المغرب يعزز سيادته بحزمة تنموية للأقاليم الجنوبية
ركز المغرب جهوده لتعزيز سيادته على أقاليمه الجنوبية بوصفها جزءا أصيلا من الدولة المغربية، وذلك عبر الدفع نحو ربط تنمية تلك الأقاليم بالانفتاح الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي على محور دول أفريقيا في خطوة جسدتها في مرحلة أولى طريق سريعة لتسهيل التجارة بين الرباط وأفريقيا.
يعمل المغرب على كافة الأصعدة لتعزيز سيادته على أقاليمه الجنوبية، من خلال ربط تنمية الأقاليم بالانفتاح الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي، ما سيزيد من حجم الاستثمارات وصعود منحنى التنمية.
وتعرف الأقاليم الجنوبية المغربية حركية دبلوماسية كبيرة بعد اقتناع عدد من الدول العربية والأفريقية افتتاح قنصليات بالعيون والداخلة، وهذا التوجه يدعم حسب خبراء في الاقتصاد السياسي، التنمية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية باعتبارها ثمرة للسياسات والرؤية بعيدة المدى التي وضعت المغرب على سكة الدول التي توازن الإصلاحات بالتنمية.
ورصد المغرب قرابة 17 مليار دولار لتنمية كل من جهة الداخلة وادي الذهب وجهة كلميم واد نون، وجهة العيون الساقية الحمراء، المكونة لأقاليم الصحراء المغربية إلى حدود العام 2026، وتتعلق المشاريع الكبرى بإنتاج الفوسفات والطاقة الشمسية.
ولدعم المشاريع التنموية يقترب المغرب، من الانتهاء من مشروع طريق سريعة بأكثر من 1000 كيلومتر بين تزنيت والداخلة، مرورا بالعيون، بميزانية تناهز 1 مليار دولار، والذي سيساهم في تيسير عمل المئات من الشاحنات الكبيرة المحملة بالأسماك وغيرها من المنتجات التي ستربط شمال المغرب بجنوبه وفي اتجاه الدول الأفريقية.
وتشيد تقارير دولية عديدة بمخطط المغرب الطموح الذي يهدف إلى الرقي بالصحراء إلى مستوى تنمية مشابه لنظيره بباقي أقاليم البلاد، وذلك انطلاقا من اقتناعه بأن التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ستؤدي إلى حلّ النزاع.
ويؤكد المراقبون أن هذه المشاريع التي رصدت لها استثمارات ضخمة تعكس الاستراتيجية التي تتبعها الدولة من أجل تحديث البنية التحتية لمنطقة الصحراء لتتكيف مع الجهود الرامية نحو مناطق متناغمة تستجيب لنمط الاستدامة.
وسبق لرؤساء الجهات الثلاثة أن أكدوا، “إن الاقاليم الجنوبية ستستفيد في إطار برنامج تنمية الصحراء من استثمارات تتعلق بتمويل إنجاز برامج منها تطوير منتجات الصيد البحري، وتطوير تربية الأحياء المائية، وبناء محطة لتحلية مياه البحر لأغراض زراعية، ومحاربة التصحر. وإحداث فرص عمل ودعم المبادرة الخاصة”.
وفي هذا الخصوص أكد رئيس المجلس الجهوي للداخلة – وادي الذهب الخطاط ينجا، “أن الجهة تتوفر على رأسمال بحري مهم يبلغ 660 كيلومترا، مما يمنحها أفضلية تنافسية واضحة بالنظر إلى موقعها الجغرافي ووفرة مواردها الطبيعية، فضلا عن احتضانها لبنيات تحتية مخصصة للأنشطة البحرية”.
17 مليار دولار رصدها المغرب لتنمية الأقاليم بمشاريع الفوسفات والطاقة الشمسية
وبهذا الخصوص يقول الخبير الاقتصادي رضا الهمادي ، “إنه بإمكان هذه المنطقة أن تجتذب العديد من الاستثمارات الدولية وأن تصبح بحق نافذة لأفريقيا الصحراء والساحل نحو أوروبا وباقي العالم”، موضحا “أن هذا ما سيعزّز موقف المغرب بخصوص قضية الصحراء المغربية وسيكون ورقته الرابحة للرد على العديد من الأصوات المناوئة للوحدة الترابية”.
وفي إطار هذه الاستراتيجية التنموية، التي تضع المواطن المغربي في قلب الانشغالات، وضع العاهل المغربي الملك محمد السادس الإطار الملائم لاستثمار أكثر من 10 مليارات دولار لبناء المدارس والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء والطاقة المائية والصيد البحري، وغيرها.
وجدد الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، في السابع من نوفمبر الجاري، التأكيد على التزام المملكة بمواصلة تنمية الأقاليم الجنوبية واحترام الشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء.
وأرجع الأكاديمي الفرنسي هنري لويس فيدي، الحركية والتقدم الذي عاشته الأقاليم الجنوبية للمغرب في العقدين الأخيرين إلى إرادة الملك محمد السادس الراسخة في تطوير وتنمية مدن الصحراء من خلال تخصيص استثمارات كبيرة أهلتها لتصبح ما هي عليه الآن.
ومن المشاريع التنموية الاستثمارية الكبرى بالمنطقة ميناء الداخلة الأطلسي، في أقصى الجنوب المغربي قرب الحدود مع موريتانيا، باعتباره أكبر ميناء لوجيستي في منطقة غرب أفريقيا، وبتكلفة 1.1 مليار دولار، والذي يرتقب أن يلعب دورا رئيسيا في حركة المسافنة والنقل البحري في هذه المنطقة، إضافة إلى تعزيز العلاقات التجارية بين المغرب ودول المنطقة الاقتصادية لغرب أفريقيا.
ويتكون المشروع من 660 مترا من الأرصفة المخصصة لرسو السفن التجارية الضخمة بعمق 16 مترا، و1800 متر من الأرصفة بعمق يصل إلى 12 مترا، بالإضافة إلى رصيف للخدمات بطول متر، ورصيف بترولي بعمق 16 مترا، أما الميناء فيتكون من ثلاثة أجزاء، الأول مخصص للسفن التجارية، والثاني للصيد البحري، والثالث لأوراش إصلاح وصيانة السفن.
وحول الرواج المتوقع لميناء الداخلة المتوسطي، قالت مصادر قريبة من المشروع إن حجم أعماله سيناهز 3 ملايين طن من البضائع في السنة عند انطلاقه، ونحو مليون طن بالنسبة للصيد البحري.
ومن شأن الاستثمارات التي خصصت لتعزيز البنيات التحتية المينائية بالداخلة أن تجعل من جنوب المغرب مركزا لموانئ الواجهة الأطلسية للقارة الأفريقية، من خلال وضع هذه الجهة على الخارطة العالمية لنقط العبور الأساسية نحو القارة.
وكقطب للتنمية والازدهار الاقتصادي ومحطة للاستثمار أكد خبراء في الاقتصاد، أن الأقاليم الجنوبية تتوفر على مؤهلات وثروات كبيرة سواء في الاقتصاد البحري أو الفوسفات وغيره، ما يضمن قيمة مضافة للدينامية الاقتصادية وخلق الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة وضخ عائدات ضريبية مهمة لفائدة الدولة والجماعات الترابية، وكذا مساهمة في الاندماج الأفريقي تحقيقا لمعادلة رابح رابح.