدامه قبل أن يجرب بدقة وتتم الموافقة عليه.
وينصح الأطباء بعدم الاستماع إلى تلك الدعوات خصوصا ما يتعلق منها بتحريم لقاحات كورونا، لأنها لا تهدف إلى أكثر من المصالح السياسية وهدفها إثارة قلق الجمهور.
وتستفيد منظمات وجمعيات إسلامية تروج لمفاهيم الشريعة والإسلام المتشدد من تلك الدعوات لترويج خطابها السياسي والتأثير على المجتمع.
ورافق انتشار وباء كورونا دعوات من رجال دين تحرم ارتداء الكمامة خصوصا عند زيارة المراقد، معتبرة ذلك مس بقداسة الأولياء.
ومع تصاعد الأصوات بشأن تحريم لقاحات كورونا في وقت تظهر الدول الإسلامية بأمس الحاجة إليها لحماية شعوبها، يروج باحثون إسلاميون متطرفون نظريات مقابلة في محاولة للفت الانتباه.
وتذكر بعض المزاعم لجمعيات إسلامية أن حليب الام بديل لأي لقاح للاطفال وهو شديد اﻷهمية لتوفير المناعة للطفل خلال الأيام القليلة الأولى بعد الولادة.
ولاتخفي أوساط طبية وحكومية في عدة دول إسلامية قلقها من أن تستجيب فئات من المجتمع لهذه الأصوات التي تحرم اللقاحات، محذرة من خطورة ذلك.
وتساءل ناشط عراقي على موقع فيسبوك عن نتائج إصدار أحد كبار رجال الدين لفتوى تحرم اللقاح، وماذا سيحصل؟ مذكرا أن الإسلام الاجتماعي له تجارب سابقة في قضية التحريم العبثي قبل اللقاحات، وصلت إلى الملابس وطريقة الكلام وتحريم استلام الرواتب من الحكومة إن لم تكن إسلامية تطبق الشريعة.