الجزائريون يبحثون عن تبون
وكأنّ التاريخ يعيد نفسه في الجزائر، حيث يعيش الجزائريون هذه الأيام نفس الوضع الذي كابدوه تحت حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي توارى عن الأنظار من العام 2013 إلى أن خلعه الشعب الجزائري في العام 2019. وبقي كرسي الرئاسة شاغرا والبلد معطلا في حالة يرثى لها ولا يزال يعاني إلى اليوم جراء ذلك الشغور العبثي.
منذ أكثر من شهر وخليفة بوتفليقة خارج الجزائر، يعالج في مستشفى ألماني، لا أحد يستطيع الجزم إن كان في بون أو برلين أو هامبورغ لشح المعلومات وتضاربها، نظرا للضعف الإعلامي الرسمي الذي يساهم في انتشار الإشاعات حول وضعية الرئيس الصحية.
منذ البداية لم تكن بيانات رئاسة الجمهورية شفافة، بل بدت أمام الرأي العام الجزائري مبهمة متناقضة لا مصداقية لها. لم تتجرأ رئاسة الجمهورية على أن تعلن صراحة أن الرئيس عبدالمجيد تبون أصيب بفايروس كوفيد – 19، بل اكتفت بالقول إنه في “حجر صحي طوعي، بعد تأكد إصابة عدد من الإطارات بالرئاسة بالفايروس”. ثم نقل إلى المستشفى العسكري بالجزائر العاصمة دون إخبار الجزائريين بطبيعة مرضه. وحتى عندما نقل على جناح السرعة إلى ألمانيا قال بيان رئاسة الجمهورية في لغة خشبية اعتادها المواطنون في الجزائر إن “الرئيس تبون نقل إلى ألمانيا من أجل إجراء فحوصات طبيّة”. وطمأن البيان الشعب الجزائري كالعادة باستقرار الحالة الصحية للرئيس.
وقد ظل التكتم سيد الموقف، ولم تخبر السلطات الجزائرية الشعب الجزائري بأن رئيسه مصاب بكوفيد – 19، بل اكتفت بنقل ما جاء في بيان لوزارة الخارجية السعودية، التي قالت “بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود برقية للرئيس عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، إثر نبأ إصابته بفايروس كورونا المستجد”.
وجاء في البرقية، حسب نفس البيان، “علمنا بنبأ إصابة فخامتكم بفايروس كورونا المستجد، ونبعث لفخامتكم أطيب تمنياتنا بموفور الصحة والعافية والشفاء العاجل من هذا العارض الصحي، وأن لا تروا أي مكروه”.
ونشرت رئاسة الجمهورية الجزائرية سبعة بيانات منذ مرض الرئيس كانت كلها متذبذبة ومتناقضة، لم تزد في طين الإشاعات سوى بلة. كان التعامل مع مرض الرئيس سيئا لم يقنع أحدا، ولم يحترم المواطنين الجزائريين الذين باتوا يلهثون بحثا عن أخبار رئيسهم في وسائل الإعلام الأجنبية.
أيعقل أن تنقل الإذاعة الوطنية الجزائرية خبرا يطمئن على صحة رئيسهم عن قناة “روسيا اليوم”؟ وتنقل قناة “الشروق” الجزائرية عن قناة “الميادين” التابعة لحزب الله؟ وهل من المعقول أن يصرح مستشار الرئيس تبون لقناة روسيا اليوم بأن الرئيس بخير ويتماثل للشفاء، ويؤكد أن مصدره هو ابن الرئيس تبون؟
الأسئلة المطروحة اليوم في الجزائر هي: متى وبأي حال يعود الرئيس إلى البلد؟ وإلى متى تستطيع الجزائر تحمل غيابه المحيّر؟ وإن عاد هل بإمكانه مواصلة القيام بمهامه ومواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية والوبائية؟
هل هي عودة إلى سيناريو الرئيس المخلوع بوتفليقة حينما كان أخوه السعيد متحكما في أخباره الصحية؟ وهل ابن تبون هو المتحكم الوحيد اليوم أيضا في أخبار أبيه الصحية؟ وهل عبدالمجيد تبون مجرد أب أم هو رئيس جمهورية تحكمها قوانين وأعراف سياسية؟
من حق الشعب الجزائري دستوريا أن يطلع على الحالة الصحية لرئيسه عن طريق بيانات رسمية واضحة ومباشرة، لا عبر طرق ملتوية مضللة كما حدث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أرسلت مجرد برقية تمنت فيها الشفاء للرئيس الجزائري، فأصبحت في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية تحمل مضمونا آخر “تلقى بمشفاه في ألمانيا رسالة من المستشارة الألمانية، عبرت له فيها عن سعادتها لتماثله للشفاء بعد إصابته بفايروس كورونا، وتمنت له القوة والشجاعة في بقية فترة النقاهة”. وهو النص الذي لم يعثر عليه أحد لا في وكالة الأنباء الألمانية ولا في الصحف، وقد تواصل مدير موقع “جيري بارت” حتى مع الحكومة الألمانية التي نفت ذلك، حسب ما يصرح في تسجيل له على يوتيوب. ما هي الخطة القادمة بعد ما وصل مستوى التضليل إلى درجة تحريف كلام المسؤولين الأجانب؟
تبقى الجزائر تعيش في نفس المسلسل التكتّمي والتضليلي رغم الحراك ومظاهراته المليونية الصاخبة وإيداع في السجن لرؤساء حكومات ووزراء وضباط وموظفين سامين، ورغم الصراع الذي يخوضه النظام مع نشطاء ثورة الابتسامة من خلال الاعتقالات والمحاكمات وإصدار الأحكام القاسية.
رغم كل هذا لم يتغير شيء في البلد، بل عادت حليمة إلى عادتها القديمة، واكتشف معظم الجزائريين أن “الجزائر الجديدة” التي وعد بها الرئيس تبون ليست سوى مجرد وهم.
الأسئلة المطروحة اليوم في الجزائر هي: هل يعود الرئيس إلى البلد؟ متى وبأي حال؟ وإلى متى تستطيع الجزائر تحمل غيابه المحيّر؟ وإن عاد هل بإمكانه مواصلة القيام بمهامه ومواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية والوبائية؟
لا جزائري يثق في إجابات السلطة نظرا إلى التسيير التواصلي الكارثي منذ البداية.
في سخرياتهم أصبح الجزائريون يطلقون على الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عبارة “الصامت الرسمي”.