التحرك المغربي يعيد إلى معبر الكركرات جاذبيته الاقتصادية
تتشكل بلدة الكركرات في أقصى جنوب الصحراء المغربية من بضعة مبان لا يتعدى كل منها الطابقين، وثلاث محطات وقود ومطعم… ويتركز كل شيء فيها حول الحدود مع موريتانيا على الطريق البري الوحيد الذي يربط المغرب بغرب أفريقيا.
ويقول بقال البلدة عزيز “لا يوجد شيء هنا! لا مساكن، لا ماء لا مدارس. الكهرباء تقطع مرتين في اليوم، لكن هناك من يودون فتح فنادق أو متاجر إذا وجدوا دعما”.
وعلى جانب البقالة، أقام هذا المقاول الشاب ما يشبه مقهى رصيفيا صغيرا قبالة متجره يلجأ إليه سائقو شاحنات نقل البضائع الذين يشكلون أغلب زبائنه، فضلا عن بعض المسافرين من وإلى موريتانيا وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
ويؤكد عضو المجلس المحلي المنتخب في بلدة بئر كنذوز المجاورة الفقير خطاط أن “بوابة الكركرات ذات ثقل اقتصادي كبير وتدر مداخيل هامة”، معربا عن ارتياحه “للتحرك المغربي الذي سيعزز الجاذبية الاقتصادية للمركز الحدودي”.
ويأمل أن تستفيد الكركرات من مشاريع إنمائية مغربية في مستوى موقعها “كبوابة للمغرب على أفريقيا”، مشيرا إلى “مشروع بناء منطقتين صناعيتين في الكركرات”.
ويأمل الفقير خطاط في أن تساهم هذه المشاريع في إعمار منطقة أوسرد وهي عموم المجال الصحراوي الشاسع المطل على المحيط الأطلسي ذي الكثافة السكانية الضعيفة، وفيه تقع الكركرات.
وكان المغرب أعلن في 2015 إطلاق عدة مشاريع إنمائية في الصحراء المغربية في إطار مخطط طموح يهدف إلى جعلها “مركزا اقتصاديا وحلقة وصل بين المغرب وامتداده الأفريقي”.
وينسجم هذا المخطط مع توجه المغرب نحو تعزيز علاقاته الاقتصادية مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وعودته إلى الاتحاد الأفريقي العام 2017.
من بين تلك المشاريع تعزيز البنية التحتية بتوسيع “طريق سريع” على طول ألف كيلومتر حتى مدينة الداخلة على المحيط الأطلسي شمال الكركرات، وإنشاء ميناء “الداخلة الأطلسي” الذي يعول عليه لربط شمال المغرب بموانئ أفريقيا الغربية وجزر الكناري الإسبانية غربا. وتقدر كلفة المشروعين بنحو مليار دولار لكليهما.
سعدالدين العثماني: الطريق أصبح مؤمّنا وهذا في مصلحة أفريقيا والمغرب وبلدان الشمال
وفي طريقها نحو الكركرات تمر شاحنات نقل البضائع من بلدة بئر كندوز الواقعة على بعد نحو 80 كيلومترا شمالا، وتعيش هي الأخرى على وقع الحركة التجارية مراهنة على الاستفادة من ثمارها.
ويقول مدير فندق بالبلدة داودا سين “هذه نقطة إستراتيجية دولية يمر عبرها كل الأوروبيين والأفارقة الذين يتجهون نحو أفريقيا الغربية”.
وجاء هذا السنغالي (46 عاما) قبل ستة أشهر من الداخلة إلى بئر كندوز “للعمل عل تحسين صورة الفندق ليكون في مستوى دولي”. ويستقبل الفندق في الأوقات العادية نزلاء من مختلف الجنسيات الأفريقية والأوروبية وحتى من الصين، من تجار وسياح.
ورغم تأثر نشاط الفندق بجائحة كوفيد – 19 وإغلاق طريق الكركرات من طرف ميليشيات البوليساريو، ما زال داودا مقتنعا بأن بلدة بئر كندوز التي تضم حاليا نحو ألف شخص فقط، تملك من المؤهلات ما يجعلها مركزا سياحيا وتجاريا “أهم حتى من الداخلة”.
ويعبر المركز الحدودي للكركرات حاليا نحو مئتي شاحنة يوميا، تزاحمها أحيانا قطعان إبل يعد رعيها نشاطا أساسيا في الصحراء.
ويساهم التحرك المغربي لحماية المعبر من استفزازات البوليساريو، في استعادة الكركرات لجاذبيتها الاقتصادية.
وقال رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني في زيارة للكركرات الجمعة، “الطريق أصبح اليوم مؤمّنا وهذا في مصلحة أفريقيا والمغرب وبلدان الشمال”.
وكانت الجبهة الانفصالية استأنفت أنشطتها الاستفزازية بعد ثلاثون عاما من وقف إطلاق النار، ما دفع إلى عملية عسكرية مغربية في الكركرات لحماية الحركة المرورية وتأمين ممر أساسي للتجارة.
وكان الهدف من العملية المغربية ردع مجموعة من عناصر البوليساريو الذين كانوا يقطعون الطريق أمام عابريها، مدعومين بأربع عربات مسلحة.
ولم يتحرك المغرب إلا بعد أن تعطلت محاولات متكررة للتهدئة رعتها الأمم المتحدة وبعثة المينورسو وموريتانيا، فيما رفضت الجبهة الانفصالية كل تلك الوساطات.
ولم يكن للنداءات التي وجهتها الأمم المتحدة أي صدى لدى الجبهة، التي تسعى بتحريض من الجزائر إلى إعادة خلط الأوراق لاسيما بعد الاعتراف الدولي بالحل المغربي لأزمة إقليم الصحراء.
و كانت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد أكدت، أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية، ، لاستعادة حرية التنقل بمعبر الكركرات، تمت “بشكل سلمي، ودون اشتباك أو تهديد لسلامة المدنيين”.
وأوضحت الوزارة في بيان أن هذه العملية الرامية إلى وضع حد نهائي للتحركات غير المقبولة لـلبوليساريو، تأتي بعد إعطاء الفرصة كاملة لإيجاد حل دبلوماسي من خلال المساعي الحميدة للأمم المتحدة.
ولاقت الخطوة المغربية دعما دوليا، حيث توالت ردود الأفعال المؤيدة لقرارات المغرب والمنددة بإصرار جبهة البوليساريو على انتهاك الشرعية الدولية.
وتحتفظ القوات المغربية منذ ذلك الحين بمواقعها في المنطقة بعدما أنهت أشغال تهيئتها وتعبيد الطريق حتى الحدود مع موريتانيا.