لقاءات طنجة التشاورية تُعطي جرعة أوكسجين لإحياء البرلمان الليبي
لاحت في أفق الأزمة الليبية خلال الاجتماعات التي تحتضنها طنجة المغربية حالة من التوافق العام بين الفرقاء الليبيين على إنهاء الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات، فضلا عن ترتيب أولويات استحقاقات المرحلة القادمة بعيدا عن المغالبة، وهي رسالة اعتبرها محللون تقطع الطريق على كل المحاولات التي قد تربك مسار السلام المحفوف بالمطبات.
أعطت أجواء التفاؤل، التي سادت الاجتماعات التشاورية بين البرلمانيين الليبيين في مدينة طنجة المغربية، جرعة أوكسجين سياسية قوية لإحياء وتفعيل دور البرلمان الليبي، في الوقت الذي اصطدم فيه ملتقى تونس للحوار السياسي الليبي في جلساته الافتراضية بعقبات حالت دون تجاوز عقدة آلية اختيار من سيتولى المناصب التنفيذية العليا في البلاد.
وتُشير الأنباء الواردة من مدينة طنجة إلى أن البرلمانيين الليبيين المشاركين في الاجتماعات التشاورية التي يُنتظر أن تنتهي أعمالها السبت، قد اتفقوا على حزمة من التفاهمات التي من شأنها إعادة الروح للبرلمان حتى يقوم بدوره كاملا بعيدا عن الانقسام الأيديولوجي والتشظي المناطقي والانطواء السياسي.
وقال النائب الليبي جبريل أوحيدة، في اتصال من طنجة، حيث يُشارك في الاجتماعات التشاورية، إن “التفاهم والتوافق يسودان هذه الاجتماعات وسط إجماع على ضرورة تبديد كافة الخلافات لتجاوز العقبات التي تحول دون توحيد البرلمان وإنهاء حالة الانقسام”.
واعتبر أن ما تم التوصل إليه خلال هذه الاجتماعات أعمق بكثير من مجرد “جرعة أوكسجين” لكسر حالة الجمود، ذلك أن مسودة البيان الختامي، الذي يُنتظر أن يصدر السبت في أعقاب هذه الاجتماعات، سيؤكد إنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات، بما يعيد تنظيم وترتيب الأولويات لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، عبر التوافق وبعيدا عن المغالبة.
وقال إن “النواب المشاركين في هذه الاجتماعات سيتحولون إلى مدينة غدامس الليبية يوم الإثنين، لعقد جلسة برلمانية عامة بحضور غالبية أعضاء البرلمان، وذلك لتنفيذ ما تم التوصل إليه في اجتماعات طنجة، ولجنة 13 + 13 البرلمانية التي ستجتمع الأحد في المغرب”.
وكانت اجتماعات طنجة التي انطلقت الثلاثاء الماضي، قد تم تمديد أعمالها إلى السبت، لمواصلة التشاور على مستوى اللجان الأربع التي تم تشكيلها في وقت سابق، منها لجنة الصياغة وأخرى لتعديل اللائحة الداخلية وثالثة لصياغة التفاهمات للإعداد للمرحلة القادمة.
وكشف أوحيدة أن مسودة البيان الختامي تتضمن توافقا على أن تكون مدينة بنغازي هي المقر الدستوري للبرلمان، كما ستؤكد على موعد الانتخابات العامة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، الذي تم إقراره خلال الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي عُقد في تونس تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن مسودة البيان الختامي تنص أيضا على أهمية استعادة البرلمان لدوره الدستوري والرقابي، وعلى رفض كل المحاولات لتهميش دوره، والخطط الأجنبية أو المحلية التي تستهدف فرض جسم بديل له تحت عناوين مختلفة، منها ما بات يُوصف بـ”ملء الفراغات السياسية”.
وبدا واضحا أن هذا الرفض موجه بالأساس إلى ملتقى تونس للحوار السياسي الليبي الذي أشاع تخوفات من أن يكون الهدف الرئيسي من عقده بحضور 75 شخصية ليبية هو خلق جسم بديل عن البرلمان لتمرير استحقاقات المرحلة القادمة التي رسمت خطوطها العريضة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإعلان عن خارطة طريق تتضمن اختيار سلطات تنفيذية جديدة، وتنظيم انتخابات عامة في العام القادم.
وتردد صدى تلك المخاوف لدى غالبية أعضاء البرلمان الليبي في شرق وغرب البلاد، حيث لم يتردد البعض منهم في توجيه اتهامات واضحة ومباشرة إلى رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالوكالة، ستيفاني وليامز، بالوقوف وراء ذلك، منهم النائب محمد العباني، الذي وصف ما تقوم به بـ”الانتهاك الصارخ لإرادة الليبيين”.
وقال في تدوينة له إن وليامز تعمل على “تنصيب نفسها وصيا على دولة ليست تحت الوصاية”، وأكد في المقابل على أن البرلمان “هو السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من كل الليبيين، بإمكانه قلب الطاولة على بعثة الدعم الأممية” داعيا في نفس الوقت إلى وقف ما أسماها “المهازل واغتصاب الإرادة”.
ووجه العباني كلمة لزملائه البرلمانيين، قائلا “ماذا تنتظرون وبعثة الدعم تستبدلكم بقوى غير منتخبة، بمجموعة من الذين لا تهمهم ليبيا في شيء غير الاستمرار في الفساد ونهب المال العام؟ شعبكم الذي اختاركم لتكونوا نوابه يستحلفكم أن تضعوا حدا لما يحصل أو تعلنوا حل مجلس النواب وتعودوا أدراجكم”.
ويعكس الموقف الحاد عمق المخاوف التي تنتاب أعضاء البرلمان الليبي المُنتخب في العام 2014، من نتائج ملتقى الحوار السياسي الليبي المباشر برعاية الأمم المتحدة الذي أنهى مساء الأربعاء الماضي جولته الثانية التي تمت عبر الفيديو كونفرانس دون التوصل إلى توافق حول آليات اختيار أعضاء السلطة التنفيذية الموحدة لإدارة المرحلة التمهيدية التي تسبق الانتخابات.
مسودة البيان الختامي تتضمن توافقا على أن تكون مدينة بنغازي هي المقر الدستوري للبرلمان
ولم تُفلح تحذيرات ستيفاني وليامز التي أشارت فيها إلى أن “الوضع في ليبيا لا يزال هشا وخطيرا”، وتذكيرها للمشاركين في ملتقى الحوار بـ”الحاجة المُلحة إلى المضي قدما في العملية السياسية”، في تبديد الخلافات حول نقطة آليات اختيار أعضاء السلطة التنفيذية التي جعلت مُخرجات هذا الملتقى تقترب من الانسداد.
وتُبقي هذه الخلافات الوضع العام في ليبيا مُلتبسا ويحتمل الكثير من المفاجآت التي يمكن أن تقلب التوقعات وتبدل موازين القوى، لاسيما في هذه الفترة الذي تُنذر فيها مخاضات تعدد منصات الحوار والتشاور بمناخ يدفع بتبدلات في المواقف قد تفتح بوابات لمشهد سياسي جديد بمعادلات صراع مغايرة لتلك السائدة حاليا.