أطفال داعش: ضحايا منسيون يشكلون الجيل الجديد من إرهابيي المستقبل
ترك تنظيم داعش الإرهابي خلفه ضحايا من نوع آخر، هم الأطفال الذين حاول تجنيدهم في خدمة أهدافه، وأصبح السؤال الآن حول كيفية إعادة دمجهم من جديد في المجتمعات التي ينتمون إليها. ولا يستبعد مراقبون ظهور جيل جديد من المتشدّدين بأفكار أكثر تطرفا يسيرون على نهج آبائهم إذا لم يتم إعداد برامج لإعادة تأهيلهم، لاسيما وقد عاش هؤلاء الأطفال فترة طويلة من الزمن في ظل “دولة داعش” التي نسجت لهم حلم قيام دولة الخلافة المزعومة ولقنتهم أفكارا متطرفة لإقناعهم بالقيام بعمليات انتحارية في أوروبا.
ما تزال الدول الأوروبية تتبع وصفات متباينة في التعامل مع أطفال داعش العائدين إلى أراضيها، يحكمها في ذلك بدرجة أولى التحدي الأمني الهائل المطروح على عاتقها، في وقت تؤكد فيه وكالة فرض القانون الأوروبية «يوروبول» أن أطفال المقاتلين الأجانب تلقوا تدريباً خاصاً يعدهم حتى يكونوا الجيل الجديد من إرهابيي المستقبل.
أطفال المقاتلين الأجانب تلقوا تدريبا خاصا يعدّهم حتى يكونوا الجيل الجديد من إرهابيي المستقبل
وفي أكتوبر، قُتل صبي يبلغ من العمر 16 عامًا في روسيا برصاصة بعد أن أصاب شرطيًا أثناء محاولته إشعال النار في عدد من سيارات الشرطة. لم يكن هذا أول حادث لأسرته مع القانون. ففي عام 2001، أدين زوج والدته بالسجن 14 عامًا بتهمة الإرهاب بعد محاولته تفجير أنبوب غاز.
وأضاف الحادث سؤالاً جديدًا إلى مسألة ما يجب فعله مع عشرات الآلاف من الأطفال المنتمين إلى تنظيم داعش الذين ما زالوا في المعسكرات والسجون في العراق وسوريا، في وقت لا تبدي الحكومات الأوروبية، بشكل ملحوظ، اندفاعة لتسهيل إجراءات عودتهم رغم استعادة البعض منهم.
ويقول مراقبون إن هؤلاء أطفال لا ينبغي للعالم أن يتخلى عنهم بهذه السهولة، فهم معرضون بالفعل لخطر أن يصبحوا الوجه الجديد لتنظيم داعش أو أي جماعة تتبعه، وكلما تخلى العالم عنهم، زاد احتمال شعورهم بأنهم ليس لديهم خيار آخر. وهذا هو السبب في أن الإعادة إلى الوطن، مع الاهتمام بإبعادهم عن التطرف وإعادة إدماجهم في المجتمع، هي المفتاح لحل هذه المعضلة.
ويعتبر الأطفال في عيون المسؤولين ضحايا ومصدر خطر في الوقت ذاته، لذلك فإن إعادتهم إلى المدارس والبيوت في أوروبا محفوفة بالصعوبات.
وحذر رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية، هانس غيورغ ماسن، من الأطفال والشباب الذين تلقوا تربية متطرفة، العائدين من مناطق القتال إلى ألمانيا، وقال ماسن إنه يوجد أطفال وشباب خضعوا إلى غسل دماغ في “مدارس” تابعة لتنظيم داعش، وتطرفوا بشكل قوي.
وأوضح رئيس الاستخبارات أن الأطفال يظهرون في دعاية تنظيم داعش كجيل جديد من مقاتلين عنيفين وبلا رحمة، وبالتالي فإنهم قد يشكلون خطرا لدى عودتهم وسيكبرون كجهاديين من الجيل الثاني.
وأكد محللون أن الوضع الحالي لأطفال تنظيم داعش حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها تحت أي ذريعة، بل يجب الاعتراف بها بشكل علني وصريح ووضع الحلول الناجعة والإجراءات الكفيلة لمواجهة خطرها.
ويقول بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر “أُدرك الحساسيات في البلاد التي عانت من اعتداءات إرهابية ومع ذلك فما زلنا نأمل في تسهيل الحلول الإنسانية للأطفال”.
معضلة فصل الأطفال
أرسلت العديد من الحكومات الغربية الشهر الماضي، بما في ذلك السويد وألمانيا، وفودًا إلى المعسكرات في سوريا للتحدث إلى الرعايا المسجونين حول ما إذا كانوا يريدون إعادة أبنائهم إلى أوطانهم. لم توافق أي من النساء اللواتي تحدثت إليهن هذه الوفود. وعلى حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت العديد منهن إنهن اتخذن قراراتهن من أجل صالح أبنائهن، حيث يجب أن يكون الأطفال قريبين من أمهاتهم.
لكن على نحو خاص، أضفن قلقهن من أن السماح لأبنائهن بالعودة إلى الوطن يعني أن حكوماتهن ستنسى الأمهات أنفسهن وتتركهن في المخيمات. وفي المقابلات، لاحظ العديد من المسؤولين الحكوميين الغربيين أن هدفهم الرئيسي هو إعادة الأطفال، فهم يعتقدون أنه من الآمن القيام بذلك، والرأي العام يؤيد مثل هذه المبادرات، وهم أقل اهتمامًا بما سيحدث للنساء بعد ذلك.
وحتى لو وافقت أي من النساء اللاتي تحدثت إليهن الوفود على إعادة أبنائهن، فلا يزال من غير المؤكد أن ذلك كان سيحدث، حيث السياسة الرسمية لقوات سوريا الديمقراطية، التي تشرف على العديد من معتقلات داعش، هي أن الأيتام والحالات الطبية فقط (الأطفال المرضى مع أمهاتهم) يحق لهم إعادتهم إلى ديارهم.
وفي مقابلة، قالت امرأة إنه تم إخطار النساء أنهن إذا حاولن القيام بذلك مرة أخرى، فسيتم نقل أبنائهن إلى دور الأيتام في سوريا بدلاً من ذلك. وبالنسبة إلى قوات سوريا الديمقراطية، فإن السيطرة على العديد من الأجانب في المخيمات، وخاصة الأطفال، من شأنها أن تمنحها مكانة أقوى في المفاوضات مع الحكومات المحلية.
وحتى الأيتام الحقيقيون لا تتم إعادتهم بسهولة، حيث استخدمت النساء الأيتامَ لابتزاز أجدادهم في الوطن، معتبرات أنه إذا دفع الأجداد فدية، يمكن إعادة أحفادهم إلى الوطن.
إحدى الحالات التي ذكرتها عدة نساء في المخيم تتعلق بشيشانية تابعة لداعش تبلغ من العمر 56 عامًا، تدعى خديجة، مسجونة في مخيم الهول.
وعلى مدى عدة أشهر، أخفت خديجة أربعة أيتام روس حتى لا تتم إعادتهم إلى ديارهم. وبشكل علني، قالت إنها لا تريد أن يكبر الأطفال في دولة غير مسلمة مع أجداد تعتبرهم غير مسلمين. لكن في الوقت نفسه، ورد أنها أخبرت أقارب كل يتيم أنها ستعيد الأطفال إذا دفعوا مقابل تهريبها إلى تركيا.
وفي إحدى الحالات في آسيا الوسطى، زعمت أم أعيدت مع طفلها، أن والد الطفل كان رجلاً من عائلة ثرية مات في سوريا. علمت المخابرات في البلاد أنها كانت تكذب. كان الرجل يقاتل في مناطق مختلفة قبل تسعة أشهر من ولادة الطفل. وعلى مدار عام تقريبًا، قال مسؤول في مقابلة، إنهم ناقشوا ما إذا كان يجب قول الحقيقة لجد الطفل المزعوم أم لا.
وبينما لا تزال غالبية الدول تحاول إبقاء الأطفال مع آبائهم المتطرفين، فإن بعض الدول تفعل العكس، على أمل درء إرث الأطفال للمعتقدات المتطرفة. فعلى سبيل المثال، في طاجيكستان، التي شهدت مؤخرًا حربًا أهلية دامية، تم وضع الأطفال المنتمين إلى داعش العائدين من العراق وسوريا في دور للأيتام.
وما يجب القيام به مع أطفال مقاتلي داعش هو توجيه سؤال مهم، ليس فقط من منظور إنساني ولكن أيضًا من وجهة نظر أمنية. ففي الدول ذات التاريخ الطويل من التمرد، كثرت حالات الأطفال الذين ينضمون إلى آبائهم في القتال.
وللمساعدة في إعادة إدماجهم في المجتمع، فضلت بعض البلدان فصل الأطفال عن الآباء المتطرفين، ووضعهم مع أقاربهم أو في دور الحضانة أو التبني. ويرى أخصائيون اجتماعيون في هذا النهج أسرع طريقة لإنقاذ الأطفال الأبرياء، إلا أنه يعني أيضًا سلخهم عن أمهاتهم، وهو ما يتعارض مع القانون الإنساني الدولي.
يرى البعض أن تنظيم داعش الإرهابي ركز على صب فكره المتشدد في عقول الأطفال الأبرياء، واعتمد في إعداده للأطفال أسلوباً ممنهجاً في بنـاء فكر إرهابي يتعارض كلياً مع التعامل الإنساني.
فالأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، يخضعون لمعسكر يزرع فيهم الفكر المتشدد، وبعد بلوغ سن 16، يزج بهم في ساحات التدريب العسكري، ليصبح المتدرب بعد ذلك عنصراً مقاتلاً مشبعاً بالتشدد في آنٍ واحد. ويؤكد البعض أنهم الأكثر تضررًا على مستوى اللحظة الراهنة بسبب تعرضهم للقتل، واليتم، والتجنيد.
وصنف مرصد دار الإفتاء المصرية هؤلاء الأطفال حسب خطورتهم إلى عدة فئات، فالفئة الأولى وهم الأطفال دون 6 سنوات، أي الذين ولدوا في أرض المعركة، فهؤلاء لا يشكلون أي خطر حقيقي على المجتمع، ولكن يتعين احتواؤهم والتعاطي معهم بطرق خاصة، نظرًا لما عانَوه من مخاطر وتهديدات في سنين عمرهم الأولى.
أما الفئة الثانية وهم الأطفال فوق 6 سنوات إلى 12 سنة، وهم الذين ذهبوا إلى مناطق الصراع مع ذويهم وتشربوا الفكر الداعشي، فهؤلاء ربما يُكوِّنون جيلًا جديدًا من المجندين لصالح تنظيم داعش، ويمكن تحييد هذه الفئة من خلال برامج تأهيلية نفسية واجتماعية وثقافية، تنتشلهم من مستنقع الفكر الإرهابي.
أما الفئة الثالثة فهي الفئة العمرية من 12 سنة إلى 18 سنة، وهي الفئة الأخطر، التي ربما انخرطت في معارك داعش، وأُخضِعَت فعلًا لعملية غسل أدمغة، وهؤلاء ينبغي أن توليهم الأجهزة الأمنية نوعًا من الرعاية التأهيلية المتخصصة، وأن تأخذ بعين الاعتبار ظروفهم النفسية والاجتماعية. وينبغي على الحكومات ألا تطبق عليهم معايير البالغين ذاتها داخل تنظيم داعش.
ويدعو مرصد الإفتاء إلى ضرورة مشاركة المنظمات الدولية والأممية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، لمتابعة الأطفال والقصَّر بين اللاجئين، وعزل الأطفال الذين وصلوا من دون ذويهم، وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لهم، وذلك ضمن جهود محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب.
ما الذي يمكن فعله حينما يستحوذ الإرهابيون على عقول أطفال أبرياء؟ كيف يمكن لمجتمع جعل من حماية الطفولة قيمة لا تقبل الانتهاك أن يتعامل مع من قد يصبحون “قنابل موقوتة” تهدد الأمن العام؟
إعادة الإدماج
يتفق خبراء الصّحة العقليّة ومكافحة الراديكالية على أنّ دعم المجتمع والأسرة، لاسيما الاستقرار الذي بإمكان جدّة الأطفال توفيره، هو أهم العوامل في عمليّة إعادة الإدماج. لكن البعض حذّر من أنّ أساليب التّلقين المتطورة التي يتبعها داعش تحتاج مواجهتها إلى برامج إعادة إدماج متطوّرة بالقدر نفسه.
ويقول دانييل كوهلر، مدير المعهد الألماني لدراسات الراديكالية في شتوتغارت، إنّ الجماعة المتشدّدة قامت بغسل أدمغة الأطفال وحشوها بتعاليم تنظر إلى القِيَم الغربيّة على أنّها شريرة، وجعلتهم ينخرطون في تدريبات قتاليّة، وفي بعض الحالات، أجبرتهم على حمل الأسلحة وارتكاب أعمال عنف.
ويضيف كوهلر، الّذي عمل على حالات لمتطرّفين إسلاميين ويمينيّين متطرّفين في أوروبا والولايات المتّحدة، أنّ “ما أرادوا فعله هو تربية الجيل القادم من مقاتلي داعش. وقد رُبّي هؤلاء اجتماعيّاً على فهم مختلف تماماً للصّواب والخطأ، والخير والشر ما جعل الأطفال العائدين من أصعب الحالات الّتي يجب معالجتها”.
واقترحت بعض الأبحاث في مجال مكافحة الراديكالية أنّ الأطفال الصغار الّذين يولدون أو يُنقلون إلى إقليم تسيطر عليه داعش يجب أن يُنظر إليهم في المقام الأوّل كضحايا، في حين قد تكون هناك حاجة إلى مُقَاربةٍ أكثر تعقيداً تجاه الأطفال الّذين بلغوا من العمر ما يكفي لفهم أيديولوجيا المتشدّدين أو الانخراط فيها بشكل كامل.
وعندما يفحص الأطباء النفسيون الصغار للمرة الأولى، يجدونهم في حالة صدمة لفصلهم عن أمهاتهم في المطار.
وقال تيري بوبيه، الذي يعالج 40 طفلا في إطار برنامج أعدته السلطات الفرنسية العام الماضي “نجدهم في حالة مزرية عندما نفحصهم”.
دانييل كوهلر: تنظيم داعش قام بغسل أدمغة الأطفال وحشوها بتعاليم متطرفة تنظر إلى القِيَم الغربيّة على أنّها شريرة
ويتم تسليم الأطفال إلى أسر حاضنة خلال الفترة التي تحتجز فيها الأمهات العائدات قبل محاكمتهن. ويحتار الكثير من هذه الأسر في كيفية التعامل مع حالة الصدمة، وقد بدأت تحضر جلسات جماعية ينظمها الأطباء النفسيون.
وفي كثير من الأحيان، يكون الأطفال في سن صغيرة لا تسمح لهم بفهم الوصمة المرتبطة بتنظيم داعش، أو مدى الانزعاج الذي قد تسببه كلماتهم للجيران والمدرسين ومشرفي الرعاية الاجتماعية.
ويضيف بوبيه “يتحدثون عن القنابل. ويتحدثون عن آبائهم الراحلين. ويتكلمون عن داعش طول الوقت”.
وفي أجزاء من أوروبا، جرى تطوير برامج وكتيّبات متخصّصة لمساعدة الخبراء على الإبحار في هذا المشهد الجديد. ومع ذلك، وفي الكثير من البلدان، كانت التّدخّلات تستند إلى حدّ كبير إلى السّجون، أو تُركّز على البالغين، أو على التّخلّص من الدّعاية الإرهابيّة عبر الإنترنت.
وتحذر الخبيرة الألمانية في مكافحة التطرف الإسلامي، كلاوديا دانتشكه، من أي أحكام مسبقة بحق أطفال داعش العائدين من العراق وسوريا.
وتقول دانتشكه “الأطفال هم أول الضحايا ويجب علينا العمل على ألا يتحولوا إلى إرهابيين”، مطالبة بإنشاء شبكة بين مكتب شؤون الشباب والمدارس ورياض الأطفال ومكتب العمل، ذاهبة إلى أن إرهابيي داعش الألمان اتجهوا إلى التطرف في ألمانيا، ومن واجب المجتمع الألماني القضاء على خطر التطرف.